ترميم منزل تشيخوف
المصدر:
التاريخ: 06 نوفمبر 2010
تنتهي قبل نهاية العام الجاري 2010 أعمال الترميم للمنزل الأبيض الواقع في «يالطا» المدينة الأوكرانية الشهيرة، والعائد للكاتب العظيم أنطون تشيخوف. وتقول الأخبار إن المنزل كان جرى تحويله إلى متحف، لكنه تعرض للضرر.
في هذا المنزل الذي التجأ إليه تشيخوف للاستشفاء من مرض السل، كتب الكثير من أعماله المتميزة، ومن بينها مسرحية «بستان الكرز» وقصة «السيدة صاحبة الكلب»، وغيرهما.
والمفارقة هنا، هي أن مؤسسة بريطانية هي التي تتكفل بهذا العمل، بالتعاون مع الحكومة الأوكرانية، وبمساعدة من شخصيات فنية وإعلامية عالمية. ذلك أن كاتبة السيرة الذاتية لتشيخوف هي سيدة بريطانية، تخصصت في تشيخوف، وفي كل ما ينتمي إليه.
ربما لا يقدم ترميم المنزل الأبيض الكثير لأعمال تشيخوف، كالإسهام في شهرتها مثلاً، أو في تسويقها، لكن هذا العمل يمنح البلاد كلها رمزاً تاريخياً تعتز به بين بلدان الكون، ويمنح الكتّاب الأحياء حافزاً قوياً لمزيد من العطاء والإبداع، طالما كان مثل هذا العمل ينطوي بالضرورة على تكريم حقيقي للموهبة الإبداعية.
هذا الكلام يدفعنا إلى مقارنة المكانة الإبداعية في الغرب، بمكانتها في عالمنا العربي، على الرغم من انتفاء المقومات الملائمة للمقارنة السليمة. ولكن، لا بأس من التذكير بمكانة الإبداع في المشهد العربي العام.
فكثير من المبدعين العرب تم الزج بهم في السجون، وكثير منهم تم تهجيرهم ونفيهم، وكثير منهم تمت مصادرة كتبهم وإبداعاتهم. ويحضرني في هذا السياق كيف لجأت السلطات في بلد عربي، إلى شراء النسخ المتوافرة في الأسواق كافة، من كتاب فيه جرأة النقد. وهكذا لم تتورط السلطة في منع الكتاب أو محاكمة صاحبه، وتولت بنفسها تسويقه، ولكن على طريقتها الخاصة جداً.
وقد جرت محاولة منذ أربع سنوات تقريباً، لترميم منزل الكاتب الأردني المتميز غالب هالسا في مسقط رأسه في جنوب الأردن، وتحويله إلى متحف متواضع، ولكن الأمر لايزال قيد الدرس والبحث والتمحيص. ولم يخطر ببال أي وزارة ثقافة أردنية، أن مثل هذا العمل، هو الذي يرسخ قيمة الرموز الوطنية في الميادين كلها، الثقافية والسياسية والاجتماعية. ويمنح البلد قيمة إضافية أمام العالم كله. كما يشكل دافعا ومحركا لأبناء المنطقة أولاً، للانخراط في الشأن الثقافي، ولأبناء البلد كافة.
كان غالب هلسا واحداً من رواد الكتابة الحديثة في العالم العربي، وقد قدم لنا عدداً من الكتاب والأدباء المصريين الذين شكلوا في ما بعد جيلاً إبداعياً ثورياً في السياق الفني. وغالب هلسا مجرد مثال على أحوال المبدعين العرب، الذين ذاقوا مرارة النفي والسجن والحرمان في حيواتهم، قبل أن تعترف بهم السلطة الثقافية/السياسية متأخرة، وعلى استحياء. ولو أردنا التذكير بالمبدعين العرب الذين تعرضوا للقمع والتنكيل والنفي، لما تمكنا من إحصائهم جميعاً، فالقائمة تطول.
أجل، ليست ثمة مقومات لمقارنة عادلة بين المكانة الإبداعية عربياً وغربياً، ولا نريد متاحف أو تماثيل لمبدعينا العرب، ونكتفي فقط بالمطالبة بهامش من الحرية التي تفسح المجال أمام كتابة إبداعية متقدمة، فهل هذا كثير؟
damra1953@yahoo.com
المصدر
http://www.emaratalyoum.com/opinion/2010-11-06-1.313675