المناكفات بين أبناء الأمة دليلٌ آخر على وحدتهم
يظن الكثير من الناس الذين يراقبون أجواء المناكفات التي تدور بين دول وأبناء الدول العربية، أنه يستحيل أن تلتقي تلك الأمة على هدف، وأن من ينادي بوحدة الأمة، عليه أن (يُقيف: يقصر) ثوب شعاراته لتهتم بوحدة الدولة القطرية التي باتت مهددة بفعل استنهاض عوامل فرقة جديدة.
وقد تنصاع بعض همم الداعين بالتوحد، أمام هذا السيل من الأمثلة التي تظهر على شاشة متابعة ما يجري في مختلف الأقطار العربية، فتنثني وتخجل من متابعة ترجمة آمالها في العمل على الارتقاء في رفع سقوف مطالبتها بالتنسيق بين الأشقاء، بل وتلوذ أحياناً عاجزة عن تفسير ما يجري.
في البيوت التي يكون للزوج المتوفى عدة زوجات، تنتصب مشاكلٌ تسم الجو العام بين الأخوة بأنه جو عدائي لا تهدأ المناكفات وحملات الهجوم بين أفراد تلك الأسرة على بعضهم ووصف أحدهم الآخر بابن (فُلانة) التي أمها (علانة)، وهذا بدوره سيفرخ مشاكل فرعية لا حَصر لها، ينشغل من يُنتدب لحلها أن يكتفي بمناقشة أحد المشاكل الفرعية (المُفرَخة)، دون أن يُجازف بذكر المشكلة الأم، وهي الاختلاف على الميراث.
من هُنا، فإن المشاكل التي تواجه أُمتنا لها واجهات بألوان مختلفة، منها واجهات تتلون بلون عِرقي، بحجة أن طرفاً من المناكفين لا ينتمي للعرق العربي. وواجهات جهوية إقليمية لا تطمح أن يمتد ذراع أمجادها خارج حدود إقليم جهتها، خوفاً من اهتزاز نصيبها من ما قذفه باطن الأرض من نِعَم، ليشاركهم في تلك النعم أناس لا يروا في مشاركتهم فائدة مرجوة.
ويستفيد القائمون على إدارة تلك الدول المكونة لخريطة الوطن العربي، في إبقاء تلك الأهداف ماثلة أمام من يحكمونهم، لمشاغلة هؤلاء عن ملاحقة فسادهم من ناحية، ولإبعاد شبح التوحد الذي يهدد ديمومة حكمهم. بل ويساهم هؤلاء الحكام في تنشيط قدرات الأجنبي الذي يرى في أي تقدم نحو التنسيق بين الأقطار العربية خطراً كبيراً على مصالحه. فهي (أي حكومات كل قطر) تستحكم داخل منظومة أمنية تتقي بها شرور من يتطاول على نظامها من الداخل، لكنها لا تستنكف عن تنشيط ونقل مثل تلك العناصر الى جوارها، من خلال تزيين أهدافه خارج وطنه (القطري)، فهي بهذا تحقق أهدافاً جمة، أهمها تنظيف ساحتها ممن يتم تضليلهم بفكر جاء نتيجة احتقان عام، ونقلهم لخارج حدودها القطرية، ومن جانب آخر فهي تبقي غيرها من الدول الشقيقة في حالة أبسط ما يُقال فيها أنها أقل أمناً وأقل خطراً عليها.
لو اطلع المثقف العربي على صورته في عيون من هم خارج حدوده، وفحص العبارات التي تُقال في حقه، لوجدها تفوق آلاف المرات ما قد يقذفها به أشقاؤه، ولارتكس عائداً الى أشقاءه قابلاً بتطاولهم الذي يسهل تفسير دوافعه، ليتقي ما يضمره أعداؤه الحقيقيون.
العربي، ليس هو من ينحدر من عدنان أو قحطان نسباً، والعربي ليس من دان بدين الإسلام فقط، ولكنه الذي نشأ في هذه البقعة قبل الإسلام وبعده وحفظ تراث شعبها أو شعوبها بمختلف روافدهم الفكرية والعرقية، وهو الذي يفكر بأدوات هذا التراث المتنوع والعميق بجذوره، وهو الذي يرى في تصنيف الأعداء ما يراه غيره من أبناء الأعراق وأبناء الطوائف المتعايشة معه. وهو الذي يحلم بمواطنة يسودها العدل وتناقل الفرص بشكل غير جائر، وهو الذي يقر أن قوة هذه الأمة بتحقيق تلك الشروط.
من هنا، فإن ثورة فرد أو طائفة على سلوك فرد أو طائفة داخل حدود الوطن العربي، هو عامل آخر من عوامل الوحدة. فهو لم يثر على ياباني أو سويدي عندما يصفه بصفات لا توصف للكلاب، ولكنه يثور على نتائج مباراة أو على تصريح، أو سلوك لمسئول هنا أو هناك، على اعتبار أن هذا ما كان يجب أن يكون ممن (نتعشم) منهم الخير.