تصميم الثقافة
د.ريمه الخاني
مصطلح أطلقه عالم النفس سكينر على ثقافة عصرنا.[1]
واجهني أحد المثقفين الذين قرؤوا روايتي " دون كيشوت يظهر في الشرق"، أنني طرحت فكرة السيطرة
الفكرية التي ينفد منها استعمار اليوم، هل كنت محقة ام بالغت؟.
وبات الامر يشغل بالي حول ماطرحت حتى قرأت دراسة حديثة للأستاذ ديب حسن، كانت جريئة وفيها كثير من الصواب، وفيها الكثير من المصطلحات، مثل: تدجين الإنسان، الحروب الثقافية...وفرقت من حيث كان واجبها التجميع، وهي الثقافة الأمريكية الحديثة، وهل تلك الحروب إلا مثال عن التفرقة؟وتوسيع الهوة التي كانت مردومة حقبة طويلة من الزمان رغم وجود الحفرة في مكانها؟[2].
هذه هي الثورة الثقافية حديثا، لذا نجد ان جل المؤتمرات الثقافية، وجل الاجتماعات، رغم شعاراتها اللماعة، إلا ان بعضها يبقى جهده حبر على ورق ، وذلك ان تفعيل ماورد يحتاج جهدا خاصا أيضا.
وقد قالها الأستاذ حسن : أن تكنولوجيا السلوك رغم أن سلوكياتها محايدة ظاهرا، إلا أن ملامحها مالها تأثير واضح على قيمة بقائها...
وهنا بيت القصيد الذي عنيناه.
وقد قال سكينر : إن العلم الحالي غير ملائم لأن تأثيره مدمر...ولن ينتج ثقافة محبوبة.
لذا بات استخدام التكنولوجيا مسألة خطيرة، أن عرفنا ان العاقلين من المثقفين يرفضونها بشكل أو بآخر.
لان هدفها السيطرة عليهم...وهذا يكرس السطرة والسيطرة المتبادلة.
وهذا يعكر صفو آداب الحرية والكرامة..فماذا تريد منا أمريكا؟.
مامعنى أن تحل ثقافة مكان ثقافة؟؟، ماهي الخدمة الجلى التي ستقدمها للإنسانية؟؟؟.
يقول الأستاذ حسن هنا ، إن الامر ليس جديدا، بل كان منذ إزهاقها أرواح الهنود الحمر، إنها إشارات خفية لتفضيل ثقافة عن ثقافة ، بديكتاورية واضحة، فأين الديمقراطية التي تتحدث عنها إذن؟.
هي أمركة، بدءا من الحرب الناعمة في هوليود والتقنية العالية التي حبست الأنفاس، وصولا للحروب الحقيقية....لتبقى على رأس العالم تقرر وتعدم وتحيي!!!
لتمحو الذاكرة الثابتة ، وجعلها من رمل!!، خاصة عندما حولت أساليب التعليم لاتمتة لاتشجع على الحفظ الذي له حيز هام ، كما المنطق الحواري تماما، والذي حاولنا ضبط منهاجه عبر المؤتمرات ووصلنا للموافقات على منهاجنا الوسطي.
ولعل ذراعها التخريبي للتراث والآثار المتدثر بدثار الإرهاب الذي صنعته وتصرح به، وتعود لتقول هو الذي وهو...
كم نحن ...
وقد تساءل الاستاذ حسن لماذا ظلت مساهمات المؤسسات الثقافية حبرا على ورق، والسؤال من يشرف عليها...
وقد تناهى لسمعنا أن مجلة راقية هامة تملؤها الدراسات القيمة، توسع قسم الأدب فيها، بعد تولي إدارتها رئيس جديد،و على حساب الدراسات..فمن هو الأثقل وزنا؟؟هذا هو السؤال الآن.
لكنه يجيب على تساؤله قائلا: ان المثقف والثقافة والمشرفين عليها ، ماكان همهم التفعيل، بقدر الجهد النظري، ولعله محق هنا، حتى نكون منصفين...
لكل مشروع وفكرة ونظر ية، تحتاج لتفعيل واقعي لتعيش وتؤتي نتائجها، وهذا يحتاج لتخطيط عملي على ضوء المعطيات الحالية.
وهذا ينطبق على سور الصين العظيم ، الذي ماكان ليحمي المساحات الشاسعة بعد خيانة الحارس!!!
ثقافة من غير وعي..لاثمرة منها ولارجاء...
إنه يعيد الروح الفردية، على حساب الانتماء القومي والاجتماعي..وعلى حساب الاندماج الذي بات من الصعب تحقيقه...
هذه هي الحداثة التي تكرس مفهوم الغربة في المجتمع الأصل...وتفرع الاحزاب، وتنوع الالوان المصطنعة ، على حساب اللحمة الحاضرة والتي باتت تغطيها تلك الإعلاميات الثقافية غير البريئة.
ولأن الفرد بات يضيق ذرعا بهذا التغريب الثقافي، فقد بات في داخله ، يتشكل متناقضات متصادمة مع بعضها البعض....
لذا نرى بعض المثقفين ، عبارة عن رجع صدى للواقع ولخطوات الإعلام الثقيلة.
إن ثقافة العصر في واد غير ذي زرع كما تفضل الأستاذ حسن...نعم في أرض قفر بور لاتثر ولاتغني من جوع ، دون إنجاز وتفعيل حقيقي...فالثمرة تاتي بالنفيذ لا بالتنظير...
إنها ثقافة منغلقة عموما، لاتستطيع التجديد ، إلا إن ملكت المرونة الإيجابية، وتعني أن تطلع على من سبق من أعمال نجحت، لتبني فوقها نجاحا جديدا مثلا...
ولعل عدم الاهتمام بالمساهمات الجدية، إحدى الخيبات التي يعاني منها المثقف الحقيقي...
إن الثقافة العربية بصدق، تعاني عجزا قويا، لأنها تبقى استجابة لتيارات الغرب، وليس همة ذاتية فيها.
ترضى بوصاية الغرب ، بحسن نية للأسف ودون وعي منها، بالنتائج المترتبة عن الاستجابة غير المدروسة حول ماتقوم به.
14-1-2016
[1] بورهوس فريدريك سكينر هو أخصائي علم النفس وسلوكي ومؤلف ومخترع وفيلسوف اجتماعي أمريكي. وهو أستاذ فلسفة إدجر بيرس في جامعة هارفارد من عام 1958م حتى تقاعده في عام 1974م
[2] تابع الدراسة بعنوان:الثقافة التائهة والمجتمع الحائر، العدد 682 مجلة المعرفة السورية 2016