التعريف بكتاب يتحدث عن دور نساء دمشق بنشر العلم
----
(أعلام النساء الدمشقيات)
تأليف د. محمد مطيع الحافظ
وكان من آخر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم الوصية بالمرأة؛ ((استوصوا بالنساء خيرًا))، وفي سُنته المطهرة القولية والفعلية الإرشاد والتوجيه بالوصية بالمرأة والاهتمام بها وتعليمها ورعاية بيتها وزوجها وأولادها، فسار الصحابة على هذا النهج النبوي، فكانت المرأة عزيزةَ الجانب، موفورة الكرامة، لها دورها المتميِّز في كثير من مجالات الحياة التي تخصُّها، وكانت المساواة الكاملة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق والواجبات، كل بما يخصُّه.
------------------------------------------------------------------------------------------------
المرأة نصف المجتمع أو يزيد؛ فهي الأم والجدة والزوجة والبنت والأخت والقريبة.
وهي المربية والحاضنة لأولادها، والمعلمة في مدرستها، والمرشدة في مجتمعها، وهي القابلة والممرضة والطبيبة، وهي مخرجة الرجال ومربية الأبطال والقادة والعلماء والعظماء.
----------------------------------------------------------------------------------------------
و كانت المرأة الدمشقية على مدى القرون والأزمان، متميزة بحبها لأسرتها وأهلها، قائمة برعاية بيتِها، وعرفت بالطهارة والنظافة في نفسها وفي كل ما يحيط بها، وهي حريصة على أداء واجباتها نحو أهلِها وأرحامها، وكان لها أثرها الكبير وتأثيرها الواضح في المجتمع منذ القديم وحتى عصرِنا الحاضر.
كما تتميز بأسلوبها الخاص المعروف في التعامل مع الآخرين،
حريصة على رضا زوجها، ومتابعة شؤونه الداخلية، والمحافظة على نفسها طهرًا وعفافًا، والاقتصاد المعتدِل في الأمور المالية،
وهي أيضًا تعمل جاهدةً على أن يكون أولادها ذوي أخلاق طيبة مُرضية، وسلوك اجتماعي رفيع، وهي حريصة على تعليم أولادها أمور الدين وأدب التعامل مع الآخرين ليكونوا من خير الأبناء في المجتمع،
هذا السلوك من المرأة الدمشقية جعلها محترمةً فيما حولها، محبوبةً من زوجها، مطاعة من أولادها، مقدَّرة من إخوتها وأهلها.
وإذا مات الزوج كانت الأم خير راعية لأولادها، تبذل حياتها وشبابها الناضر في تربية أيتامها عازفة عن الزواج غالبًا حِرصًا منها على أبنائها.
ومنذ وصول الصحابة دمشق ومعهم زوجاتهم، كان لهؤلاء الزوجات الأثر الواضح في سلوك الناس داخل البيت وخارجه.
فالصحابية أسماء بنت يزيد الأنصارية اشتركَت في معركة اليرموك، وقتلَت بعمود خبائها تسعةً من الروم، ثم سكنت دمشق وتُوفيَت فيها.
وانتقلت الصحابية أم الدرداء الكبرى مع زوجها إلى دمشق، وكان لها أثرها في التوجيه كقدوة صالحة.
وأما آمنة بنت الشريد زوجة الصحابي عمرو بن الحبق فكانت امرأة فصيحةً جريئةً، تقول الحق أمام معاوية وغيره ولا تَخشى لومة لائم.
واشتهرت عمرة بنت الصحابي النعمان بن بشير بشِعرها، وكان لأم الدرداء الصغرى - التي روت علمًا جمًّا عن زوجها وغيره - منهج خاص في الزهد والعبادة والتوجيه.
وكان لخالد بن الوليد في شجاعته وإقدامه وبطولاته تأثيره الكبير في ابنة أخته أم حكيم بنت الحارث المخزومية، وكان من شأنها أن خالد بن سعيد بن العاص خطبها ثم عقد عليها، فلما نزل المسلمون مرج الصفر (في ضواحي دمشق) لقتال الروم، أراد خالد أن يعرِّس بأم حكيم فجعلت تقول: لو أخَّرت الدخول حتى يفضَّ الله هذه الجموع (من الروم) فقال خالد: إن نفسي تُحدِّثني أني أُصاب في جموعهم، قالت: فدونَك، فأعرس بها عند القنطرة التي بالصفر المذكور، فبها سميت قنطرة أم حكيم، وأولَمَ عليها في صبح مدخله، فدعا أصحابه على طعام، فما فرغوا من الطعام حتى صفَّت الروم صفوفها، صفوفًا خلف صفوف، وبرز المقاتلون فاقتتلوا وكان من المبارزين خالد بن سعيد فقُتل، فشدت أم حكيم عليها ثيابها وعدت فقاتلَت وإن عليها لردع الخلوق (العطر) في وجهها، واشتركت في القتال بعمود فسطاطها الذي بات فيه خالد بن سعيد معرسًا بها.
بعد جيل الصحابة تبعهم التابعون والتابعيات في هذا المنهج الرباني، فنقلوا عن الصحابة ما رووه من سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان أن نزل بعض الصحابة كبلال رضي الله عنه داريا، فكان لهم تأثيرهم في زوجاتهم، فكان منهن مُحدِّثات مثل هند الخولانية زوجة بلال، وكانت على هذا المنهج المبارك حكيمة الدمشقية، ورابعة الشامية المعروفتان بالزهد والورع، واستمرَّ كذلك عطاء النِّسوة في القرن الرابع والخامس الهجريين.
وفي القرن السادس ازداد العلم وازداد عدد سكان دمشق ووارديها والمُهاجرين إليها، ونشأت شيخات عالِمات، وصوفيات زاهدات، ومسندات وراويات للحديث الشريف، وكان بعضهنَّ يَسكن الربط التي هي مخصصة للنساء الزاهدات؛ كرباط حمد في درب السلسلة بدمشق.
وفي هذا القرن ظهر عدد من النسوة زوجات الملوك والسلاطين فكان منهن عابدات صالحات، وقام بعضهنَّ بعمارة المدارس والمساجد، مثل صفوة الملك، وزمرد خاتون، وعصمة الدين زوجة نور الدين ثم صلاح الدين، وعذراء الأيوبية.
وفي هذه الفترة نشأت أسر علمية كبيرة كان من أفرادها بعض النسوة العالِمات والمحدِّثات؛ مثل: أمة العزيز شكر الإسفرائينية، وست العشيرة بنت ابن أبي الحديد، وفاطمة الغسانية، وتقية الأرمنازية، وأسماء القرشية وأختها آمنة القرشية بنتي خالة الحافظ ابن عساكر، وفاطمة البلسنية، وأخت الحافظ ابن عساكر وابنته وزوجته.
وفي هذه الفترة أيضًا قدم المهاجرون المقادِسة ومعهم زوجاتهم وبناتهم الصالحات التقيات، وبعضهنَّ حافظات للقرآن المعلمات له، فسكنوا جبل قاسيون، وسُميت الصالِحية بهم لأنهم صالحون.
وفي القرن السابع الهِجري استمر وامتد النشاط العلمي والاجتماعي بدمشق في كثير من جوانبه واتَّسع وازدهر وأثمر وآتى أكله؛ وذلك بوجود أُسر علمية كبيرة في عدد علمائها وعالماتها وامتداد الزمان عليهم، هذه الأسر منها الأسر الدمشقية، ومنها الوافدة من بلدان شتى، ومنها المهاجرة (المقادسة) فقد استمر ورودهم إلى الصالِحية لينضمُّوا إلى المهاجرين الأول، فقد وجد هؤلاء رعاية علمية وازدهارًا اقتصاديًّا وحياة اجتماعية رغيدة فيها التعاون البنَّاء والمثمر في سبيل الخير للجميع.
في هذه الحياة الرغيدة من الطمأنينة السياسية وغيرها بعد فتح بيت المقدس تفرغ الحكام والأمراء لإنشاء المدارس والجوامع الكبيرة، ولم تقتصِر المدارس على العلوم الشرعية، وإنما إضافة لها المدارس الطبية ويتبعها البيمارستانات (المستشفيات) التي تضم أيضًا الصيدلة، وكانت بمثابة جامعة يتخرج بها الأطباء، وفي هذه المدارس التي تضم عددًا كبيرًا من الطلبة والشيوخ يتعلم الطلبة الفلك والرياضيات والهندسة وغيرها من العلوم.
وليس غريبًا أن نجد - في هذا الجو العلمي والتربوي والسلوكي - نساءً متميزات لهن أثرهن الواضح وتأثيرهن في المجتمع من خلال حضورهن الحلقات العلمية الخاصة والعامة، فقد تلقى الكثيرات منهن القرآن، وبعضهنَّ حفظنَه وسمعن مجالس الحديث الشريف وروايته عن كبار الحفاظ والمحدِّثين والمُسندين.
وكان لبعضهن جهود في هذا القرن بتشييد المدارس والربط والترب مثل: أم الملك المعظم، وست الشام (صاحبة المدرسة الشامية) وتركان زوجة الملك المظفَّر الأيوبي، وربيعة خاتون.
ونجد أيضًا شيخات للربط التي تسكنها النساء الزاهدات المتعبدات مثل: أمة الكريم بنت ابن الحنبلي، ونسب خاتون.
وأصبح عدد وافر من النساء من أصحاب الأسانيد العالية والتفرد عن الشيوخ مثل: خديجة بنت يوسف البغدادي (ت: 699هـ)، وزينب بنت مكي الحراني (ت: 688هـ) التي كانت أسند من بقي من النساء في الدنيا، روى عنها كبار الحفاظ والعلماء، وقد استمرت في العطاء ورواية الحديث الشريف نيفًا وستين سنة، وكريمة الزبيرية (ت: 641هـ) وكانت مسندة الشام.
ولكي نُعطي الدليل الواضح على أن اشتراك المرأة في التلقي والعطاء كان من كافة طبقات المجتمع أننا نجد العبيد والإماء وأولادهم اشتركوا في هذا السلوك العلمي.
مثل لؤلؤة بنت عبدالله (ت: 619هـ)، وست العرب الكندية (ت: 684هـ) التي تفردت بالرواية عن أبي اليمن الكندي صاحب أعلى سند في القراءات والحديث في عصره، هؤلاء النِّسوة المذكورات تميَّزْن بأمور أخرى غير العلم والرواية والفقه؛ فقد اشتهرن بالتقوى والعبادة وقيام الليل والذكر.
وهنا لا بد لنا من وقفة عند جانب آخر له أهميته وهو مما يدعو إلى الفخر وهو أن الآباء والأمهات في القرون الماضية وخاصة في القرن السادس والسابع وما بعدهما كانوا حريصين على تعليم أولادهم القرآن وإسماعهم الحديث الشريف، وإحضار الصغار منذ الأشهر الأولى من أعمارهم، وكان من النساء من تَحمِل ابنها أو ابنتها وتجلس مجالس الحديث الشريف تبركًا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليكونوا في المستقبل نقَلةً للحديث، وهذا ما اصطُلح عليه عند علماء الحديث بأن الولد إذا استمع وأراد الرواية، فإن كان سماعه قبل الخامسة من عمره قيل: إنه سمع حضورًا، وإن كان في الخامسة وما بعدها قيل: سماعًا.
هذا الأمر كانوا حريصين عليه تحقيقًا لبشارة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((نضَّر الله امرأ سمع منا شيئًا فبلغه كما سمعه؛ فرب مبلَّغ أوعى من سامع)) وأمثلة ذلك كثيرة نجدها في هذا الكتاب منها:
حضور الطفل إسماعيل بن عمر بن الحاجب وعمره ثمانية أشهر ومعه مُرضعته، وسماع أسرة كاملة: الأم والأب مع أولادهما ذكورًا وإناثًا وكانوا في نزهة بغوطة دمشق سنة 724هـ وعلى رأسهم الإمام عبدالله بن المحب المقدسي.
وسماع الطفل عبدالرحمن السهروردي وهو في حجر أمه في اليوم الخامس من عمره سنة 742هـ.
وسماع فاطمة البرزالية في الشهر الخامس من عمرها مع حاملها سنة 707هـ.
وكان للهجوم المعروف بقازان سنة 699هـ وما كان من تخريب وحرائق وقتل وسْبي أثرُه الكبير على الحياة العلمية والاجتماعية، وكان مؤلمًا، وأصيبَت فيه نساء كثيرات فصبرْنَ واحتسبْنَ من قتل الأزواج والأولاد والآباء، إلا أن أهل دمشق قد تجاوَزوا هذا المحنة وعادت الأمور في القرن التالي إلى طبيعتها تدريجيًّا.
ففي القرن الثامن عادت المرأة إلى الأخْذ والتلقي سواء كانت صغيرةً أم كبيرة، ولكن الملاحَظ والجميل: وجود العدد الوافر من الراويات والحافظات للقرآن والكاتبات في هذا القرن، مع وجود الأسانيد العالية والتفرُّد بالروايات.
وكان الكثيرات منهن على درجة عالية من التقوى والعبادة وكثرة الحج والسلوك الصوفي، ففي ترجمة ست العلماء بلبل (ت: 712هـ) أنها لما توفيت كانت جنازتها حافلةً بالنساء لما عرف عنها من الخصال العالية.
واشتهر في هذا القرن الثامن كثيرات من الشيخات المُسنِدات الراويات للحديث الشريف ومنهن:
• فاطمة بنت سليمان الأنصارية (ت: 708هـ): تفردت عن بعض شيوخها، فأكثر المحدِّثون والحفَّاظ الأخذ عنها.
• ست الوزراء وزيرة بنت بن المنجي (ت: 716هـ): شيخة معمِّرة متفرِّدة بالرواية عن ابن الزبيدي، ولسندها العالي طُلبت إلى مصر سنة 715هـ لسماع صحيح البخاري عليها، طلبها نائب مصر أرغون، ومن مزاياها أنها بقيت تروي الحديث حتى يوم وفاتها وفاجأها الموت.
• زينب بنت أحمد المقدسية (ت: 722هـ): صاحبة أسانيد عالية، وكانت من النساء العوابد.
• ست الفقهاء بنت إبراهيم الواسطي (ت: 726هـ): شيخة معمِّرة مسندة من بيت تقوى وزهد ورواية.
• فاطمة بنت البرزالي (ت: 731هـ): أُحضرت لسماع الحديث وعمرها يومئذ ثلاثة أيام، وحفظت القرآن الكريم، وكتبت ونسخت صحيح البخاري ووقفته وحققته، وكتبت ربعة شريفةً، وكتبًا في الفقه، وكان لها من الشيوخ مائة وخمس وثمانون نفسًا، وعاشت 24 سنة.
• أسماء بنت محمد بن صصرى (ت: 733هـ): كانت من خيار نساء دمشق في زمانها.
• زينب بنت يحيى بن العز بن عبدالسلام السلمية (ت: 735هـ): معمِّرة صاحبة أسانيد عالية، دخل عليها الطلبة يوم موتها وسمعوا عليها وانصرفوا وتوفيت بعد الميعاد، وكانوا قد قرؤوا عليها عدة أجزاء حديثية وهي مريضة فماتت عقيب ذلك.
• زينب بنت الكمال أحمد المقدسية (ت: 740هـ): اعتنى بها أهلها فأُحضرت لسماع كتب الحديث منذ صغرها ولها سنتان من عمرها، وروت عن واحد وثلاثين شيخًا وشيخة، وروت الكثير، وتزاحم عليها الطلبة لعلوِّ إسنادها، وقرؤوا عليها الكتب الكبار والأجزاء، وربما سمعوا عليها أكثر النهار، ونزل الناس بموتها درجة برواية الحديث في شيء كثير من الحديث بقدر حمل بعير.
• عائشة بنت إبراهيم بن صديق زوجة الحافظ المزي (ت: 741هـ): كانت عديمة النظير في نساء زمانها لكثرة عبادتها وتلاوتها وإقرائها القرآن العظيم بفصاحة وبلاغة وأداء صحيح يَعجز كثير من الرجال عن تجويده، وختمَت نساء كثيرات وقرأ عليها من النساء خلق، وانتفعن بها وبصلاحها ودينها وزهدها في الدنيا وتقلُّلها منها مع طول العمر، بلغت ثمانين سنة.
• زينب بنت الحافظ المزي زوجة الحافظ ابن كثير (ت: 749هـ): حافظة للقرآن مسندة سمعت الكثير من أبيها وروته.
• زينب بنت إسماعيل الخباز (ت: 749هـ): مسندة الشام، أسمعها أبوها شيئًا كثيرًا.
• فخرية بنت عثمان البصروية (ت: 753هـ): زاهدة عصرها رفضت الدنيا وانزوت بالحرم القدسي الشريف أربعين سنة، وكان لها كرامات، دعت الله أن تُدفن إلى جانب قبر السيدة خديجة فاستجاب الله دعاءها.
• ست العرب حفيدة الفخر ابن البخاري (ت: 767هـ): مُسنِدة مُكثرة، عالية السند، معمرة.
• غازية بنت عبدالرحيم بن جماعة: مُسنِدة صالحة، تُحسن الكتابة.
• زينب بنت محمد السكري (ت: 799هـ): كان لها حلقة تدريس.
وقد أوردتُ آخر هذا التعريف نماذج سماعات لأطفال وبنات صغيرات أصبحن من الراويات الكبيرات.
وفي أوائل القرن التاسع كان الهجوم التتري الكبير على دمشق وعلى رأسه تيمورلنك (سنة: 803هـ): الذي دمر كل شيء، وقتل الشيوخ والشبان والأطفال وسجن النساء ونقل الكثير من الرجال والنساء والأطفال إلى بلاده، ومات الكثيرون بردًا وعريًا وجوعًا وتشريدًا، وخرب المدارس والجوامع ونهب كل ما يستطيع نهبه وحمله فدمر كل شيء بدمشق بعد أن كانت دمشق أجمل المدن.
وبعد هذه الكائنة العظمى كما يسميها المؤرخون ورحيل تيمورلنك ضاعت أوقاف المساجد والمدارس وكل ما هو مفيد، وحل الفقر والمرض وتبع ذلك قلة العلم والعلماء من الرجال والنساء، ولكن بقيت بقية قليلة تابعت ما استطاعت متابعته من السلوك العلمي والاجتماعي.
أما عن دور المرأة في هذا القرن أي التاسع فلم يكن كالقرنين الماضيين ولا يقاربهما بل نجد قلة من النسوة العالمات والشيخات الراويات للحديث، وكن من المعمرات. من هؤلاء النسوة:
صفية بنت أبي العز (ت: 801هـ): فقيهة، حنفية، مدرِّسة.
فاطمة بنت بن عبدالهادي (ت: 803هـ): مُسندة عالية السند.
عائشة بنت بن عبدالهادي (ت: 816هـ): أشهر نساء عصرها روايةً، فكانت مُسنِدة الدنيا، وهذا ما جعل الحافظ ابن حجر يقصد دمشق وصالحيتها ويتلقى عن هؤلاء الشيخات ويقرأ ويسمع الكثير، وقال عن عائشة المذكورة: نزَل الناس بموتها درجة في جميع الآفاق، وقال أيضًا: وهي آخر من حدَّث بصحيح البخاري عاليًا وسماعًا، ومن الاتفاق العجيب أن ست الوزراء بنت عمر بن المنجي التنوخية كانت آخر من حدث من النساء عن ابن الزبيدي في الدنيا، وماتت سنة: 716هـ، وعائشة هذه ضاهتها في وفاتها سنة: 816هـ، وزادت عليها بأنه لم يبقَ من الرجال والنساء أيضًا من سمع على الحجار، رفيق ست الوزراء في الدنيا غيرها وبين وفاتيهما مئة سنة سواء.
• وكان من آخرهن: فاطمة بنت خليل الحرستاني (ت: 874هـ): قرأ عليها الحافظ يوسف بن عبدالهادي الكثير من الكتب والأجزاء.
وفي هذا القرن توجَّه عدد من الحفاظ الكبار إلى دمشق للتلقي عن أعلامها من الشيوخ والشيخات منهم: الحافظ ابن حجر سنة 802هـ، ثم الحافظ السخاوي سنة 859هـ.
وفي القرن العاشر نجد تراجعًا كبيرًا في العطاء العِلمي عامة، وخاصة في علوم الحديث وروايته، وذلك عند الرجال والنساء سواء واستمر العطاء الفقهي لوجود القضاء والإفتاء والتدريس فيه، غير أننا نجد سيدةً جليلة كما قال النجم الغزي كانت أحد أفراد الدهر ونوادر الزمان فضلاً وعلمًا وأدبًا وشِعرًا وديانة وصيانة هي: عائشة الباعونية التي تُوفيت سنة 923هـ، وقد توصلتُ ولله الحمد إلى معرفة تاريخ وفاتها ومكان دفنِها بعد أن استمر الخطأ في ذلك مستمرًا منذ القرن العاشر حتى وقتنا الحاضر.
وقد حاول الحافظ يوسف بن عبدالهادي أن يُتابع ما قام به أسلافه، فكان يجمع زوجته بلبل وأولاده ويقرأ عليهم مروياته.
وتوقف تقريبًا عطاء المرأة الدمشقية حتى كان القرن الرابع عشر وفي بداياته ظهر الوعي وانتشر العلم وبدأت النهضة تأخذ طريقها عند الرجال والنساء، ونجد كثيرات ممن عملن في مجال العلم والأدب والشعر والجهاد والأعمال الإنسانية والنسائية خاصة مثل الأديبة زينب فواز (ت: 1332هـ)، والطبيبة سلمى القساطلي (ت: 1335هـ)، والمجاهِدة أسماء الخراط (ت: 1345هـ)، والمجاهدة الأميرة زينب الجزائري (ت: 1350هـ)، والمربية المُرشِدة صفية الخاني (ت: 1362هـ)، وابنتها خديجة عمرو الزهيري الخاني (ت: 1404هـ)، والمربية فاطمة الكردي (ت: 1381هـ)، والرائدة الاجتماعية نازك العابد (ت: 1379هـ)، والشاعرة ماري العجمي (ت: 1384هـ)، والمربية العارفة باهية بنت الشيخ بدر الدين الحسني (ت: 1387هـ)، والمربية الاجتماعية عادلة بيهم (ت: 1395هـ)، والشاعرة هيام النويلاتي (ت: 1398هـ).
وكذلك مع بداية القرن الخامس عشر ظهر جيل من النساء كان لهن أثر واضح في مجالات كثيرة؛ أدبية، وطبية، وإنسانية، ودعوية مثل الحاجة وهيبة البقاعي (ت: 1415هـ)، والشيخة درية الخرفان (ت: 1416هـ)، والكاتبات منيرة المرعشلي 1407هـ، وفلك طرزي، ومقبولة الشلق (ت: 1408هـ)، وسلمى الحفار الكزبري (ت: 1427هـ)، وإلفة الإدلبي (ت: 1428هـ)، والمربيات حميدة القحف (ت: 1409هـ)، وسامية المدرس، وملاحة الخاني.
وقامت في أواخر القرن الرابع عشر وما بعده نهضة نسائية رائدة إسلامية في حفظ القرآن والقراءات وتحفيظه وتعليمه والحديث الشريف وروايته والحصول على الإجازات بذلك من كبار شيوخ دمشق؛ كالشيخ أبي الحسن الكردي، والشيخ محمد سكر، والشيخ كريم راجح، والشيخ عبدالرزاق الحلبي، ومن هؤلاء الحافظات الجامعات للقراءات: دعد الحسيني (ت: 1430هـ)، وسناء الدقر (ت: 1424هـ).
وإضافة لذلك فقد حفظ بعضهن صحيح البخاري وصحيح مسلم بأسانيدهما على الشيخ الدكتور نور الدين العتر.
وكان أن شاركت بعض الأديبات في تحقيق التراث ونشره بشكل متميز مثل: سكينة الشهابي (ت: 1427هـ)، ووفاء تقي الدين، وروحية النحاس، ونشاط الغزاوي.
وهكذا كان للمرأة دورها المتميز في مجالات الحياة عامة والعِلمية خاصة في دمشق وفي غيرها من المدن السورية.
كل هذا نجده بشكل تفصيلي في هذا الكتاب، وفيه أيضًا بيان لمكانة المرأة الدمشقية وفضائلها وجهودها في العلم والجهاد والنواحي الإنسانية والاجتماعية والعلمية والأدبية والفكرية والتربوية منذ عهد الصحابة حتى عصرنا الحاضر.
ويذكر المؤلف بكتابه القيم هذا---
وتحقيقًا لجمع أكبر عدد مُمكن من التراجم رجعتُ إلى عشرات الكتب التي تُعنى بالتراجم خاصة وإلى المخطوطات، واستقرأت ما فيها استقراءً أقرب ما يكون إلى التمام، فتجمَّع عندي هذا الكم الكبير من التراجم، علمًا بأن ما أوردته من التراجم أضعاف ما قام به قبلي ممن ترجم للدمشقيات من خلال كتب التراجم المتخصِّصة بالنساء، ونهجتُ في صياغة الترجمة في ذكر الاسم والنسب وتاريخ الولادة والوفاة بالتأريخين الهجري والميلادي، وعرَّفتُ بأهم خصائص المترجمة وفضائلها، ثم ذكرت ترجمةً حياتها مدعومًا بالوثائق والسماعات من المخطوطات، وختمت ذلك بتاريخ الوفاة باليوم والشهر والسنة ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، مع ذكر مكان الوفاة والدفن إن توافرت هذه الأمور أو بعضها، وأشرت في الهامش إلى أهم المصادر والمراجع.