قبل أيام دار حوار بيني وين بعض الإخوة – عبر حسابي في"تويتر" – حول"الديمقراطية" ..وقد طرح أحد الإخوة هذا السؤال :(يعني الديمقراطية ليس لها حماة،ومراجع يرجعون إليها عند الاختلاف؟)كما هو معلوم فإن"تويتر"أضيق من الحديث – المستفيض - حول هذا السؤال .. وأنا الآن أقرأ كتاب "إمبراطورية الشر الجديدة" للأستاذ عبد الحي زلوم .. ولعل في اقتطاف بعض ما جاء فيه .. ما يقرب الصورة إن لم يجب على سؤال الأخ الكريم..فوليم غرايد،المساعد السابق لمدير تحرير صحيفة واشطن بوست،ألف كتابا بعنوان "من الذي سيخبر الشعب" وفيه يقول :(إن الحقيقة الصارخة التي يود هذا الكتاب إيصالها هي أن الديمقراطية الأمريكية تواجه مشكلة أعمق بكثير مما يريد الناس الاعتراف به. وخلف المظاهر المطمئنة والمباريات الانتخابية العادية والمنظمة وغيرها أفرغ المعنى الجوهري لحكم الشعب من مضمونه. إن ما هوكائن خلف الكيان الرسمي الظاهر،هو تحلل منظم للقيم المدنية المشتركة التي نسميها الديمقراطية،وفي أعلى مستويات الحكم،وجدنا السلطة لتقرير الأمور تنتقل من ايدي الأكثرية إلى أيدي الأقلية){ ص 225 ( إمبراطورية الشر الجديدة) / عبد الحي زلوم / الطبعة الأولى 2003م}.أما وليم ليش،فيقول الأستاذ"زلوم"عن كتابه"أرض الرغبة"أنه كتاب ..( يناقش تاريخ النظرية الاستهلاكية وكيفية نشوء ثقافة الرغبة) ثم ينقل عنه ..("في العقود التي تلت الحرب الأهلية،بدأت الرأسمالية الأمريكية بإنتاج ثقافة مميزة لا تمت بصلة للتقاليد الأسرية أو لقيم المجتمع أو إلى الدين،ولا علاقة لها من قريب أو بعيد بالأعراف السائدة أو الديمقراطية السياسية. وتمثلت السمات الرئيسة لهذه الثقافة بالاستملاك والاستهلاك بصفتهما وسيلة لتحقيق السعادة،وعبادة الجديد،وإباحة الرغبات،وقيمة المال بصفته المعيار الرئيس لكل القيم في المجتمع"إن نتاج الثقافة"كان أيضا ناجما عن التحالف بين المؤسسات المختلفة،الاقتصادية منها وغير الاقتصادية،حيث عملت كلها مع بعضها بعضا في دارة مقفلة متشابكة من العلاقات لتعزيز إباحة الرغبات"){ ص 225 ( إمبراطورية الشر الجديدة) }.بطبيعة الحال هذا كلام"نظري" ..سنأخذ من الكتاب نفسه بعض النماذج لنرى كيف تم "نقل السلطة من أيدي الأكثرية إلى أيدي الأقلية" حسب تعبير"غرايد"سيكون"كيسنجر" المولود سنة 1923 في ألمانيا - ولا يزال على قيد الحياة،يُستشار ويكتب- الأنموذج الأول .. فالأستاذ"زلوم" يرسم لنا "سيناريو" قصف أمريكا لكموديا .. كما نقله – أي الأستاذ "زلوم" - عن كتاب بعنوان"كيسنجر .. سيرة ذاتية" كتبه وولتر إيساكسون ..(.... *أوصى كيسنجر في مارس 1969"بالقصف السري"لكمبوديا آملا تدمير مركز القيادة للعمليات الشيوعية في فيتنام الجنوبية (..) *ثم أطيح بالأمير سيهانوك على يد رئيس وزرائه لون نول وكانت هناك شكوك لدى سيهانوك في أن الانقلاب من وحي المخابرات المركزية الأمريكية*أمر لون نول الفيتناميين الشماليين (..) بمغادرة كمبوديا (..) طلبت كمبوديا المساعدة العسكرية،ولم يتوانى كيسنجر عن تقديمها في الوقت الذي فضل وزير الدفاع "ليرد"معدلا شهريا ثابتا لانسحاب القوات الأمريكية وعدم المزيد من التورط في تلك المنطقة.*ناقش كيسنجر مع رئيس الأركان المشتركة الخطط العسكرية في فيتنام وكمبوديا (..) لكنه طلب على وجه الخصوص أن تبقى هذه المناقشات سرية وألا يطلع عليها أحد حتى وزير دفاعه ليرد.*دعا كيسنجر في 24 / 4 / 1970 موظفي مكتبه إلى جلسة مناقشة وأقنعهم بفكرة جديدة عن غزو كمبوديا مفترضا أن القوات الفيتنامية الجنوبية هي التي ستستخدم في المعركة،ولم يتطرق خلال الاجتماع إلى احتمال استخدام القوات الأميركية على الرغم من أنه تحدث مع كل واحد من موظفيه هؤلاء على انفراد حول هذه الاحتمالية.*أظهر كل المشاركين معارضتهم للغزو،سوء من خلال استخدم القوات الفيتنامية أو أية قوات أخرى،لأن ذلك سيعني في النهاية تورط أمريكيا.*بعد الاجتماع نصح كيسنجر الرئيس نيكسون بغزو كمبوديا مشيرا إلى كشف النقاب عن هذا الموضوع أثناء اجتماع مجلس الأمن القومي يوم الأحد الموافق 26 / 4 / 1970،وأشار أيضا على نيكسون أن يكون مهيأ إلى احتمال معارضة وزيري الدفاع والخارجية ليرد وروجرز للغزو.*ثم عقد الاجتماع حسب الخطة،ولكن نيكسون ناقش الخيارات بدلا من القرارات،ثم وقع على أمر الغزو كما قدمه له كيسنجر. وعندما تسلم ليرد وروجرز نسختيهما لم يستطيعا أن يصدقا ما فيها. وطلب كلاهما اجتماعا مع نيكسون ولكن دون جدوى.*اتخذ قرار غزو دولة أخرى دون تأمين موافقة الكونجرس ومع رفض وزيري الدفاع والخارجية وموظفي مجلس الأمن القومي الذين استقالوا احتجاجا"واتس،ليك،لين،موريس،كما كان قد استقال قبلهم هارلبرين ،ودايفدسون،.وقد تم وضع هواتفهم تحت المراقبة للتصنت عليها من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي بناء على طلب البيت الأبيض.*في الأول من مايو تظاهر ما يزيد عن 100 ألف أميركي أمام البيت الأبيض،و في الرابع منه قام طلاب بعض الجامعات بأعمال شغب في حرم الجامعة،ولقي أربعة منهم حتفهم على يد قوات الحرس الوطني الأمريكية.إن هذا لا يمكن أن يحصل في ظل ديمقراطية حقيقية،ولكنه ممكن في ظل ديمقراطية مصطنعة){ 230 – 231 (إمبراطورية الشر الجديدة }.نعم."بالضبط" لقد قام "رجل"واحد . . بتوريط "أمة" في غزو "أمة"أخرى .. وهذا لا يُتصور إلا في "إمبراطورية" الرأي فيها لـ"فرد"الأنموذج الثاني .. "التدخين"أضرار التدخين أشهر من أن تُعرف،وكان ثمة صراع بين شركات التبغ وبعض المشرعين.. تقرر أن تتم تسوية مشكلة أضرار التدخين بدفع شركات التبغ مبلغ 368 مليار ونصف المليار،على مدى 25عاما .. علما أن أحد مدققي الحسابات قال أن الشركات سوف تربح من هذا الاتفاق،لأنها سترفع سعر السجائر!! .. وهذا"سيناريو" آخر : (* 29 / 7 / 1997 أقحمت لجنة التجارة التابعة للكونجرس نفسها في المسألة وعقدت أول جلسة لها حول الموضوع مكونة من كبير الاطباء سي.إيفرت (..) والرئيس السابق لإدارة الغذاء والدواء (..) ديفيد كيسلر وأربعة مدرين عامين من الولايات.*24 / 2 / 1998 حضر الجلسة الرابعة للجنة الكونجرس رؤساء الشركات الخمس لصناعة التبغ.* 1 / 4 / 1998: أخذت اللجنة في الاعتبار الحقائق فقط دون التعرض لأية ضغوط من السياسيين أو جماعة الضغط،ووافقت على القانون الذي وضع مسودته رئيس اللجنة جون ماك كين. وكانت نتيجة التصويت 19 مقابل صوت واحد. *8 / 4 / 1998 : أعلن ستيف جولد شتاين (..) أن صانعي التبغ قد لا يوافقون على هذا القانون بتكلفته التي تم تعديلها كي تصل إلى 526 مليار دولار وقيام إدارة الغذاء والدواء بمراقبة النيكوتين في السجائر.استأجرت صناعة التبغ 200 شخص من جماعات الضغط،وصعدت حملة إعلامية كبرى قوامها 40 مليون دولار جمعت بين سلطة المال وسلطة الإعلام،لإشاعة ونشر معلومات خاطئة عن القانون وصورته ليس كمسالة صحية،ولكنه شر عادت إليه الحكومة لتطبيق سياسة"حصل الضرائب وأعد إنفاقها "وفي 17 / 6 / 1998،فاز الثلاثي الشهير "المال والإعلام والتسويق"بالمعركة مجددا،حيث غيرت الهيئة التشريعية التي وضعت القانون رأيها عندما أعيد التصويت عليه من جديد لسحبه من قاعة المداولة،وصوت ضد هذا القانون هذه المرة من صوتوا لصالحه قبل 6 أسابيع فقط!!وقد تلقى السيناتور جون ماك كين ما يزيد على 10 آلاف رسالة ضد هذا القانون نتيجة للحملة الدعائية المضللة التي تبعتها شركات التبغ،علما بأن هذا القانون حظي قبل 6 أسابيع بموافقة ثلثي الشعب{هكذا - محمود} و19 من 20 من أعضاء مجلس الشيوخ الذين يشكلون اللجنة التجارية! هذه هي الديمقراطية التي يرغب أصحاب وول ستريت والبارونات العالميون للعالم ان يعتنقها.ألقى السيناتور ماك كين خطابا حادا في قاعة مجلس الشيوخ قبل التصويت ضد القانون،وتساءل إذا ما كان الأعضاء "يعتقدون بوجوب السماح لصناعة ما ان تكذب وتفلت من العقاب" وقد أجاب أعضاء المجلس عمليا بطريقة التصويت التي اقترفوها "نعم .. نعتقد ذلك!!"(..) ألم يعلم ماك كين أن من يملك المال يملك فرض القانون؟ وأن تلك هي القاعدة الذهبية؟ وأن أعضاء الكونجرس يتولون مناصبهم بواسطة المساعدات المالية التي تقدمها الشركات،وعلى رأسها شركات التبغ؟){ ص 227 – 228 (إمبراطورية الشر الجديدة }.هنا سنجد أن مصالح وصحة المواطن الأمريكي تم سحقها .. من قبل"أقلية" هي شركات التبغ .. وحملتها الإعلامية ..الأنموذج الثالث .. "بيرل هاربر"في هذا الأنموذج .. لا يُترك التبغ ليهدر صحة المواطن الأمريكي .. بل تُرك الجندي الأمريكي مكشوفا لتقصفه"اليابان" .. ولماذا ؟ لأن الرئيس الأمريكي يرغب في الدخول في الحرب العالمية الثانية إلى جوار"الحلفاء" .. ولا يستطيع فعل ذلك عبر"الشعب" أو"ممثليه" .. فتم قطع إمدادات النفط عن اليابان .. وقُوطعت اقتصاديا .. لدفعها إلى "الزاوية" – يقول الباحث"ايتن"- الذي سننقل كلامه – أن أمريكا سبق لها أن تحرشت بألمانيا ولكن هذه تجاهلتها!!وضع"فان ايتن"أستاذ التاريخ في جامعة كاليفورنيا دراسة يوضح فها (ليس فقط ان الولايات المتحدة علمت بمعركة بيرل هاربر قبل وقوعها (..) بل انها أرادتها ان تقع ومهدت لها. وأدت استفزازات أميركية معينة توختها أميركا الى تأزيم الموقف وتسريع الهجوم على بيرل هاربر لإيجاد المسوغ أمام أميركا لدخول الحرب العالمية الثانية. (..) "كنا نجلس كالبط العائم على وجه الماء"{كناية عن كونهم مكشوفين ومعرضين للهجوم} هذا ما قاله احد الناجين في معركة بيرل هاربر (..) أما هنري سيتمسون وزير الخارجية الاميركي فقد كتب في الخامس والعشرين من نوفمبر عام 1941 قائلا :"إن المسألة تتلخص في كيفية مناورتنا لهم(اليابان) لكي نجرهم إلى موقع إطلاق الرصاصة الأولى "){ ص 32 – 35 (إمبراطورية الشر الجديدة }.حسب المطلوب .. تم"إطلاق"القذيفة الأولى على بيرل هابر في 7 ديسمبر 1941... فدخلت أمريكا الحرب .. برغبة"رجل"واحد .. وتواطئ بعض مساعديه .من الأمثلة العملية .. وهذا غيض من فيض .. نعود إلى الكلام النظري .. فهذه"مؤسسة"أمريكية،و متعلقة بالمال – الذي يدندن الجميع حوله – تدار بنظام"داخلي" دون رقيب .. يقول الأستاذ"زلوم" :(من أجل تكريس الهيمنة الكاملة من قبل الولايات المتحدة على مصالحها وتوليد الأموال وعمليات التمويل والإقراض صمم عرابو وول ستريت مجلس الاحتياطي الفيدرالي ونظامه الداخلي بعيدا عن أية عملية ديمقراطية أو مسؤولية عامة،وأصبح يدار بموجب نظام خاص،تماما كما هي الحال في بنك إنجلند. وهكذا فقد باتت السياسات المالية والنقدية تحت سيطرة المجتمع الربوي العالمي،من خلال تعيين رئيس المجلس الاحتياطي الفيدرالي ووزراء الخزانة من محاسيب وول ستريت أو زلمه أنفسهم.){ ص 239(إمبراطورية الشر الجديدة}.وهذا"نص"في غاية الوضوح .. (لقد جرى في عقد"العشرينيات المدوية"أن تمأسست عملية صناعة السياسيات الوطنية،من خلال التكنوقراطية. وبوصفه أحد أبرز أقطاب الإعلام الأميركيين في النصف الأول من القرن العشرين،يقول ليبمان إن المجتمع ينبغي أن : "يدار من قبل نخبة" أو "طبقة خاصة"،يدعوهم ليبمان "الرجال المسؤولين". ووظيفة هذه النخبة أن يحددوا ما يُصطلح على تسميته "المصلحة الوطنية".هذه النخبة هي التي ستصبح البيروقراطية المتفانية في خدمة مصالح القوة الخاصة والثروة الخاصة. "ولكن ينبغي عدم الكشف عن حقيقة روابطهم تلك للعامة الجهلاء ". ){ ص 239 (إمبراطورية الشر الجديدة}.غني عن القول .. أن هذا "النص" يذكر بنظرية "أهل الحل والعقد"عندنا .. إلا أن النظرية عندنا مبنية"على العلم الشرعي ومخافة الله"،لا على ومصالح رأس المال.قلتُ – وإن بتعبير آخر – أن هذه النماذج التي سقتها ... قليل من كثير ... والمأزق هنا أن كل تلك الفضائح .. والتي تصل حد علاقات بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي مع بعض"رجال المافيا" .. وأخذ الرشا .. كل ذلك منشور وموثق .. ومع ذلك ليس في يدي المواطن الأمريكي،العادي،ما يفعله .. فالعملية الديمقراطية تتم – من الناحية الشكلية - بصورة منضبطة .. إلى حد كبير- أقول إلى حد كبير،لأنني أتذكر قبل سنوات،حلقة من برنامج"من أمريكا" ،عبر قناة"الجزيرة" تحدث فيها أحد الضيوف عن"تصويت بعض الأموات!!" وحين بحثت عن تلك الحلقة،بعد ذلك،وجدتُ الحلقة التي قبلها،والتي بعدها،أما هي فقد "تلاشت"!- والمتاح أمام المواطن أن يختار بين أحد الصنفين المقدمين " جمهوري بالفرن" أو "ديمقراطي بالتوابل"! وأحيانا يتم تقديم "طبق مشهيات" مرشح "مستقل" .. إما لتفتيت الأصوات أو لسبب آخر الله أعلم به .. فإذا انتخب المواطن الأمريكي .. أصبحت الكرة في "ملعب " – بالمعني الحرفي للكلمة – الساسة .. أو الأقلية التي تدير البلد .. بطريقتها الخاصة،وبأساليبها الخاصة أيضا .. وإنلم يرق لها الآمر .. قد تغتال الرئيس.تم اغتيال أربعة من الرؤساء الأمريكيين .. "إبراهام لينكولن" – سنة 1865م – وبعد قرن،في سنة 1963،تم اغتيال"جون كيندي" كما تم اغتيال"جيمس جارفيلد"،بعد أربعة أشهر من استلامه للحكم،سنة 1881م،ورابعهم "وليام ماكينلي"والذي اغتيل سنة 1901م. هذا إضافة إلى محاولتي اغتيال فاشلتين لـ"فرانكلين روزفيلت" سنة 1933م،وفي سنة 1981م،فشلت محاولة اغتيال "رونالد ريغان".في تحليله لأمريكا كتب الدكتور جلال أمين :( وجدت في الأمريكيين أمة،وإن كانت تباهي بتشجيع الفردية والتميز،يعشق أفرادها أن يكونوا أعضاء في فريق،يفعل كل منهم مثلما يفعل الآخرون،ويهتفون نفس الهتافات ويهيمون بنفس الأبطال أو النجوم. وهم يثقون في رؤسائهم أكثر من اللازم ويقبلون ما يقال لهم بدون شك أو تمحيص،وهو ما يسهل مهمة الدولة في حكمهم،إذ يبدوا الأمريكيون وكأنهم أسهل أمم العالم حكما،وأكثرها انقيادا. يمكن أن تغير وسائل الإعلام مسار الرأي العام من اتجاه إلى نقيضه بمجهود بسيط،ولا يحتاج الأمر إلى استخدام الكثير من الحجج والبراهين،كما يحتاج هذا في أوروبا،بل يحتاج فقط إلى بعض الإلحاح واستخدام نفس أنواع المؤثرات التي تستخدم في الدعاية للسلع،وهي مؤشرات(1) لا تخاطب المنطق بقدر ما تخاطب اللاشعور (..) وسلطان الدولة الذي يبدو ضعيفا ولكنه في الحقيقة أقوى في أمريكا منه في الكثير من الدول المسماة بالشمولية،مستمد من قوة الشركات وأصحاب الأعمال. ومن ثم فليس صحيحا الظن بأن الخطر الذي يهدد الحرية الفردية واستقلال الرأي إنما يأتي فقط من ازدياد قوة الدولة،كما يظهر مثلا في رواية 1984 بل قد يأتي أيضا من ازدياد قوة الشركات وأرباب الأعمال الذي قد يؤدي إلى ازدياد سلطان الدولة.لم أتحمس قط،إذن، لما يسمى بالديمقراطية الأمريكية بل وجدت فيها الكثير من الزيف والإدعاء،إذ اعتبرت أن أقل أنواع النظم حرية وديمقراطية هي تلك التي يظن فيها الناس بأنهم أحرار ويتمتعون باستقلال الرأي والفكر دون أن يكونوا في الحقيقة كذلك. بل اعتبرت أن مصر وأمثالها،مما شاع اعتبار نظام الحكم فيها شموليا،وهو بالفعل كذلك،قد ينعم أهلها بدرجة أكبر من الاستقلال وحرية التعبير عن النفس،مما يتمتع به الأمريكيون،لمجرد أن المصريين لا يعتريهم أي شك في أي وقت في زيف ما يزعمه نظامهم من ديمقراطية،ولا تثير فيهم الدعابة(2) السياسية من خلال وسائل الإعلام إلا السخرية المعلنة أو الصامتة،بينما يبدي الأمريكيون استعدادا مدهشا لقبول ما تقوله لهم وسائل الإعلام.(..){ ماذا علتمني الحياة؟)/ د.جلال أمين / دار الشروق /القاهرة / الطبعة الرابعة 2008}.هذه كلها سلبيات أو"ثقوب في الديمقراطية" الأمريكية .. ولكن الإيجابية .. أن كل تلك الفضائح تم الحديث عنها بشكل علني وبحرية تامة – في أغالب الأحيان،مع استثناءات قليلة .. من الحديث عن "دولة الصهائنة" – فبعد كارثة"المكارثية" وعى الأمريكون الدرس .. وعرفوا أن"الحرية" في قول الرأي ليست مضرة تماما .. طالما أن صاحبها لا يملك أكثر من قولها .. وطالما أن "الوضع تحت السيطرة" .. ولعل الحادثة الأخيرة .. حين طرد الرئيس الأمريكي "ترامب" مراسل لـ"سي إن إن" .. عاد المراسل بأمر قضائي رغما عن أنف رئيس أقوى دولة في العالم!!وبعد .. الديمقراطية ليس لديها"دستور"ثابت .. يحميها .. وإنما هي صراعات بين قوى البشر .. مع وجود مبادئ .. نظرية .. فهي في النهاية منتج بشري .. قابل للفساد .. وفي المقابل لدينا منتج رباني .. يفسده البشر ..والعجيب ... أن أبرز عيوب الديمقراطية الأمريكية .. السماح لرأس المال بـ"رشوة"المترشحين .. وإن تحت لافتة أخرى هي"التبرع" .. فتكاليف الحملات عالية .. والتاجر الذي"يدعم" – وهذه عبارة "محايدة بين"التبرع"و"الرشوة"- مترشحا .. يقول عنه مثلنا الشعبي" ما مصلي إلا طالب مغفرة"!!والذي لاشك فيه أن الخروج من نفق ذلك"الدعم" وتلك"الفاتورة"العالية للحملات .. من أصعب الأمور لأنها مرتبطة بمصالح .. وعلى رأسها أبرز الرابحين "وسائل الإعلام" نفسها.هذه خواطر شخص لا يحب السياسة .. ولم يتابع انتخابات في حياته .. على ولع الناس بها ..أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدنيثقوب في ثوب الديمقراطية