خطبة الجمعة : الدين الخُلق.. للإمام الشيخ عبدالله المؤدب البدروشي.. بجامع أبي لبابة الأنصاري بقابس
+ + +
الحمد لله.. الذي بنى دينه على مكارم الأخلاق.. و أقام سبيله على التراحم و التآلف والوفاق..أشهد أن لا إله إلا الله..وحده لا شريك له..شرفنا بهذا الدين..و أمرنا باتباع هديه المبين.. وأشهد أن سيدنا و قدوتنا وحبيب قلوبنا محمدا عبده و رسوله.. صاحب الخلق العظيم .. والمنبت الكريم .. والمنهج القويم .. اللهم صل وسلم عليه في الأولين و الآخرين..وارض اللهم على آله الطاهرين.. وعلى صحابته الغر الميامين..وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد.. إخوة الإيمان والعقيدة الإسلام.. ديننا القيم ..لكي نفهم حقيقته و معناه .. هو حسن عبادة للخالق.. يصاحبه حسن تعامل مع المخلوق.. هذا هو الإسلام ..عبادة حقة لله.. و معاملة حسنة مع عباده.. وفي قرآننا الكريم.. في كلام ربنا..ربط الله جل جلاله بين الإيمان والعمل الصالح ..فقال عز وجل ..وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [البقرة : 25]..وقال أيضاإِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ .. [يونس : 9].. فالجنة لمن ..و النجاح و الفلاح لمن .. لأهل الإيمان ..الذين يطيعون الله ..و يعبدونه حق عبادته ..و يعملون الصالحات .. أصحاب الكلمة الطيبة..و الفعل الحسن ..فعبادة الله ..تحتاج إلى خلق حسن..وعمل صالح .. وفي قرآننا العظيم، حتى إذا قدم الله العمل الصالح على العبادة في الذكر.. اشترط له الإيمان حليفا..قال تبارك و تعالى ..مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى.. وَهُوَ مُؤْمِنٌ.. فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل : 97].. وقال أيضا..وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرً[النساء: 124].. فلا يقبل الله العبادة من صلاة و زكاة و صوم و حج ..إلا إذا صاحبها العمل الصالح..و الأخلاق الطيبة..ولا يقبل الله العبادة مع الأخلاق السيئة.. لا يقبل العبادة مع سوء الأعمال .. فليحذر المؤمن .. الإسلام ليس صلاة و زكاة و صوما و حجا فقط .. تلك أسس الإسلام ..تلك أركان الإسلام.. تلك قواعد الإسلام .. جاء في الصحيحين ..قول حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ..بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ .. شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ.. وَحَجِّ الْبَيْتِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ..هذه أساسات.. فإذا أقام المسلم أساسات البيت ..و لم يقم له جدرانا وسقفا .. فلا يسمى بيتا و لا يصلح للسكن.. و إذا أقام المسلم الجدران و السقف من غير أسس .. انهار البيت قبل أن يسكن ..كذلك قواعد الإسلام .. الصلاة.. مع الإساءة للغير..فكأنك لم تصل.. الصوم مع الظلم و الاعتداء إنما هو تعب و عطش ..أورد الإمام مسلم في صحيحه.. عن أبي هريرة . ر. قال.. خاطب النبي .ص. صحابته يوما بقوله.. أَتَدْرُونَ مَن الْمُفْلِسُ .. قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ..فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي.. من يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ .. وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا.. فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ.. فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ.. أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ.. هذا الرجل.. كان يرتاد المساجد..يصلي الفرائض و يتنفل.. وكان يصوم رمضان.. و يصوم الإثنين و الخميس.. والست من شوال .. وكان يؤتي ماله يتزكى..و يتصدق .. وحج البيت واعتمر .. لكنه لم يحسن معاملة الناس ..لم يحمل الكلمة الطيبة..لم يتصرف بالحسنى.. فصار بذلك إلى النار.. لم تغني عنه عبادته شيئا.. لأن العبادة ترفعها إلى الله الأخلاق الحسنة ....روى الإمام البخاري.. أن الصحابة قالوا يا رسول الله إن فلانة تقوم الليل و تصوم النهار ، و تفعل و تتصدق ، و تؤذي جيرانها بلسانها فقال صلى الله عليه وسلم : لا خير فيها ، هي من أهل النار .. فلا قبول للعبادة ..ولا نجاحعند الله..إلا بالمعاملة الحسنة.. إلا بالتراحم و التآلف بين الناس..جاء في صحيح الإمام مسلم.. قول رسول الله ص..تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ فَيَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِى ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ اتركُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا اتركُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا.. فلا صلاة و لا زكاة و لا صيام و لا حج..لصاحب القلب الأسود.. لمن يظلم غيره ..لمن يعتدي.. قالوا يا رسول الله.. من أحب العباد إلى الله ..قال أحب عباد الله إلى الله ..أحسنهم خلقا .. قالوا و أحبهم إليك يا رسول الله .. قال أحبهم إليّ، وأقربهم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنهم أخلاقاً.. قالوا فما أثقل شيء في الميزان.. قال ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق.. يوم جاء الصحابي معاذ بن جبل.. قال يا رسول الله أوصني.. قال إتق الله حيثما كنت.. واتبع السيئة الحسنة تمحها .. و خالق الناس بخلق حسن.. وأولى الناس بحسن الخلق.. الوالدان .. اللذان كانا سببا لوجودك في الدنيا ، وصاحبا الفضل عليك بعد الله , فكل خير قد حزته هم اللذان تسببا لك فيه ، وكل عطية قد نلتها المنة فيها لهما بعد فضل الله تعالى ..هما أحق الناس بحسن الصحبة ، وأولى الخلق بالخدمة والعشرة , قدّم رسول الله ص. حقهما على الجهاد في سبيل الله , لما يحظيان عند الله من علو منزلة وسمو مكانة, جاء صحابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.. والحديث من صحيح الترغيب.. قال يا رسول الله ائذن لي في الجهاد ؟ فقال : ألك والدان ؟ قال : نعم ..قال الزمهما، فإن الجنة تحت أقدامهما..وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ.. وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ..فالدين في الإحسان إليهما.. و طاعة الله في برهما .. ورضوان الله في حسن الخلق معهما.. وحسن الخلق بعد الوالدين يكون بين الزوج و الزوجة.. حين يكون الدين حاضرا في حياة الزوجين.. التعامل بين الإثنين حسب الآية الكريمة و الحديث الشريف ..حين تكون المودة والرحمة قائمة كما أقامها الله بين الزوجين .. يأمر الله الحياة أن تصفو.. ويأمر الله الأولاد أن يصلحوا .. وينشر الله على البيت الوفاق و الطمأنينة .. وحسن الخلق بعد الزوجين يكون مع الناس أجمعين.. يكون مع الجار..فلا يؤذي المسلم جاره.. فشرط الإيمان بالله أن تحسن إلى الجار..جاء في الصحيحين.. قول حبيبنا صلى الله عليه وسلم مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ.. فلا إيمان مع الإساءة إلى الجار .. لا إيمان مع تخويف الجار.. والله لا يؤمن..الحبيب يقسم .. ويقسم ثلاثا..وقسمه عند الإمام البخاري..وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ.. لا يأمن شره ..لا يأمن أفاعيله ..
جاء في الأدب المفرد للإمام البخاري أن رجلاً من الأنصار قال: ( خرجت مع أخي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجئت فإذا هو قائم مع رجل،فظننت أن له حاجة -أي: هذا الرجل- فجلست، فأطالا القيام حتى أشفقت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من طول قيامه، ثم ذهب الرجل، وقمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! لقد رثيت لك من طول قيامك مع هذا الرجل، فقال: أرأيته؟ قلت: نعم، قال: أتدري من هو؟ قلت: لا، قال: إنه جبريل، ولو سلمت عليه لرد عليك السلام، وما زال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه.. وحسن الخلق بعد الجار يكون مع كافة الناس .. حتى يتحقق أمر الله لعباده ..فهو القائل جل جلاله..يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج : 77].. فكما أمر الله بعبادته..أمر عباده بفعل الخير بينهم.. فقبول العبادات .. والنجاح و الفلاح .. في الدنيا و الآخرة .. كل ذلك مرهون بالأعمال الصالحة..أن نكون من أصحاب الخير.. وأن نكون من أهل المعروف ..
هذا هو ديننا ..دين الخلق الكريم.. والكلمة الطيبة ..و حسن التعامل مع الناس.. فلتنق الله عباد الله.. ولنجمع بين حسن العبادة و حسن الخلق.. يجمع الله علينا الحياة الطيبة في الدنيا.. و حسن ثواب الآخرة.. اللهم رازقنا طاعتك مع طيب الأخلاق..واجمعنا على المحبة و التآلف والوفاق.. واجعلنا من عبادك المخلصين لك الدين .. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الكريم لي و لكم /