هي ليست مسرحية... لكن يضطر أغلبهم لأداء أكثر من دور فيها !!!
المصدر هديل عرجة
20 / 02 / 2007
على خشبة الحياة اليومية ومتطلباتها
هي ليست مسرحية... لكن يضطر أغلبهم لأداء أكثر من دور فيها !!!
لكل منا دورٌ يلعبُه على خشبةِ الحياة، ويختلف هذا الدورُ باختلافِ مقدراتنا ومؤهلاتنا العلمية والمادية، والأهم من ذلك كله "فيتامينات" الدعم المعنوي التي نملكها، فكثيرة هي تلك العبارات التي تتردَّد على مسامعنا في أماكن العمل حول "الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب أبداً!!!"، ومهما اختلفت تسمية ساحات العمل من "معركة" أو مسرحية" فإنها تبقى مصدر رزق للموظفين وسبباً في بقائهم على قيد الحياة.....
من يقف على حافة الطريق لابد أن تلفت أنظاره وجود الشخصيات ذاتها تلعب أدواراً مختلفة، وغالباً ما تكون متناقضة، فليس من الغريب أن تصادف سائق التكسي الذي ركبت معه صباحاً، يعلّم ابنك اللغة الإنكليزية مساء في معهد ما!!!.
تختلف الأسباب التي تدفع بالأشخاص للقيام بعملين أو أكثر، وبات هذا الأمر طبيعياً يفرضه واقع المعيشة، وأضحت لقمة العيش الشغل الشاغل للكثيرين.
مهنة البؤس والشقاء
ينظر الكثيرون إلى مهنة التدريس نظرة بؤس وشقاء، لما يتقاضاه الأستاذ من "راتب" مقابل تلك الساعات الطويلة التي يقضيها بتعليم الطلاب، والتي اعتبرها الأستاذ "محمد" وصفة سهلة لتقصير العمر، وما يزيد من همومه إلى جانب ذلك الراتب الضئيل، انقلابُ حلمه كابوساً، فتدريس مادة "الجغرافية" كان حلمه ولكنه انقلب إلى كابوس وهو اليوم في "الخمسين" من عمره.
ولأن لديه عائلة عليه أن يعولها، لجأ إلى القيام بمهن أخرى إلى جانب مهنة التدريس، والتي تكاد تتهمَّش من حياته وخصوصاً بما تعود عليه من نفعٍ مادي.
وإحدى تلك المهن التي زاولها خلال فترة التدريس هي "الحلاقة الرجالية"، فبعد انتهاء دوامه الصباحي يبدأ مساء دوام من نوع آخر، وحول هذه المهنة يقول "عملي المسائي ضرورة يفرضها راتبي المتواضع، وأنا مقتنع بما أقوم به في مهنة الحلاقة، ولا أجد في ذلك عيباً أو مشكلة تنعكس على وظيفتي كمعلم، ولكن ما يزعجني استغلال بعض الطلاب وجودي في محل الحلاقة لإزعاجي أو إحراجي، ولكن ما يصبّرني في ذلك أنهم سيكبرون يوماً ما، ويعيشون هذه الحياة الحقيقية العملية التي لا ترحم أحداً !!!".
أستاذ... مدير... ودهان!!!
"وليد" خريج معهد التربية الرياضية يبلغ من العمر "35" عاماً، يصف وضعه المادي بأنه "ماشي الحال"، تبدأ ساعات النهار الأولى عنده في مدرسة يعمل فيها مدرب عسكرية، أما في ساعات الظهيرة فيبدأ دوامه الآخر مديراً في معهد "الأصالة"، وما بين هاتين الوظيفتين يسعى إلى الحصول على "ورشات دهان" للعمل فيها، والتي يعتبرها المهنة الأفضل مادياً مقارنة بالسابقتين.
وحول المهنة التي يفضلها أكثر فيقول "وليد": " لا أنكر التناقض الذي أعيشه في حياتي من ناحية العمل، ولكنه كان سبباً في قدرتي على تأمين منزل أعيش فيه، وبصراحة إن استطعت تأمين عمل دائم في مجال الدهان لاستغنيت عن وظيفتي التعليم والإدارة، فمردود الدهان لوحده يكفيني حتى أؤمّن وضعاً مادياً لا بأس به".
ليس بسبب عشقه لمهنة "الدهان" وكرهه لمهنة "التعليم" لكن ظروف الحياة وما يعانيه من أجل تحصيل المال هي التي فرضت عليه أن يختار الأفضل مادياً بعيداً عن تلك الميول والرغبات بهذا الشيء أو ذاك، فهو على استعداد أن يتغيَّب عن المدرسة أو المعهد إذا توفرت بين يديه ورشة "دهان" للعمل فيها، وأن يلجأ إلى التحايل على المدرسة بالتقارير الصحية، فالواقع فرض عليه وعلى الكثيرين التصرُّف بهذه الطريقة....
في أحد المطاعم الراقية
رفض الإفصاح عن "اسمه" أو عن المدرسة التي يعمل فيها، لكن تجاعيد السنين المرسومة على وجهه كانت كفيلة بالإفصاح عن الهموم التي أثقلت كاهله، والتي جعلته يعمل في مطبخ بأحد المطاعم الراقية، حيث وصف مهنته كمدرس مجرَّد قناع فرضه الواقع الاجتماعي، فهو يقبض أضعافاً مضاعفة من عمله في المطعم، وعلى الرغم من الشقاء الذي يعانيه بين الوظيفتين فمن المستحيل أن يترك التدريس، لأنه حينها سيزاح الستار عن مهنته الأخرى التي يعتبرها السبب في إعالة عائلته، وهو يفضّل إبقاء مهنته في المطعم سراً، ولكل أسبابه !!!.
بين الأنغام الموسيقية
لا يهم أن ينتقل الإنسان من عمل إلى آخر، مبتعداً بظروفه وطبيعته كثيراً عن عمله الأساسي بقدر ما يهم أن يقدّم لأولاده كل ما يحتاجونه وأن يؤمن احتياجاته اليومية.
فمن بين لغة الأرقام والموسيقا ينتقل الأستاذ "محمود" الذي يعمل محاسباً في أحد المعاهد الموسيقية، إلى عمله الآخر في تركيب أجهزة "الستلايتات" وتوليفها، فمن عمل عضلي يقتضي الوقوف تحت أشعة الشمس أو في الأجواء القارصة والشديدة البرودة، إلى عمله بين الألحان الموسيقية والأرقام!!
"خبزة وزيتون"
مزاولة أكثر من عمل قد يعود على الشخص بالنفع المادي، لكنه في ذات الوقت يقضي على حياته الاجتماعية، وهذا ما أكدته في حديثها السيدة "أم يزن" التي يعمل زوجها صباحاً في إحدى الدوائر الحكومية، ومساء يجول شوارع دمشق في سيارة الأجرة، فزوجها الذي يغيب طوال النهار لا يعيش مع أولاده وهم يكبرون، ولا يشاركها بالإشراف عليهم، وهذا ما يدفعها بالقول بأنها مستعدة للعيش على "الحصيرة" والاكتفاء بأكل "خبزة وزيتون" على أن يكون زوجها إلى جانبها وإلى جانب أولادها ليشعروا بأن والدهم هو حقاً جزء من حياتهم وليس مجرد مصدر للنقود.
حروف بدون نقاط
حروفنا نعرفها ونعرف أين يجب أن نضع النقاط عليها، ومع ذلك تبقى تلك النقاط تائهة، فتحصل بعض الحروف على أكثر من نقطة، وحروف أخرى تناجي... هذه هي حياتنا!!!
آخر تحديث ( 20 / 02 / 2007 )