لماذا خلت شعارات الانتفاضات العربية من المطالبة بالوحدة؟
عندما بدأت الشعوب العربية في القرن الماضي مطالباتها بالاستقلال، سواء من الحكم العثماني، أو من الاستعمار الذي تلاه، كان خطابها في كل بلدٍ أو ولاية من الولايات العثمانية لا يخلو من التذكير بضرورة الوحدة العربية.
وعندما كان أي حاكم عربي يصعد الى منبر الخطابة أو يوجه كلمةً عبر المذياع، فإنه لم يكن لينسى أن يمر على مسألة الوحدة العربية، وكان بذلك يُناغي مشاعر المواطنين في دولته التي كان فضائها الذهني مُشبعاً بالتوق للوحدة. كذلك كانت تفعل الأحزاب.
ومن راقب ويراقب المطالب التي يرفعها المتظاهرون والمنتفضون العرب في معظم البلدان العربية، فإنه لم يشهد قطعة كرتونية أو يافطة من قماش ذُكرت فيها مسألة الوحدة العربية أو حتى التنسيق بين العرب. حتى ولا التصريحات أو الاستضافات التي كانت تتم في التلفزيون لم تذكر مسألة الربط بين الانتفاضة المحلية في أي بلد مع موضوع الوحدة.
الانتفاضات عامل مُوحِّد إضافي
كان المبشرون بالوحدة العربية في بدايات وأواسط القرن الماضي، يعددون عوامل الوحدة والشعور القومي باللغة والتراث والحدود المتجاورة والأحلام المشتركة، ويضيفون الدين كعامل سائد، رغم وجود أقليات دينية، حتى أضاف المفكر العربي الراحل (مُنيف الرزاز) عاملاً آخراً هو الصحراء، فيذكر أنه ليس هناك حاضرة من حواضر العرب تبتعد عن رمال الصحراء أكثر من مائة كيلومتر، وهذا حسب رأيه يوحد في طبيعة ومزاج الناس حيثما وجدوا في أرجاء الوطن العربي الكبير.
واليوم بإمكان القاصي والداني من العرب أو من الأجانب أن يُقر بوحدة ذلك المزاج الثوري أو العنصر النائم والكامن في نفوس العرب، وعندما نقول العرب، فإننا لا نتجاوز القوميات الأخرى انتقاصاً أو من باب (شوفيني)، فقد لاحظنا أن أمازيغ المغرب وأكراد العراق قد تناغمت انتفاضاتهم مع أشقائهم في نفس الوقت ونفس التأثير، فمن طوارق ليبيا وأمازيغ المغرب الى أكراد السليمانية والقامشلي، لم يشذ أحد عن توقيت الهبات الجماهيرية.
وليس بعيداً هذا الشأن عن أبناء الأمة، فكلهم يذكرون صلاح الدين الأيوبي وعماد الدين الزنكي ويوسف ابن تاشفين، كما يحفظون أشعار (الشابِّي) و(أحمد شوقي ) و(زهير ابن أبي سلمى) و(جميل صدقي الزهاوي) و(ميخائيل نعيمة) بغض النظر عن بعدهم الزمني أو المكاني أو دون إرادتهم لأن يتعرفوا على أصول الزهاوي الكردية أو ابن أبي سلمى الجاهلية أو أحمد شوقي التركية أو ميخائيل نعيمة المسيحية.
لقد أصبحت الانتفاضة التونسية عاملاً جديداً من عوامل المطالبة بالوحدة. وهذا لم يقتصر علينا كعرب، بل تدرس تلك الظاهرة مخابرات صهيونية وأمريكية، وتتناولها وكالات أنباء عالمية أنها انتفاضات ذات منشأ واحد (الحراك الشعبي في البلدان العربية) و (حركات التغيير عند الشعوب العربية) و (الصحوة العربية) الخ من العبارات التي تستخدمها وكالات الأنباء العالمية.
لكن لماذا خلت شعارات تلك الانتفاضات من ذِكر الوحدة
يتوهم من يعتقد أن تلك الانتفاضات قد خلت من المخزون الوحدوي الهائل. صحيح أنها لم تذكر ذلك صراحة، لكنها ذكرته بالممارسة والفعل، فعند اصطفاف أبناء التيارات السياسية مع المستقلين دون أن يرفع أي أحد منهم يافطة تدلل عليه بشكل خاص. وعندما يتكاتف القبطي مع المسلم في ساحة التحرير، وعندما يرفع ابن مصر واليمن والسليمانية نفس الشعارات التي رفعها التونسي، فهذا إيذان صريح بإنهاء الهوية الضيقة لصالح الهوية الأكثر شمولاً.
وقد يكون تدرج المطالب والذي بدأ بالانتصار للبوعزيزي نتيجة منع تكسبه، فمن المطالبات بالإصلاح السياسي الى المطالبة بتغيير النظام، الى المطالبة بإنهاء وجود الجامعة العربية التي زرعت (القرَف) في نفوس العرب من الوحدة والتنسيق، الى المطالبة بوجود جامعة شعبية عربية وبرلمان عربي موحد يتدرج في استكمال المطالبة بالوحدة السياسية.