أوراق ذابلة من حضارتنا
كتبها ( دكتور ) عبد الحليم عويس
علق عليها:فيصل الملوحي
من قصص سقوطنا في أوروبة
ركن الفردوس يسقط
الحلقة السادسة
<ماعليك حين تغوص في لجّة التاريخ سوى أن> تتلقى منه تلقيَ تلميذ <تواضع للعلم والحق، لاتلقيَ تلميذ تحجّر وتكبّر. إذا قرأت التاريخ فس>يروعك أنك تقرأ نفسك ومجتمعك وأحداث عصرك في صفحاته، وتكاد تحس بأن مايدورحولك ليس إلاآخرطبعة من كتاب التاريخ، وأن الذين يظنون أنفسهم آخر<(تقليعة مودة) من> حلقات التاريخ- أي أفضلها -أو يظنون أنفسهم <في منأى عن حركة> التاريخ..أولئك وهؤلاء قوم مخدوعون، <ركبهم >غباء شديد <وأطلّت من محياهم> سذاجة مفرطة.
إن قصة خروجنا من الأندلس لم تكن قصة عدوقوي انتصرعلينا، <إنما هي> قصة هزيمتنا أمام أنفسنا.. قصة ضياعنا وأكل بعضنا بعضا كما تأكل الحيوانات المنقرضة بعضها بعضا.
كان سقوط " قرطبة " أكبر معاقلنا في الأندلس سنة 633هـ خاتمة سقوطنا في الأندلس .
وقد اضطرابن الأحمرمؤسس مملكة غرناطة إلى أن يهادن ملك قشتالة الصليبي، وأن يعقد معه صلحا <دام >عشرين سنة، وأن يسلم له - <بمقتضى> شروط الصلح - مدينة جيان وما يلحق بها من حصون ومعاقل، وأن ينزل عن أرجونة وبيع الحجاروقلعة جابروأرض الفرنتيرة.. <وأقرّب>طاعة ملك قشتالة وتعهد بأن يؤديَ إليه جزية سنوية قدرها مئة وخمسون ألف مرافيدي-العملة الإسبانية - وأن يعاونه في حروبه ضد أعدائه- العرب! - وعندها استغل ملك قشتالة هذا الصلح ليتفرغ لضرب العرب الآخرين، هاجم مدينة إشبيلية قاعدة غربي الأندلس كله.. وكانت هناك كتيبة أرسلها ابن الأحمر تهاجمها معه -!! - فسرعان ما سقطت إشبيلية حاضرة الثقافة العربية الرفيعة – بيد فرناندو الثالث ملك قشتالة سنة 646هـ وبمعونة ابن الأحمر - مؤسس مملكة غرناطة العظيم.. <وكان هذا آخر عهدنا> بإشبيلية !!
<ومما يزيدالطين بلة أنه ما>كادأمد الصلح ينقضي بعدالعشرين سنة، حتى سعى ابن الأحمر لتجديد الصلح.. و تنازل في سبيل ذلك لقشتالة عن عدد كبير من بلاد الأندلس قيل: إنها بلغت أكثر من مائة بلد وحصن!
وأنا لاألوم ابن الأحمر وحده.. إنما ألوم ملوك الطوائف جميعا.. لقد كان كل شيء ممكنا لهم - وفي عرفهم - عدا شيء واحد: التراميَ في أحضان العدو والتنازل له عن الأرض ممكنَيْن..
تمكّن <الخلاف منهم حتى أدّى إلى الاستنجاد بالعدو..>أجل.. كان كل هذا ممكنا إلا شيئا واحدا.. إلا التخليَ عن العبودية للسلطة واستعباد الناس.. والتفرّق..
وبالطبع.. لنا أن نتوقع ظهور كثيرمن <حركات الانفصال والجدل في مثل هذا المناخ الفاسد..ولولا بروز مثل هذه النزعات التي ساعد الأفرنج على ترويجها بلا شك، لأمكن الحل القائم على الوحدة >.
وفي الشرق الأندلسي كان شيء من هذا يحدث على نحو أعتى وأقسى، ففي <" بلنسية "..كان آخر أمراء الموحدين هناك " أبو زيد بن أبي عبد الله " يشهد مع ملك أرجوان كل غزواته..ولما ضعف تحت ضربات منافسه " أبي جميل زيان ".. لجأ بعد انهيار ملكه إلى أرجوان، وصار واحداً من الأفرنج!!>
وبينما كانت مدن بلنسية الكبرى وقراها وحصونها تتداعى ما بين سنوات633-636هـ ، كان "أبو زيد" يبذل جهوده مع الأفرنج في حروبهم..ويعاونهم في التعرف على نقاط الضعف لدى أبناء جلدته. وكان ابن الأحمر يساعد ملك قشتالة بكتائبه في الوقت نفسه.
تسألني لماذا طُردنا من الأندلس؟ فأقول لك: <تلك سنة التاريخ، كما نبّه إليها ابن خلدون: أمّة بدوية قويّة تنتصر، ثمّ تميل إلى الراحة والدعة، فتطمع بها أمة أقوى وتقضي عليها ( مع تعديل نظرية ابن خلدون، وفهم معنى البداوة أنها القوة لا التخلّف ).. وتلك عبرته، وهذا درب السقوط:" حين يخشى كل عضو في> الجسد على نفسه دون سائر الأعضاء " .
<من مصادر البحث ومراجعه>
- أحمد تمام. إشبيلية من الفتح إلى السقوط.
- ابن عذارى المراكشي: البيان المُغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب – دار الثقافة بيروت – الطبعة الثالثة (1983م).
- ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون – دار الكتاب اللبناني – بيروت (1981م).
- محمد عنان: دول الأندلس(عصر المرابطين والموحدين)– مكتبة الخانجي– القاهرة (1990م).
- عبد الرحمن علي: تاريخ الأندلس من الفتح إلى سقوط غرناطة – دار الاعتصام – القاهرة (1983م).