أزمات المثقف العربي " الذاتية " – 4/6
========================
أزمات المثقف العربي لايمكن أن تنفصل عن ذاته وعن علاقاته المتشابكة والمتداخلة مع الحياة بشكل عام وبكل ما حوله . أي أنه مرآة تستقبل الواقع والمعرفة ، ثم ترسله مترجمآ قولآ وفعلآ وعملآ .
وهنا اتوجه بداية لتحديد ( علاقة المثقف مع نفسه ) بما تُظهر من إشكاليات . فعلاقة الإنسان بالعموم مع نفسه واضحة ومحددة في الظاهر ، لكن هذا يخفي الكثير وراءه وبداخله .
فالحوار الذي يقيمه المثقف مع ذاته ، قد يكون أكثر بكثير من حواره مع الآخر . أي أن هناك قدرآ كبيرآ من الأفكار والآراء التي تظهر وهي نتيجة لهذا الحوار الداخلي قد تصل إلى خلاف وإختلاف ضمني مع الذات ، وبموضوعية نستطيع أن نعدها علاقة إيجابية مساهمة في عملية توليد وإستيلاد الأفكار وتطورها . بينما تبقى الإشكالية بنتاجها السلبي هي في نظرة المثقف لنفسه ، وإنعكاس هذه النظرة على ما حوله .
من ذلك نجد بالصورة العامة ، أن المثقف / المثقفين في كثير منهم يتنازعهم توجهان متناقضان تمامآ :
الأول - : هو الإحساس الذاتي " بالدونية " .
الثاني- : هو الإحساس الذاتي " بالفوقية " .
فإحساس المثقف " بالدونية " يؤدي به إلى ( جلد الذات ) ، ويشعره دائمآ باللافائدة ، وبأنه حتى عالة على مجتمعه . وبالواقع فإن هذا الإحساس يتولد ويتكرس كناتج عن : الذات .. وعن عوامل سياسية وإقتصادية وإجتماعية تؤثر فيه وتهمش دوره وعطاؤه ، فينسحب ويلجأ إلى أحلامه ورؤاه الذاتية الخاصة ، رافضآ – لمجرد الرفض – كل ماحوله .
وإحساس المثقف " بالفوقية " والإستعلاء ، يجعله هذا الإحساس يبتعد عن واقعه وعالمه الحقيقي ، ويوصله إلى أفكار ومفاهيم معقدة ، وأحيانآ غير مفهومة من أجل " تمييز ذاته " ، فتزيد الفجوة كثيرآ بين المثقف وبين القطاع الكبير والعريض من الجماهير .
إن الضرورة الموضوعية يجب أن تدفع المثقف لمعرفة ذاته بوضوح تام وصدق ، بما هو قناعة وتطلع إلى منظومة من القيم التي تحدد علاقته الذاتية بالوجود ، وعلاقته بالآخر . وهذا هو المنطلق للمثقف ولدوره في تغيير معطيات الواقع إلى الأفضل .
وعندما نتكلم عن ( أزمة المثقف ) ونستقرء هذا المصطلح النتائجي ، لابد أن ننبه ونوضح بأن هناك علاقة جدلية بين : " الأزمة " ، وبين " المثقف " . فعبر التاريخ ومساراته وحتى اليوم ، كان " للأزمة " الدور الرئيسي في إستيلاد " المثقف " . وكما نوهنا سابقآ في : ( ملامح المثقفين 2/6 ) فإن : سقراط ، وأفلاطون ، وارسطو ، كانوا " ناتج أزمة " هي الصراعات بين المدن الإغريقية . وكذلك فإن : الغزالي ، وإبن رشد ، وإبن تيمية ، وإبن القيم وغيرهم ، كانوا نتاج وإفراز " محنهم " و " أزماتهم " ، وتعبير عن الأزمات التاريخية : الإجتماعية والسياسية والفكرية التي كانت تمر بها الحضارة العربية الإسلامية . – راجع تركي الحمد للتفصيل / الثقافة العربية في عصر العولمة / - . وكذلك فإن : كوبرنيكس ، وديكارت ، وسبينوزا ، وكانت ، وهيجل ، وماركس ، ولوك وغيرهم ، كانوا الإفراز والتعبير عن الأزمات التي عاشتها أوروبا في فترة الإنتقال من القديم إلى الحديث ، ومن التقليد والتحجر والتخلف .. إلى الحداثة والتجديد والعلم .
وحديثآ فقد طرح المفكر العربي / محمد عابد الجابري / تصورآ وتعبيرآ لتوصيف وتبيان أزمة المثقف العربي :
[ ان مفاهيم الخطاب العربي الحديث والمعاصر ، لاتعكس الواقع العربي الراهن ولا تعبر عنه . بل هي " مستعارة " في الأغلب الأعم . إما من الفكر الأوروبي حيث تدل هناك في اوروبا على واقع تحقق أو في طريق التحقق .. وإما من الفكر العربي الإسلامي " الوسيطي " حيث كان لها مضمون واقعي خاص أو يُعتقد أنها كانت كذلك بالفعل . وفي كلتا الحالتين فهي " توظف " من أجل التعبير عن واقع مأمول غير محدد . واقع ( معتم مستنسخ ) إما من هذه الصورة أو تلك . ومن هنا كان " إنقطاع العلاقة " بين الفكر ، وبين مضمونه . الأمر الذي يجعل الخطاب المعبر عنه ، خطاب " تضمين " وليس خطاب " مضمون " .. ] .
من ذلك نستطيع القول أن المثقف العربي المنتمي لهكذا خطاب ، ليس معبرآ عن " الأزمة " وشاهدآ عليها على المستوى التجريدي فقط .. بل انه هو ذاته ( متأزم ) وخطابه وتوجهه متأزمان .
وهذه " الغربة الذهنية – المفاهيمية " تنعكس إجتماعيآ وسياسيآ على مواقف وإتجاهات المثقف العربي من حيث وعيه وقراءته للأحداث ، وبالتالي على الحكم عليها .
واخيرآ وبكل اسف .. هناك نمط من المثقفين والنخب حين تعجز عن العطاء والإبداع ، فإنها تلجأ إلى ممارسة الشذوذ الفكري والسياسي كي تتميز وتظهر ، طارحة نفسها كإشكالية مصطنعة مزورة وضارة .
================
فائز البرازي
12/6/2009