امتدت يد الظلام عابثةً بمصابيح المدينة الهادئة الغافية على كتف الصحراء ، أفقدتها توازنها ، توهجها و نور عيونها لبعض الوقت . استحالت المدينة في لحظةٍ إلى مدينة أشباح يسكنها الظلام و يخيم فوق روابيها صمتٌ و وحشة ألجأت ساكنيها ـ الذين كانت تكتظ بهم الشوارع قبل قليل ـ إلى مساكنهم هرباً من ظلمةٍ قد تطول و وحشةٍ قد تمتد .
لم يكن أمامي و أنا أتخبط في أثاث منزلي إلا أن ألجأ للضوء الخافت المنبعث من هاتفي المحمول لعلي أصل من خلاله إلى شمعة بيضاء كنت قد خبأتها في مكان ما من الغرفة بعد ذكرى احتفال سعيدة . تنفست الصعداء حين لامست أصابعي جسدها الناعم كالحرير ، احتضنتها ، و كدت لفرط سعادتي أن أقبلها و أنا أنشد لها قبل أن يشع من وجهها نورٌ يضيء المكان و يلقي في قلبي السعادة والاطمئنان :
يا شمعة يوم الميلادِ
يا عطرَ السحرِ بأورادي
إن مر العمر فلن أنسى
أن كنتِ النبراس الهادي
حمدت الله على نعمه التي لا تعد و لا تحصى . حمدته أن منحنا الشمس و القمر و النجوم لنهتدي بنورها . و هدى الإنسان إلى اكتشاف النار و الشموع والكهرباء و سألت نفسي كيف سيكون حال الدنيا لو غرقت في هذا الظلام المخيف ليل نهار ؟ و ما هو حال أخواننا في فلسطين و العراق و قد خيم الظلام على مدنهم بفعل معتدٍ أثيم . فما زادني ذلك إلا إيماناً و تسليماً بقدرته عز و جل و قد منَّ علينا بنعمة الإسلام فكان نور قلوبنا و ربيع حياتنا و زادنا في رحلتنا للآخرة .
و حمدته أن أرسل فينا الهادي البشير و النبراس المنير ليخرجنا من الظلمات إلى النور بإذنه .
خفت نور الشمعة و تلاشى رويداً رويداً ، احترقت المسكينة من أجل أن تمنحني بعض الوقت لأكمل فيها ما بدأت ، ثم عاد الظلام ليخيم على غرفتي من جديد . حينها أسلمت للنوم جفوني و قلبي مشرق بنور الله يتلو:
الله نور السموات و الأرض ، مثل نوره كمشكاةٍ فيها مصباح ، المصباح في زجاجة ، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونةٍ لا شرقيةٍ و لا غربيةٍ يكاد زيتها يضيء و لو لم تمسسه نار ، نور على نور ، يهدي الله لنوره من يشاء ، و يضرب الله الأمثال للناس ، و الله على كل شيءٍ قدير "