القصيدة الشعرية بين الأمس واليوم
من قلم غالب الغول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موضوع حيّر الشعراء , في مفهوم القصيدة ونمط الإبداع بها , فكثير من الشعراء وقفوا على أبواب التساؤلات , كيف نكتب قصائدنا ؟ هل نكتبها على الأنماط القديمة بعفوية سردها وتقليدها بشكلها ومضمونها , أم نكتبها على الأنماط الحديثة بمفهومها المعاصر , برمزيتها وتعميتها وغموضها بلا شكل واضح ولا مضمون ؟ أم نكتبها بوحدات إيقاعية بلا قافية لتتسم بالحرية الإيقاعية , أم نكتبها بلا وزن ولا قافية لنكسب الوقت لأننا في عصر السرعة ؟
ولهذا كان من الصعب أن نجد لمثل هذه القصائد ناقداً له خبرة بتصنيف هذه القصائد ليقف على تحليلها أدبياً وإيقاعياً , واقتصر همهم على نوع واحد من القصائد ألا وهي القصيدة العربية العمودية بشكلها التقليدي , وبأسلوبها الذي يتناول قضايا المجتمع أفراحه وأتراحه وحربه وسلمه وغزله ومدحه وهجائه , وتجاهلوا كثيراً من القصائد الأخرى .
لذا رأيت من الضروري كتابة هذا البحث المتواضع , لأعبر عن مكنون وخبايا هذه القصائد , لنتعرف على أشكالها ومضامينها لنصل في النهاية إلى تشجيع الشعراء على الكتابة الشعرية بأي شكل يشاءون , وبأي وضع يرغبون دون أن تربكهم فكرة النقاد , ودون أن يحسبوا لنقدهم أي حساب , اللهم إلا ما يتعلق بالنحو والصرف وتركيب الجمل بياناً وتشبيهاً وفصاحة .
لقد كثرت أشكال القصائد المنتشرة في المكتبات عموماً , فمنها القصائد التقليدية بوزنها وقافيتها وعمودها الشعري وبفصاحتها ووضوح معانيها , والذي يسميها بعض النقاد ( قصيدة السهل الممتنع ) تحسبها سهلة التراكيب , ولكن عند الخوض بالقصيدة ستجد أن هذا السهل يمتنع عليك وعلى الشعراء الآخرين .
القصيدة التقليدية :
ولقد اتبع أسلوبها الشعراء في الجاهلية والإسلام وفي عصرنا الحديث , وهي تحتل مساحة واسعة جداً من الدواوين الشعرية الخالدة في ديوان العرب *, وتتميز هذه القصائد بوضوح معانيها , وسهولة تراكيب جملها لتصل إلى المتلقي بكل يسر دون أي تعقيد , ومن أمثلة هذا الشعر :
ما قاله عنترة بن شداد .
هل غادر الشعراء من مــــــتردم
أم هــــــل عرفت الدار بـعد توهم
يا دار عبلة بالجواء تكــــــــــلمي
وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي
فوقفت فيها ناقتي وكـــــــــــأنها
فدن لأقصى حاجـــــة المتلوم .
ويقول امرؤ القيس
ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة
فقالت لك الويلات إنك مرجلي
تقول وقد مال الغبيط بنا معاً
عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل
*
ويقول البحتري في العصر الإسلامي
تعاتب عاشقان على ارتقاب = أديلا الوصل من بعد اجتناب
فلا هذا يملّ عتـــــــــــــاب هذا = ولا هذا يكلّ عن الجواب
ويقول المقنع الكندي:

يعاتبني في الدين قومي و إنما
************************************ ديوني في أشياء تكسبهم حمدا
أسد به ما قد أخلوا و ضيعوا
****************** ****************ثغور حقوق ما أطاقوا لها سدا
وإن الذي بيني وبين بني أبي
********************************** **وبين بني عمي لمختلف جدا
ونرى أشعاراً كثيرة من هذا الصنف الشعري التقليدي في قصائد الشعراء* في الحاضر والماضي , ونستطيع القول بأن هذا النوع الشعري هو شعر سردي, دخل في قصائد الشعراء قديماً وحديثاً , ويهتم الشاعر باللغة وجمالها ¸واللعب بكلماتها بالتمثيلات الصوتية والتكافؤات الزمنية وهو أيضاً شعر خطابي غايته قائمة في ذاته , ويختلف عن النثر في وزنه وإيقاعة وإنشاده . .
وأعجبني ما قاله الدكتور ( سلام أحمد خلف ) : ( كلما كان الخطاب نثرياً كلما فقد نبرته الغنائية ) .
الشعر القصصي :
ولا شك أن القصيدة التقليدية قد تضمنت أيضاً الشعر القصصي , وهو من نوع الشعر السردي أيضاً . ومن أمثلته قول الحطيئة :
وطاوي ثلاثٍ عاصب البطن مُرمل
ببيداء لم يَعرف بها ساكنٌ رسما
أخي جفوة فيه من الأنس وحشة
يرى البؤس فيها من شراسته نعمى
وأفرد في شعب عجوزاً إزارها
ثلاثة أشباح تخالهمُ بَهما
..................... ويكمل قصته على هذا المنوال من السرد الشعري ,
ويقول إليا أبو ماضي في هذه القصة الشعرية السردية :
أمر السلطان بالشاعر يوماً فأتاه
في كساء حائل الصبغة واه جانباه
وحذاء أوشكت تفلتُ منه قدماه
قال: صف جاهي , ففي وصفك لي للشعر جاه
إن لي القصر الذي لا تبلغ الطير ذراه
ولي الروض الذي يعبق بالمسك ثراه
ولي الجيش الذي ترشح بالموت ظباه
ولي الغابات والسمذ الرواسي والمياه
ولي الناس وبؤس الناس مني والرفاه
إن هذا الكون ملكي أنا في الكون إله
ويقول أدباء اللغة بأن هذا الشعر من أغنى فنون الأدب , *.
*
الشعر الرمزي الغامض:
*( في قصائد شعراء العصر الحديث )
يقول الشاعر الأردني ــ أحمد الخطيب في ديوانه ( الأعمال الشعرية ) صفحة 211 ما يلي:
نافذة تسحب عتمتها وتمر
إلى ولدٍ قام إلى زمجرة الباب
تسحبه من خفر الساحل
وتظلل كوخ القصب
*
ولدٌ علّق مشنقة للنوم , وقوّم جيران المرعى
لا يندب حظ ّ القوم , إذا مر على شبك المرمى
ولدُ
من غامض
هذا
النسب
كوّر عين الليل , وساق النجم
إلى مدن غابت في البئر الشرقية , غير مُدان
ثم تراخى فوق النهر , وظل سويّ الغيب
ولم يغبْ
.........................................
شعر رمزي به غموض , ويخاطب المتلقي لا بسهولة الكلمات ويسرها , بل بصعوبة تركيب الجمل ومفهومها العام .
وفي هذه المقدمة أقول لكل شاعر , لا تيأس من الشعر , وعليك أن تقول كلمتك مهما بالغ النقاد في وصف كلماتك ,
قل أيها الشاعر ما تريد , فأنت سيد حرفك *, ولا تخش لومة لائم .
من قلم غالب الغول .
الثلاثاء/21/4/2015*