نجيب و إحساس الحياة
--------------------------------------------------------------------------------
لا أعتقد أن جيل التلفزيون الملون و من بعده جيل الفيديو و من ثم جيل المحطات الفضائية و شبكات الإنترنت ، يستطيع فهم تعلق كافة الأجيال السابقة بعالم القصص و الروايات .. ذلك العالم الجميل الذي يفتح االآفاق رحبة أمام انطلاقات و تشكيلات الخيال .. فكل قارئ لقصة أو لرواية يلونها بألوانه و أحلامه الخاصة ، و يضيف إليها من ذاته الكثير ، و هذا عين المتعة التي حرمت منها الأجيال الحالية ، و بالذات في منطقتنا العربية التي تواجه أصلا و قبل كل هذا الغزو الإلكتروني و التكنولوجي أزمة قراءة لذلك لا يمكن أن يستوعب أبناء الفيديو والفضائيات و الإنتر نت سر عشقنا للأدباء و الروائيين الكبار بالذات .. " ربما يتساءل البعض أن أكون من جيل هؤلاء و أحب الأدب حبا جما ربما يكون السبب في نشأتي السليمة و العيش مع الأسرة التي تهتم بالسياسة و الأدب " .
و بالطبع لا يمكن أن نتحدث في وقتنا الحاضر عن الرواية في عالمنا العربي من دون التوقف مقدما في محطة رئيسية و عند مفترق طرق أساسي ، و هو الأستاذ الكبير " نجيب محفوظ " ...
نجيب محفوظ الذي لم يكن بحاجة إلى تلك الجائزة العالمية ليعيد العرب اكتشافه من جديد ، خاصة أن القراء العرب طالما عاشوا الأحداث الملحمية لأبطال روايات نجيب ، و تنشقوا العطر الشعبي في كل سطر من سطور حكاياته الأدبية و من خلال كل عبارة كان ينطق بها أحد شخوص نجيب الخيالية ، و أعتبر نفسي من أولئك المحظوظات اللاتي أتيحت لهن فرصة التتلمذ على يد مجموعة متميزة و متمكنة من الأساتذة العرب و في مقدمتهم أستاذ اللغة العربية أثناء مرحلة الدراسة الجامعية و في المقرر الاختياري و الذي أصر على أن ندرس و في فصل دراسي واحد كتاب " الإمتاع و المؤانسة " لأبي حيان التوحيدي ، و " البخلاء " للجاحظ ، و " دنيا الله " لنجيب محفوظ و لأن دنيا نجيب هي الألطف و الأخف و الأقرب لروح عصرنا فقد كانت معها البداية 0
و رغم أن أدب نجيب محفوظ لم يكن غريبا علي شخصيا خاصة إني كنت أختم غالبية إنتاجه مع انتهاء مراحل الثانوية ، و لكن أن تقرأ تحت سمع و تحليل و رؤية أستاذ جامعي متخصص ، فتلك متعة بحد ذاتها ، متعة أتاحت لنا إعادة فهم الكثير من تورية و إشارات نجيب ... و رغم جمال غالبية قصص مجموعة " دنيا الله " إلا أن ما علق منها بالذاكرة ارتبط بـ " حنظل و العسكري " و بـ " الجامع في الدرب " و " ضد مجهول " ، أما الأمتع و الأجمل فقد كان العم إبراهيم الفراش بطل " دنيا الله " العم إبراهيم المسكين البسيط المتمرد ضحية ضغوط الحياة و أنانية المحيط الذي ثار فجأة و انطفأ فجأة . نجيب زخرف حياتنا و لون دنيانا و تسلل بذكاء ليتجاوز حدود ممنوعات السياسة العربية ، و داعب أحلامنا طويلا و ملأ صدورنا و أسماعنا بضجيج الحياة ، لينسل بهدوء في آخر سنوات العمر ليعيش دنياه الاختيارية معزولا عن كل هذا الصخب و الضجيج ، بعد أن فقد قدرة الرؤية و حاسة السمع بعد الاعتداء الآثم و الجاهل عليه ، و مع ذلك لم يبتعد نجيب في خاتمة أبطال قصصه ورواياته ، حيث جسد لنا ضرورة إهمال الحديث عن الموت ووجوب سيرة الحياة نحو إشراقة الغد ، و بأهمية تعويد الناس على الإحساس الطيب بالحياة ... فالإحساس الطيب بالحياة كان و مازال يمثل في رأينا خلاصة فلسفة نجيب الروائية 0
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
الوعي ما ينقاس للناس بالسن ××× الوعي يحصل بالقراءة الكثيرة
كل ما قرأ الإنسان وتثقف أحسن ××× يعرف يحدد في حياته مصيره
لو ما يجي ذكري على الألسن ××× بالخير .. ما ني الواعية الصغيرة
الواعية الصغيرة-منابر ثقافية