الشورى في خلافة سليمان بن عبد الملك
د. رعد محمود البر هاوي
كاتب عراقي
موضوع الشورى رغم خصائصه الإسلامية، يلتقي مع الديمقراطية المعاصرة في بعض الجوانب المهمة على صعيد حق الأمة في اختيار ممثليها في الحكم، تحقيق العدالة، وضمان حقوق الإنسان الشرعية.
إن تاريخ بني أمية، قد عانى من التشويه، ويعود ذلك إلى كثرة الحركات، التي عارضت الحكم الأموي، خاصة في المشرق العربي، فضلاً عن الأخطاء التي ارتُكبت من قِبل بعض الخلفاء، ومن ولاتهم أثناء التعامل مع هذه الحركات، وهكذا وجد أنصار هذه الحركات، الفرصة سانحة للتعبير عن أنفسهم، من خلال الروايات، التي حاولت التعتيم على النقاط المضيئة في هذا العصر، أو تشويه سياسات خلفائه وقياداته وكان هذا السبب هو الذي دعاني لاختيار هذا الموضوع، فضلاً عن كون عصر الخليفة سليمان بن عبد الملك 9996ه يمثل محاولة جادة لتفعيل دور أهل الحل والعقد من صالحي الأمة، في اتخاذ القرارات المهمة والصعبة لدولة تمتد من جبال البيرنيه غرباً إلى حدود الصين شرقاً.
نظرة سريعة للشورى لدى خلفاء بني أمية قبل سليمان بن عبد الملك:
لقد حاول الخليفة معاوية بن أبي سفيان 41 60ه } وهو رجل الحلم والمقدرة السياسية أن يرضي معظم الأطراف، وأن يشعرها بدورها في قراراته المتخذة، وفي قرارات ولاته. أما على صعيد الشورى في اتخاذ القرار، فقد كان الخليفة يعتمد على كبار مستشاريه من زعماء أجناد الشام المخلصين له ومن آل بيته، حيث كان يضمهم مجلس شورى خاص(1) فضلاً عن ولاته كتّاب الدواوين(2). فضلاً عن الوفود التي كانت تأتي من الأمصار: مبايعة، أو مهنئة، أو متظلمة، وكان بعضها يأتي بصورة شخصية، وكانت صريحة أثناء مقابلتها للخليفة في طرح مشكلات مصرها(3). وهناك ما يؤيد أن معاوية، كان لديه استعداد لقبول آراء قد تتعارض مع طروحاته، إذا كانت تخدم المصلحة العليا للدولة(4).
وكانت خلافة معاوية الثاني القصيرة والتي انتهت بوفاته أو تنازله ، فرصة كبيرة للعودة إلى الشورى في انتخاب الحاكم المسلم، وأخيراً جاء مؤتمر الجابية، الذي قرر فيه زعماء أجناد الشام، الوصول إلى مرشح تسوية أموي. إلا أن المفاجأة التي جعلت هذا المؤتمر يفقد الكثير من قدرته على الوصول إلى مرشح إجماع كانت من خلال رفض أنصار ابن الزبير بقيادة الضحاك بن قيس حضوره، ومن ثم دخل مروان المؤتمر بعد وقعة "مرج راهط" كمرشح وحيد، يدعمه النصر المؤزر الذي حققه مع أنصاره. ورغم أنه قد طرحت قوى غير معروفة، على الصعيد النظري، اسمَيْ عبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، رضي الله عنهما وهما اللذان لم يجدا من يزكيهما ويدعمهما(5)، فان مجرد الطرح كان حالة صحية، وإن لم يؤد إلى نتائج عملية.
يمكن وصف خلافة مروان القصيرة، والتي لم تتجاوز تسعة أشهر(6) ولم تتجاوز سلطاتها الشام ومصر، بأنها كانت تستند إلى مشاركة واسعة وفاعلة من كبار زعماء أجناد الشام الذين دعموا وصوله إلى الخلافة، أما في خلافة عبد الملك بن مروان الطويلة نسبياً مابين عامي 65ه 85ه، فقد أشير إلى وجود مستشارين أكْفاء، ساعدوه في اتخاذ قراراته الصعبة، وفي تسيير شؤون الدولة اليومية، وكان هؤلاء يضمهم مجلس يسمى (مجلس أصحاب الخليفة) (7).
ومن قنوات الشورى في عهده أيضاً كتاب الدواوين وموظفو القصر الكبار(8)، كما أن الولاة كانوا يشكلون إحدى قنوات الشورى المهمة، حيث كان من خلال البريد ومن خلال الزيارات يتبادلون الآراء مع الخليفة(9)، وكانت الوفود قناة مهمة لطرح الشورى فيما يتعلق بشؤون أمصارهم(10)، وكان الصالحون يقدمون نصائحهم إلى الخليفة مكتوبة أحياناً وفيها دعوة إلى العدل ومحاربة الظلم والطغيان، وهناك ما يشير إلى أن هذه النصائح كانت تلقى آذاناً صاغية(11).
وفي خلافة الوليد بن عبد الملك 85ه 96ه لم يرد ما يشير إلى الممارسات الشورية في عهده بصورة كبيرة، فقد أشير إلى أن من مستشاريه المقربين عمر بن عبد العزيز وعباد بن زياد(12) فضلاً عن طبقة كتاب الدواوين الفاعلين في دمشق(13).
ورغم أن المصادر أشارت إلى التزامه بقيمه الإسلامية وسلوكياته الأخلاقية العالية(14) فإن عقيدته السياسية كانت تتجه إلى تركيز السلطة بيد الخليفة، وإن على الآخرين الطاعة فحسب(15).
الشورى في خلافة سليمان
يتضح من خلال ما أوردته المصادر، عن سليمان، بأنه كان تقياً، عبّر عن تقواه في حجه وهو ولي عهد ثاني في حياة أبيه عام 82ه، وهناك زار آثار الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأمر بكتابة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم (16)، وعبر عن هذه التقوى، من خلال تقريبه للصالحين والفقهاء(17)، كما يظهر هذا الالتزام بالقيم الإسلامية في خطاب البيعة الذي ألقاه في بيت المقدس(18)، ومن سمات شخصيته الإيمانية، استعداده لسماع وجهات نظر الآخرين وعبر عن ذلك بقوله: "إنا نجود بسعة الاحتمال، على من لا نرجو نصحه، ولا نأمن غشه(19)".
لم يشهد عصره إراقة الدماء، إلا في مستوى محدود، ولم يأمر بها شخصياً، وكان المؤرخون على حق عندما وصفوه بأنه كان كارهاً للدماء(20) وامتاز أخيراً بمقدرته البلاغية، فقد كان خطيباً مفوهاً(21) وهي سمة إيجابية للسياسي، حيث يستطيع من خلالها كسب الآخرين، والحصول على محبتهم وطاعتهم ولكل ما ذكر آنفاً استحق لقب (مفتاح الخير)(22).
المراجع
(1) المسعودي، مروج الذهب: 3 -86
(2) خليفة، تاريخ: 226-228، الطبري، تاريخ: 5- 17-177، المسعودي، مروج الذهب: 3- 29، اليعقوبي، تاريخ: 2-238، ابن عبد ربه، العقد الفريد: 4- 87.
(3) الطبري، تاريخ 5-212.
(4) المصدر نفسه: 5- 239.
(5) البلاذري: أنساب: 5- 134: الطبري، تاريخ، 5- 536.
(6) خليفة: تاريخ: 261.
(7) الذهبي، سير: 6- 138.
(8) خليفة، تاريخ: ص299 .
(9) الطبري، تاريخ: 6- 393، 413 -414-415 .
(10) المصدر نفسه: 6- 200، 413.
(11) البسوي، المعرفة والتاريخ: 2- 366، ابن عساكر، تاريخ: 43- 275 .
(12) الطبري، تاريخ: 6-465 -466، 481-499.
(13) خليفة، تاريخ: ص312.
(14) الطبري، تاريخ: 6- 435، 437،465 -466، 496 -497.
(15) الطبري، تاريخ: 6-423، 451.
(16) ابن بكار، الأخبار الموفقيات: ص332.
(17) الذهبي، سير: 6-167.
(18) ابن قتيبة عيون الأخبار: 2- 247. المسعودي، مروج الذهب: 3-174: ابن عبد ربه، العقد الفريد 4-91: مجهول، العيون والحدائق: 3-35.
(19) المسعودي، مروج الذهب: 3-178 .
(20) مجهول، المصدر السابق: 3- 234. ابن خلكان، المصدر السابق: 2- 422 .
(21) الجاحظ، البيان والتبيين: 1-353.
(22) ابن قتيبة، المعارف: ص360، ابن عبد ربه، المصدر السابق: 4- 325 .