مفهوم التشطير الجزئي: د. ريمه الخاني
1-معجميا:
لن نجد في المعاجم صيفة " تشطير" رغم أنها على وزن قسَم تقسيم.. شرحَ تشريح ، فعل تفعيل.. وهو المبالغة في الشيء.
وإن اعتمدنا على الباحثين ومنهم الدكتور " مازن المبارك " [1]الذي يقر بأن المعاجم لم تتضمن كل ما يجب أن تحويه، فعليه نقول: أن صيغة "تشطير" سليمة تماما حتى ولو لم ترد في المعاجم.[2]
وعليه فنقول: أن عملية التشطير هي المبالغة في تقسيم الشعر وتفريقه، وهي تطابق ما نقوم به من تطعيم الشعر الأصل بأبيات جديدة، فماذا عن كلمة: تطعيم ؟هل تفي بالغرض؟، نتركها للمختصين فاتجاهنا اتجاه آخر.
**********
2-مصطلحيا:
من جهة أخرى، فإن "ابن أبي الإصبع" لا يقدم لمصطلح التشطير في نقده بل لمفهوم الإيداع، ويجعله بمعنى التشطير، ذلك لأن مصطلح التشطير مصطلح حديث ظهر بداية في كتاب الناقد "مارون عبود "في توثيقه "لرواد النهضة الحديثة" ،[3] وعليه فإن المصطلح السابق هو الإيداع وهو الأقرب لما نبحث، وعليه فعنوان الدارسة يجب ان يكون: الإيداع الجزئي.
يقول ابن أبي الإصبع:
إن الإيداع هو أن يعمد الشاعر او المتكلم إلى نصف بيت لغيره، يودعه شعره، سواء أكان صدرا أو عجزا، وأما الناثر فإن أتى بنصف بيت لغيره سمي إيداعا، وإن كان لنفسه سمي تفصيلا، وقد نعى أبن أبي الإصبع على المؤلفين عدم تمييزهم بين الإيداع والتضمين والاستعانة، يقول :
هذا الباب يسميه من لا يعرف اصطلاح هذه الصناعة تضمينا، ولا يعد الإيداع سرقة في نظر ابن أبي الإصبع، وذلك لان الشاعر او الناثر يصرح به، ولا يعمد إلى إخفائه، ثم إنه هو نفسه اودع في إحدى قصائده بيتا لأبي الطيب المتنبي يقول فيه:
تذكرت ما بين العذيب وبارق=مجر عوالينا ومجرى السوابق
فأخذ كل قيم من هذا البيت وأودعه في بيتين له يقول فيهما:
إذا الوهم أيدى لي لماها وثغرها=تذكرت ما بين العذيب وبارق
ويذكرني من قدها ومدامعي=مجر عوالينا، ومجرى السوابق
وهذا دليل على أنه يقر الإيداع ويوافق عليه، ولا يعده من آثام الشعراء، فكيف بالإيداع الجزئي؟؟؟.[4]
لنعرف أولا ما هو التشطير ومن ثم ندخل باب التشطير الجزئي:
ما هــو التشطير:
هو ان يعمد الشاعر الى ابيات غيره فيضم الى كل شطرة منها شطرة من نظمه بمعنى أن يكون كل بيت من ابيات غيره مفصولة شطرتاه بيت المشطر
واليكم أمثلة على ذلك
المثال الأول
كل من والى عليّ المرتضى *** لا يخافنّ عظيم السيئات
حبه الاكسير لو ذر على *** سيئات الخلق عادت حسنات
واليكم تشطير هذين البيتين للشيخ يوسف صندوق
كل من والى علي المرتضى *** ( نال عند الله أعلى الدرجات )
(ومن استمسك في ابنائه) *** لا يخافنّ عظيم السيئات
حبه الإكسير لو ذر على *** (أعظم الأوزار عادت صالحات)
(ولولاه التبر لو ضم الى )*** سيئات الخلق عادت حسنات [5]
كتب الناقد الكبير : مارون عبود عن المجددين الثلاثة الكبار: بطرس البستاني وابنه سليم-والحوراني-والأزهري
كانوا معلمين وكتابا وشعراء في وقت معا, وقد أطلقت كلمة معلم ,قبل (أستاذ ) وعلى جميع الناس حتى الأميون منا..
وقد أطلق عليه كنية, "الشيخ عبد الله" لمحبة الناس له مهما كانت ملته. كان معجما حيا يمشي على الأرض, تفوح منه رائحة القطران من أردان (بنات أفكاره)فكانه عاش في الصحاري مع تأبط شرا والشنفري ,ولهذا يبني قصيدته أعرابية ساعة يشاء.
لقد مر ذكر معجزته التاريخية، والان نعرفك على معجزة أخرى وهي تشطيره لمعلقة عنترة وتحويلها مدحا للمطران "يوسف الدبس"
ومنها:
(هل غادر الشعراء من متردم)=فتسدّ ثلمته برأس المرقمِ
أم هل وددت ظباء منعرج اللوى=(أم هل عرفت الدار بعد توهمِ)
(حييت من طلل تقادم عهده)=حتى التوت عنه نهى المترسم
يبكي به غدق الرباب لأنه=(أقوى وأقفر بعد أمّ الهيثمِ)
(أن تغدفي دوني القناع فإنني)=أدع القنوع ومدح يوسف مغنمي
حبر إذا هزّ اليراع فإنه=(طبّ بأخذ الفارس المستلئم)
(وإذا ظلمت فإن ظلمي باسل)=في الجاحدين عطاءه للمعدم
فكم اجتباه المملقون ودهرهم=(مرّ مذاقه كطعم العلقم)
ولقد عد الادباء تشطير معلقة عنترة فتحا مبينا ,وتحديا عنيفا للشعر الجاهلي.[6]
*******
3-لم يرد عن العرب قضية التشطير الجزئي لكنها موجودة في كتب النقاد المتأخرين كما ذكرنا آنفا..
**********
أما عن التشطير الجزئي وسبب ولوجنا هذا الباب الجديد::
كنت وجدت بيت رثاء ل السراج الوراق يرثي أن ابن إصبع المصري قال: :
غادرتني وأنا الحبيب مودة =صبّا قد استعذبت ماء بكائي
وسقاك فضل الله فيض عطائه=فلقد أقمت قيامة الشعراء[7]
وكنت بحثت عنها بغرض التشطير الجزئي حيث جاءتني القريحة مجزأة فقلت:
غادرتنا وبدا الغريب قريبنا=يوما (قد استعذبت ماء بكائي)
(فسقاك ) رب الكون عز لقائه=( ولقد أقمت قيامة الشعراء)
بحثنا عن أصل القصيدة ففوجئنا أنه أخذ منها جزءا وأكمل وهي لأبي تمام:
قَدْكَ ائَّئِبْ أَرْبَيْتَ في الغُلَوَاءِ
...كَمْ تَعْذِلُونَ وَأَنْتُمُ سُجَرَائِي قَدْكَ ائَّئِبْ أَرْبَيْتَ في الغُلَوَاءِ
لا تسقني ماءَ الملامِ فإنَّني .. صبٌّ قدِ استعذبتُ ماءَ بُكائي[8]
ونلاحظ هنا أن الشاعر التلمساني اقتبس من القصيدة وأكمل وحده...
وكانت لنا تجربة مماثلة في الديوان الثاني : ذكريات ممنوعة: وقل هو الموت:
حيث قلنا:
(عقدت أمرك لم تسأل سواه هدى)=هو الرشاد فلا زيغ ولا أود
والشطر الأول فقط أخوذ من قصيدة " يا بسمة اللوز" للشاعر الكبير " نجيب جمال الدين"[9].
بينما أصل البيت كان:
عقدت أمرك لم تسأل سواه هدى=وهو الضمير، فلا ميلٌ و لا أَودُ [10]
نرى أن التشطير كان جزئيا بحيث نقل الشطر الأول حرفيا ونقل الثاني معنويا تقريبيا.
ولكن السؤال هنا:
هل تصنف القصيدة التي استفزت الشاعر للنظم، قصيدة ملهِمة؟ وهل هي خاصة نادرة جدا في الشعر قل تواجدها فيه عموما؟
قد يلمح بعض المختصين ان هذا الأمر نوع من السرقة المموهة، هذا إن لم يفصح صاحبها عن الأمر، لكن لو نظرنا للأمر شعريا كاجتهاد لأنه محط البحث، لقلنا نعم لا ضير من التشطير الجزئي في حال كانت القصيدة موحية جدا ، واقتبس بعض أبيات وانطلق مكملا وحده، وهنا نقول: انها فعلا تشطير جزئي على ان يترك القوسين مشيرا لما وضعه كما هو اولا.
ولعل مسبار السرقة الذي قال: بسرقة اللفظ أو المعنى أو الاثنين معا كما ورد عند ابن أبي الاصبع ، حيث قال بانقسام المعاني إلى : المشتركة (المعروفة)، والمعاني المبتذلة(من فاز واشتهر صاحبها بها، ومختصة (انفرد بها ).
لكن ما يهمنا في هذا المقام هو تسامح معظم النقاد بمن أخذ كلمة أو كلمتين، وهو ما يعتبر اتفاق خواطر ليس إلا ، ولم يأخذ شطر أ و بيتا أو أكثر.[11].
وقد عرض الموضوع في موقعنا للنقاش فقالت الاستاذة نورا:[12]
هل يمكن أن يكون الشاعر سراج أعجبه الشطر فأقتبسه؟
هل اقتباس شطر أو قول شائع أمر جائز للشاعر؟
أيجوز اعتبار ذلك كنوع من المعارضة؟
ربما كان الشطر مشهورا فاستدل الشاعر به كونه معروف للعامة
أو يجوز أنه علق في ذاكرة ال سراج فألتصق بشعره
الشاعر أو غيره يستقي مما يكتب في كل الأحوال، لكنه لا يصبه في ذات قالبه صبا
بل يعالجه بما أتاه الله من قريحة وأدب أو علم وبالتغيير وبالزيادة أو النقصان
أو بعرضه بحال آخر وبعض النصوص ملهمة لكن ما نقل بحذافيره حبذ الإشارة إليه
في النص المقالي أو القصصي
وفي الشعر قد يتعذر
ولكل التفسيرات السابقة " التشطير الجزئي" تعبير أقرب للواقعية عندما يكون الحال شطرا واحدا لا غير
دمت سيدتي
فكان ردي:
نعم مؤكد ولكن لم لم يشر ويلفت الأنظار لذلك؟
الاقتباس جائز وموجود ولكن يجب التنويه وإلا فهو سرقة واضحة.
ما وجه المعارضة في ذلك؟ نرجو التوضيح.
*****
واظن أنك اتيت على المراد ففسرت بعضه، نعم الشطر فقط هو عملية تشطير جزئي (أو جزء من الشطر كما سلف من كلمة أو كلمتين)، مع وجوب الإشارة.
مثال ولكم الحكم:
قال امرؤ القيس:
وقوفا بها صحبي على مطيهم=يقولون لا تهلك أسى وتجمل
وقال طرفة بن العبد:
وقوفا بها صحبي على مطيهم=يقولون لا تهلك أسى وتجلد
وللعلم طرفة كان شابا في هذا العصر بينما امرؤ القيس كان كهلا .
فما رأيكم دام فضكم.
********
وقد قالت الأخت نورا العضوة في موقع فرسان الثقافة كرد بعد الحض والحث:
تأملت مجددا فيما ذكرتِ حفظك الله،
ورأينا إن شاء الله، وبعيدا عن الشعر وبفلسفة الفكر وأخذٍ بالنوايا واختلاف الأحوال...
نقول التالي
إذا لم يتجاوز اقتباس الشاعر بضع كليمات في شطر أو أقل فإننا
وإن نعد ذلك سرقة.. إلا إنها سرقة لا يقام عليها الحد!
أما إذا تجاوز الشطر فإن ذلك سرقة.. عليها حد !
والله المستعان.
والحقوق تحفظ للسابق من الشعراء أو الأدب كذلك...
على القياس
لو افترضنا إن مخترعا كأديسون أخترع المصباح فبراءة الاختراع له
ولو ثمة شخص في الجزء الآخر من الكرة الأرضية لا يعلم عن المصباح شيئا وأخترع نظيرا له فيما بعد، فإن براءة الاختراع للأسبق في أي حال
وإذا أخذ أحدهم فكرة مصباح ببطارية وطور الكهرباء وأخترع التلفزة وغيرها فإنه ليس لصا لكنه أخذ الفكرة وطورها له ما طور فيها...
ويبقى أصل ما أخذ محفوظا لصاحبه ( هذه أشياء شبيها بالإلهام ثم الإبداع)
أمر فيه إيجاب.. وقبول مع الإشارة للإلهام.
***********
وعليه فنقول:
أن هذا التشطير الجزئي، سواء كان بشطر ، او جزء من البيت، فهو ضرب من الإبداع ، لأنه بنى فوق البناء.[13]
د. ريمه الخاني 6-5-[14]2015
[1] تابع ما ورد في : ملخص /محاضرة التصحيح اللغوي ووحدة المناهج: للدكتور مازن المبارك:
http://omferas.com/vb/t55508/
[2] تابع هذا الرابط استئناسا:
http://www.baheth.info/all.jsp?term=%D8%B4%D8%B7%D8%B1
شطر (لسان العرب)
الشَّطْرُ: نِصْفُ الشيء، والجمع أَشْطُرٌ وشُطُورٌ.
وشَطَرْتُه جعلته نصفين.
[3] راجع كتابنا: دراسة في خصوصية الإبداع الأدبي ، ص 134 من نسخة الورد.
[4] انظر لكتاب النقد عن ابن أبي الإصبع للدكتور حمود حسين يونس ص133-134
[5] مقتبس بتصرف من الرابط:
الفرق بين التشطير والتخميس والجناس
[6] الناقد "مارون عبود "في توثيقه "رواد النهضة الحديثة" جاء ذلك في ص 179 - مقتبس بتصرف
[7] تابع كتاب النقد عند ابن إصبع المصري للدكتور حمود حسين يونس ص 35
[8] المصدر:
أدب .. أبو تمام : قَدْكَ ائَّئِبْ أَرْبَيْتَ في الغُلَوَاءِ
[9] القصيدة كاملة:
http://omferas.com/vb/t26393/
والقصيدة الأصل من كتاب: شاعر وقصيدة: للعماد مصطفى طلاس وهي مختارات شعرية. ص 379
[10] راجع كتاب: شاعر وقصيدة للعماد: مصطفى طلاس ص 379
[11] انظر لكتاب: النقد عند ابن أبي الإصبع المصري ، للدكتور حمود حسين يونس. ص 116-119.
[12] رابط الموضوع: في موقع فرسان الثقافة
التشطير الجزئي:
http://omferas.com/vb/t56066/
[13] للمزيد: راجع رابط الموقع المذكور حيث النقاش حول الموضوع:
http://omferas.com/vb/t56066/
[14] نعتبر من اول من أستحدث واكتشف التشطير الجزئي والحمد لله ، ولله الفضل والمنة.