وصايا مهمة إلى ولدي محمد
دروس في التربية الإسلامية والأخلاقية والوطنية
الباحث الدكتور عبدالوهاب محمد الجبوري
تنويه / هذه نصائح في التربية الإسلامية والوطنية تم استخلاصها من خلال تجربتي التربوية الشخصية طوال عشرات السنين ، وهي موجهة لابني محمد- أبو مريم - وأخيه علي ولأخواتهما الخمس ( الدكتورة شيماء – أم يوسف اليتيم- والدكتورة خنساء وطالبة الجامعة أسماء وطالبتي الإعدادية زهراء وإسراء ) ، ومن خلالهم ، هي موجهة لكل شبابنا وشاباتنا أينما كانوا في ارض الله الواسعة ، عسى الله أن يعينهم وإيانا على التمسك بها والعمل بموجبها وهي معروفة وليـــست غامضة أو مبهمة لكنني وددت التذكير بها فقط ، خاصة في هذه المرحلة الحساسة والخطيرة من حياة امتنا وسعي الثقافات الدخيلة والمسمومة ، عبر مختلف وسـائل الإعلام والفضائيات والانترنيت ، لحرف الشباب عن دينهم وقيمهم ومبادئهم وانتمائهم الوطني وأصولهم العربية والإسلامية ..
قال تعالى ( فذكّر إن نفعت الذكرى ) وقال إمام المرسلين صلى الله عليه وسلم ( اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري ، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي ، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي واجعل الحياة زيادة لي في كل خير واجعل الموت راحة لي من كل شر )..
ولدي العزيز أبو مريم .. أريد أن أوصيك خير ما في دنياك ليكون لك خير زاد لآخرتك .. أنا ألان كما تعرف بدأت اقترب من خريف العمر بعد خدمة مشرفة انتم والأصدقاء والكثير من العراقيين أدرى بها ، خاصة ما يتعلق منها بخدماتي ومتابعاتي للملفات الإنسانية والصحية التي تخص أبناء شعبنا العراقي الكريم ، وهي جهود موثقة رسميا وإعلاميا ومعروفة لدى العراقيين ومخزونة في ذاكرتهم من خلال ما تم تقديمه لهم من خدمات صحية بعد إصاباتهم بالأمراض السرطانية المختلفة نتيجة استخدام الولايات المتحدة لأسلحة اليورانيوم المنضب في حرب 1991 وما تلاها من إفرازات مرضية خطيرة شملت عشرات الآلاف من المصابين ، خاصة في جنوب العراق ووسطه ، ومنها أيضا ما يتعلق بملف الأسرى والمفقودين ورفات الشهداء بين العراق وإيران أو ما يتعلق بتامين الخدمات الصحية والسكن والحاجات الأساسية لأبناء شعبنا الكردي في شمال العراق للفترة بين 1991 – 1993 ومنها ما يرتبط بالجهود التي بذلتها بالتعاون مع الجانب الكويتي ومنظمة اليونيكوم( وهي بعثة الأمم المتحدة للمراقبة بين العراق والكويت والتي تشكلت بعد وقف إطلاق النار في حرب العام 1991 لمراقبة الحدود بين العراق والكويت برا وبحرا وجوا ) والخاصة بالحفاظ على امن واستقرار المنطقة المنزوعة السلاح بين العراق والكويت ولغاية العام 2003 ... إلى أخرها من الأعمال الإنسانية التي ما زال العراقيون يذكروها باعتزاز ووفاء من خلال رسائلهم واتصالاتهم بي وهي كلها مسجلة وموثقة رسميا وإعلاميا ، هذا عدا عن مشاركاتي في عمليات الدفاع عن الوطن والأمة خاصة في حرب تشرين عام 1973 والدعم الذي كان يقدمه العراق للثورة الفلسطينية طوال عشرات السنين بكل الوسائل والإمكانيات المتاحة ضد العدو الإسرائيلي وكذلك في عمليات الدفاع عن العراق في العدوان الثلاثيني عام 1991 وآخرها مشاركاتي في معارك الدفاع عن بلادنا العزيزة في حرب الاحتلال عام 2003 ومنها معارك أم قصر والبصرة والناصرية ومعركة صدام الأولى ... وان كانت إرادة الله أن تشاء ليحصل ما حصل من دمار واحتلال للبلاد وما حصل أثناء الحرب وبعدها من حرق وتخريب ونهب وسلب وقتل وتهجير للعراقيين بالملايين داخل العراق وخارجه وبالتالي حصول تدهور تام في الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وانتشار فورة الانتقام السادي والفساد ومحاولات تقسيم البلاد وتطبيق نظلم المحاصصة الطائفية في العراق من قبل الاحتلال بدءا بمجلس الحكم المؤقت وما تبعه من محاصصات في الحكم والسياسة وما أفرزته هذه السياسات من تمييز على المذهب والهوية والدين والقومية وحرمان طوائف مهمة من أبناء الشعب من استحقاقاتها الوطنية والمالية وقطع الرواتب عنهم تحت مختلف الذرائع والحجج .. . إلى غيرها مما يحصل في البلاد اليوم من معاناة وماسي يندى لها جبين الإنسانية والأعراب ساكتون ملعون بالصمت واللامبالاة والعالم واقف يتفرج إلا من شعارات واستهلاك للأقوال والمؤتمرات العقيمة دون الأفعال التي تؤدي إلى إضاءة النور في نهاية النفق الخانق وهو ما نتمناه من كل قلوبنا كي تنتهي محنة العراقيين الذين ما زالوا يختنقون بدخان الحرب والدمار ورمادهما من دون أي أمل منظور بالخلاص .. فلا حول ولا قوة إلا بالله العظيم ..
ولدي العزيز رغم الجهود والواجبات الكبيرة التي أديتها في ظروف استثنائية وقاهرة لخدمة شعبنا من شمال البلاد وحتى جنوبها ولأكثر من 38 عاما ، بدأتها وأنا شاب يافع اصغر من أخيك علي ، فأنني لازلت كما تعلم أواصل الدرب على نفس المنهج وبنفس الروحية رغم إحالتنا على التقاعد بقرار بريمر الجائر ، ولان بلدنا في هذه المرحلة – مرحلة الاحتلال وإفرازاته - بحاجة الآن أكثر من أي وقت مضى لكل من هو قادر على خدمته خدمة مشرفة في كل مجالات الحياة ..
وقد قدمت لك هذا الاستعراض السريع عن سيرتي وما آلت إليه الأوضاع في العراق اليوم لأقدم لك النموذج الصادق - بعون الله – لتستفد منه في حياتك العملية وسلوكك وتصرفك مع نفسك ومع أبناء وطنك وأمتك لأني ادري أن ما ينتظر شباب وطننا وامتنا الكثير على طريق التصدي لكل التحديات التي تواجهكم ألان وفي المستقبل وهي تحديات خطيرة جدا إن لم ترتقوا – معنا - لمواجهتها بالحكمة والصبر والشجاعة والموقف الشهم والغيور والنابع من إيماننا بقيمنا وتاريخنا وشرفنا ونخوتنا واعتماد الإيمان والحكمة والقوة والتالف والتوافق والانسجام والتبصر فسوف يغرق الوطن والأمة أكثر في محنهما ومعضلاتهما وأكثر ما أخشاه أن نصل إلى طريق مسدود لا سمح الله ، فلندعو الله أن يعيننا جميعا على الارتقاء إلى مستوى المسؤولية الجادة والصادقة واتخاذ السبيل القويم والطريق الراشدة والموقف الصائب للتعامل مع هذه المحن والمصائب ..
من هنا فاني آمل أن تكون تجربتي التي لازالت مستمرة - بفضل الله وعونه – فيها من العبر والدروس ما تساعدك وإخوتك وشبابنا في كل مكان على إتباع المنهج الصحيح في الحياة والعمل ميممين وجوهكم شطر القيم والمبادئ المستمدة من فكرنا العربي وقيمنا الإسلامية وتربيتنا الوطنية الحقيقية ..
بداية أوصيك يا ولدي بتقوى الله وطاعته ومخافته فان التقوى دثار المؤمنين ورداء الصالحين ووصية الله في وفي امة المسلمين أجمعين ..
من هنا يكون واجبا عليك أن تعبد الله الواحد الأحد وتتمسك بدينك وقيمك وأخلاقك مهما كانت الظروف قاسية وشديدة وان تتمسك بوصية رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ( من نذر نفسه أن يطيع الله فليطعه .. ومن نذر نفسه أن يعصي الله ، فلا يعصه ) انك إن فعلت هذا – وأنا واثق انك تفعله – فسوف تسعد في الدارين الأولى والآخرة وتكون قد قدمت لدينك ووطنك وأمتك اجل الخدمات وأكثرها إشـــراقا وسعادة وقناعة في الروح والقلب والفكر والعمل ...
الوطن أمانة مقدسة في أعناقكم والمحافظة على ترابه الطاهر ووحدة أراضيه وسيادته واستقلاله وتخليصه من ربقة الاحتلال والطائفية والفساد والممارسات الشاذة التي تخلق الكره والحقد والانتقام والتمييز بين أبنائه من مختلف الأطياف والمذاهب والقوميات والأديان والمحافظة على ثرواته واجب وطني ومسؤولية الجميع أيا كان دينهم ومذهبهم وطائفتهم ..
فالشعب العراقي يضم أجمل الفسيفساء الزاهية ، من كل الملل والنحل ، والتي لم ولن تختلف أو تتناحر مع بعضها منذ أن خلق الله ارض العراق وخلق هذه المكونات لتعمره وتعيش في أحضانه بدعة وسلام ، وكم شهدنا عبر التاريخ محاولات للإيقاع بهم وزرع بذور الفتنة بينهم لكنها فشلت وستفشل خلال هذه المرحلة أيضا بعون الله ، لان ما يحصل ألان هو صراع سياسي على مصالح ضيقة وليس صراعا بين أبناء الشعب الواحد ذلك لان جميع العراقيين ، وكما التقيت بنماذج منهم في معظم أنحاء العراق ومن كل الطوائف ، أكدوا أنهم متفقون على رفض الطائفية والتمييز والتفرقة وان الأمر محصور بكتل سياسية حاكمة تنطلق من اعتبارات مصلحية وحزبية ضيقة تحاول استغلال انتماءاتها المختلفة لتوحي بان هناك صراعا طائفيا في العراق وهو ما عمل المحتل على خلقه وزرعه في العراق من خلال إسـتراتيجيته ( الطرق على الجدران من أسفلها ) ..
وكما أوصيك ولدي العزيز بوطنك – الذي يمر في هذه الفترة الحساسة والخطيرة من تاريخه – بأصعب الظروف التي لم يشهد لها بلد في التاريخ أبدا فاني أؤكد عليك أن لا تنثني أو تتراجع أو تضعف أمام الريح الصفراء أيا كان مصدرها شرقا أم غربا وان تبقى محافظا على قيمك ومبادئك العظيمة التي تربيت عليها منذ صغرك وان تترفع عن كل المحرمات والممارسات الخاطئة التي تحاول شدك إلى الوراء أو حرفك عن جادة الصواب أو ثنيك عن عزمك لمواصلة طريق الجهاد والعمل المشرف والصادق وعليك أن تبتعد عن أصدقاء السوء فهم نبتة فاسدة تنتقل عدواها وتتفشى بسرعة في مثل ظروف مجتمعنا الراهن ، كما أوصيك ولدي أن تتحسب لوسائل الإعلام ، المعادية خاصة ، وان تنتبه لما تبثه الفضائيات من برامج وأفكار وأفلام ووثائق مسمومة وهدّامة ومضلّلة ، بعضها يعمل لصالح أجهزة مخابرات معادية لتجنيد الشباب والإيقاع بهم ودفعهم للعمل ضد بلدانهم وأمتهم في محاولة منهم لزيادة وتجذ ير هوة التفرقة والاختلافات في مجتمعنا العربي وامتنا الواحدة ، بالإضافة إلى محاولات هذه الفضائيات والأجهزة لحرف الشباب والرجال والنساء وكل أطياف المجتمع عن قيمهم وأخلاقهم ومبادئهم وعروبتهم ووحدتهم وتماسك شعوبهم ومحاولة زرع الفتنة والانشقاق بين أبناء الشعب الواحد ناهيك عن سعي البعض منها لمحاربة قيمنا ومبادئنا العربية والإسلامية وزرع الأفكار الغربية والصهيونية والمعادية بدلا عنها تحت مختلف الأشكال والصور والذرائع ، فحذار من هذه الحرب الإعلامية والفكرية والثقافية التي تشنها وسائل الإعلام المأجورة أو المشبوهة أو المعادية ... حذار يا ولدي .. حذار شباب الأمة ومثقفيها ورجالها ونسائها وشيوخها وطلائعها ....!!!!
كما أوصيك بالتصرف المتزن والمتوازن في مختلف المواقف وخاصة الحرجة أو الصعبة منها وتتصرف كرجل ناضج وعاقل وهادئ واستفد من المتراكم لديك مما اكتسبته أو تعلمته من صفات الرجال والمفكرين والعقلاء والمسئولين مسؤولية ذاتية ، وعليك بالتأني وعدم التسرع في قراراتك وتصرفاتك وان تلجا إلى الحكمة والتبصر والعقل والفطنة والهدوء وإياك والعصبية ورد الفعل السريع وحذار من الحمقى وطلاب الفساد والمناورين وعليك التمسك بدينك وفرائضك كي تعينك على الصبر وتحمل الشدائد ومواجهة البلاء ، فقد قال حبيبنا المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام ( ألا أخبركم بشيء إذا نزل بأحدكم كرب أو بلاء من أمر الدنيا دعا به الله فيفرج عنه ، دعاء ذي النون لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) ..
أوصيك أيضا أن تحذر الشيطان ومكائده ووساوسه ومغرياته وما يدبّر في الخفاء لبني البشر
واتّعظ في هذا المجال بحديث قائدنا ومعلمنا النبي المختار محمد صلى الله عليه وسلم ( إذا شجاك شيطان أو سلطان فقل : يا من يكفي من كلّ احدٍ يا احدَ من لا احدَ له ، يا سندَ من لا سند له ، انقطع الرجاء إلا منك ، فكني مما أنا فيه ، واعنّي على ما أنا عليه مما قد نزل بي ، بجاه وجهك الكريم وبحق محمد عليك أمين )( رواه الديلمي عن عمر وعلي معا ) ..
وأما ما يتعلق بأهلك ووالديك فاني أوصيك أن لا تضجر إذا حلّ يوم تراني فيه عجوزا فعليك أن تتحلى بالصــبر وتبتعد عن الجزع والتذمر وان تحاول فهمي ، ومع تمسّكي وإيماني بقوله صلى الله عليه وسلم ( اللهم إني أعوذ بك من البخل والكسل وأرذل العمر وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات ) لكني أذكرك إذا اتّسخت ثيابي يوما وأنا أتناول الطعام ، فلا تضجر أو تتأفف ، وإذا لم استطع أن ارتدي ملابسي بمفردي ، تذكر الأيام التي قضيتها معك لأعلمك انتقاء ملابسك وارتدائها حسب أنواعها وألوانها وملاءمتها لك من كل النواحي والفصول والمناسبات ...
وإذا تحدثت إليك واضطررت بحكم الكبر أو المرض أن اكرر نفس الكلمات ونفس الحديث عدة مرات أو كما يسميها البعض بالهذيان، لا تضجر مني ، ولا تقاطعني ، وأنصت إلي فعندما كنتَ صغيرا قرأت لك الكثير من القصص والروايات والسير وخاصة سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام وسير الصحابة وأبطال العرب والمسلمين وعلمائهم وغير ذلك من القراءات التي علّمتك الكثير من أصول التربية والأخلاق والوطنية والمعرفة والعلوم المختلفة حتى بعد دخولك المدرسة وتواصلك في الدراسة إلى أن أصبحت الآن أستاذا في علوم الحياة وأخاك عليٌا أستاذا للغة الانكليزية وشيماء دكتورة بيطرية وخنساء دكتورة نسائية وما زال الدور على البقية من أخواتك اللواتي ما زلن بفضل الله يواصلن مسيرتهن العلمية بتفوق وفق ما خططت له ورسمته لكم من منهج علمي وحياتي وتربوي وديني فبارك الله فيكم ..
تذكر هذا يا ولدي ، وتذكر أني كنت في كثير من الأيام اقرأ لك حتى تنام وأدثّرك بغطاء الحب والحنان ، ومثلما فعلت معك فعلت مع إخوانك وأخواتك حتى كبرتم وترعرعتم على القيم والأخلاق والمحبة ، لذلك يا ولدي لا تضجر مني إذا أصبحت في يوم( أثرثر) أو( أهذي ) ولكن هذه الثرثرة والهذيان إذا ما تحققا ففيهما سر المعرفة والروح والتخاطب والحياة ولا تتصور أن ( هذياني ) سيكون عبثيا أو كلاما فارغا غير ذي معنى .. حسبك يا ولدي .. حسبك ..
أما عندما يحين وقت الاستحمام ولا ارغب بهذا فلا تُعيّرني أو تسمعني كلاما جارحا أو ذي معنى ربما يكون لزوجتك أو احد من إخوانك دور فيه ،حاشا لله أن اتهم أحدا وانّ بعض الظن إثم لكني أقولها من باب التحسب والإرشاد وان كان الشيطان يحضر في حالات معينة ومنها الغضب وضعف الإيمان فهو يوسوس ولا ضير من التنبيه ولفت النظر إلى هذا الموضوع وأنا لا اقصد زوجتك لذاتها أو إخوانك لذاتهم بقدر ما هو تنبيه وتحذير لكم من الاستجابة لوسوسات الشيطان الخبيثة ، فربما ستكون عدم رغبتي في الاستحمام نابعة من اعتبارات العمر والكبر وأمور أخرى لا ادري كنهها الآن ، وقد تُحتم عليّ الاستحمام في فترات متباعدة تختلف عما هو الحال الآن ، وهنا أذكّرك بأنك أنت نفسك كنت تختلق الأعذار عندما تدعوك والدتك للاستحمام وكنت أعذرك فلا ألحّ عليك ..
والشيء الآخر عندما ستراني لا استطيع مواكبة وسائل التطور العلمي والتكنولوجيا الحديثة التي ستكون عليها في زمانكم القادم ، فقط أعطني الوقت الكافي ولا تنظر إلي بابتسامة ذات مغزى أو ساخرة ، تذكر إنني أنا الذي علمتك كيف تدخل عالم التكنولوجيا والعلوم والاتصالات خاصة وأنك تذكر جيدا أنني في فترة معينة كنت ضابط مخابرة في الجيش العراقي حيث تعلمنا بوقت مبكر الكثير من هذه العلوم والتكنولوجيا وقد كنت أعلمّك إياها أولا بأول ولحين ما بلغت ألان من مستوى والحمد لله ..
تذكّر أيضا أنني علمتك الكثير من شؤون الحياة وعاداتها وتقاليدها الحسنة ، وطبعا كان هذا من صميم واجبنا أنا وأمك ، علمتك كيف تأكل ، كيف ترتدي ملابسك ، كيف تستحم ، كيف تواجه الحياة ، كيف تصلي ، كيف تقوم الليل تهجدا أو قياما ، وعلمتك كيف تُعوّد نفسك على حب قراءة القران وتلاوته أناء الليل وأطراف النهار حتى اعتدت على قراءته باستمرار كما هو حال إخوتك والحمد لله رب العالمين ، علمتك كيف تتعامل مع الناس بمختلف مستوياتهم وطبائعهم وأخلاقهم وانتماءاتهم ، من الأصدقاء والغرباء والطيبين والأشرار وعلمتك كيف تعين الضعيف والفقير والمحتاج وكبير السن والمقعد والسائل والمحروم واليتيم والإنسان الغريب الذي يحل ضيفا في حارتنا أو محلتنا وكيف تتعامل مع أساتذتك في المدرسة والكلية والجامعة وتساعد من يحتاج المساعدة ، فعندما تضعف ذاكرتي أو افقدها أو أتخبّط في كلامي – وهذا ما لا أتمناه من الله سبحانه وتعالى - أعطني الوقت الكافي لأتذكّر ، ولا تفقد أعصابك حتى لو كان حديثي مبهما أو غامضا أو ليس مهما ، عليك أن تنصت إلي وإذا لم ارغب بالطعام لا ترغمني عليه ، فعندما أجوع ســــوف أتناوله متى ما أحسست بالرغبة في ذلك ..
وعندما لا استطيع السير بسبب مرض ما ، وكلنا عرضة للأمراض ولكننا ندعو الله اللطف ولا ندعوه رد القضاء ، أعطني يدك بنفس الحب والطريقة التي فعلتها معك عندما بدأت تخطو خطواتك الأولى وأنت لم تبلغ بعد العام الأول من عمرك المديد إن شاء الله ..
إن دروس الحياة كثيرة وأذكرك بحالة أخرى كي تتعض منها وتأخذها نموذجا لمساعدة الآخرين ،فعندما كنت أقوم بواجبي في جنوب العراق للفترة بين 1991 وحتى العام 2003 في متابعة التأثيرات الصحية والبيئية الخطيرة التي نتجت عن استخدام الولايات المتحدة لليورانيم المنضب ضد الأهداف المدنية والعسكرية العراقية لأكثر من مليون أطلاقة يورانيوم من عيار 30 ملم وأكثر من 15 ألف مقذوفة خارقة للدروع ، وسعيت مع المنظمات الدولية الصحية والإنسانية للحصول على علاجات للأمراض السرطانية لأكثر من 50 ألف حالة خطيرة وكنت أتجول مع ممثلي هذه المنظمات لمعالجة الحالات الخطيرة النادرة في مدينة البصرة لأطفال ولدوا مشوهين ومعوقين، حتى أني اذكر في إحدى المرات أخذت طفلا ولد مشوها بشكل مخيف أو كما يسميه الأطباء ( المسخ ) حيث خافت والدته وتهربت منه لكني أخذته بين يدي لعرضه على الأطباء وتوثيق حالته إعلاميا أمام العالم كي يطلع على هذه الحالة النادرة كإحدى الحالات التي سببها اليورانيوم المنضب ، وهي واحدة من آلاف الولادات المشوهة والخطيرة والمؤلمة ، لدراستها ومحاولة إيجاد العلاج لتلافي حصول حالات مشابهة مستقبلا واذكر أن مثل هذه الحالات عرضت في برنامج سري للغاية الذي شاركت الأستاذ يسري فودة في إعداده عن جرائم الحرب الأمريكية في العراق ..
حاول يا بني أن لا تحرجني بتعليقاتك أو ملاحظاتك أمام زوجتك وأولادك بل اتركها بيني وبينك بالهدوء والروية ، يا بني إني أخاف عليك من يوم ستقف فيه ذلك الموقف الضعيف أمام اهلك وأحبابك ، فالدنيا دين ووفاء وكما تدين تدان ، يا بني لا تنسى أنا وأمك كنا نمسح الأذى بيميننا ، وكنا نسهر عليك إذا مرضت ، وأذكّرك يوم كنا نسكن في بغداد –حي الأمين - كيف مرضت وأخذتك أدور بك طوال الليل بحثا عن طبيب أطفال أو مستشفى فيه أخصائي أطفال وظللت أحملك وأنت تبكي بين يدي طيلة ساعات الليل الموحشة وكنتَ تتلوّى من الألم وأنا اتالم على ألمك إلى أن أشرق الصباح وأنت وأنا على هذه الحالة الصعبة ، ، وكنا أنا ووالدتك لا ننام إذا اشتكيت من الم أو مرض حتى تنام ولا نستريح حتى تستريح ..
ومثل هذه الحالات تكررت كثيرا في حياتنا لأنك كما تدري كنا نتنقل باستمرار في أكثر من مدينة أو حي بسبب خدمتي العسكرية وظروفها الصعبة التي مرت علينا خلال تلك الفترة .. كما أذكّرك بحالة أخرى كي تكون لك عبرة ودرسا كيف أنني أخذت جدك الحاج محمد الملا حسين الشيخ علي وكان مريضا في أرجله ولا يستطيع المشي حيث حملته على كتفي وأنا بملابسي العسكرية وكنتُ وقتها برتبة لواء في الجيش العراقي البطل فلم أتكبّر أو اشعر الخجل في مثل هذه الحالة لأب علّمني وربّاني وأوصاني الله به خيرا ، وحملته إلى الطابق الخامس في المستشفى العام في الموصل وكان المصعد في وقتها عاطلا وظروف البلد كانت صعبة جدا حتى أن سيارات الإسعاف كانت نادرة أو مشغولة بالحوادث التي مرت على البلاد في تلك الفترة .. تذكر هذا الدرس وتعلم منه وخذ منه ما يفيدك في حياتك العملية حتى مع من يحتاجك من غير اهلك ..
وعندما يحين اليوم الذي أقول لك فيه أنني مشتاق للقاء الله فلا تحزن ولا تبكي حاول أن تتفهم أن عمري يكون قد قارب على الانتهاء ، وفي يوم من الأيام سوف تكتشف انه بالرغم من أخطائي ، التي قد أكون ارتكبتها عن دون قصد ، فأنني كنت اجتهد في منحك أو تعليمك وإخوتك أفضل الأعمال وأكثرها قبولا عند الله وتأثيرا حسنا بين الناس ، وقد حاولت أن أمهّد لك جميع الطرق لتسك المسلك الحسن في حياتك والذي سيشكل زادك في رحلة الحياة الفانية ، فساعدني على السير إذا مرضت أو عجزت وساعدني على تجاوز طريقي بالحب والصبر مثلما فعلت معك دائما ... ساعدني يا ولدي على الوصول إلى النهاية بسلام ومحبة وقناعة وإيمان وتقوى ، ( وتزودوا فان خير الزاد التقوى ) ..
أتمنى أن لا تشعر بالحزن ولا حتى بالعجز حين تدنو ساعتي فيجب أن تكون بجانبي وبقربي وتحاول أن تحتويني مثلما فعلت معك عندما بدأت الحياة ، وتذكر قوله تعالى ( كل نفس ذائقة الموت ) وتذكر قول الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام ( أتاني جبريل فقال : إن الله عز وجل أمرك أن تدعو بهؤلاء الكلمات فانه يعطيك إحداهن .. اللهم إني أسالك تعجيل عافيتك وصبرا على بليتك وخروجا من الدنيا إلى رحمتك ) (رواه الإمام احمد والحاكم في المستدرك عن عائشة ) ..
وفي الختام أعلمك بعض الأحاديث النبوية الشريفة التي تمثل أفضل الدعاء فاتخذها وِردا لك وعلّمها لمن تحب .. قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم ( اجعل في دعائك : اللهم ارزقني لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك )(رواه الحكيم عن زيد بن ثابت ) ..
وقال صلى الله عليه وســـــــــلم ( أفضل الدعاء أن تقول : اللهم ارحم امة محمد رحمة عامة ) ( رواه الحاكم في تاريخه عن أبي هريرة ) ..
وقال الذي لا ينطق عن الهوى عليه أفضل الصلاة والتسليم (ألحّ رجل بيا ارحم الراحمين ، فنودي أن قد سمعتك فما حاجتك ) (رواه أبو الشيخ في الثواب عن أبي هريرة ) ..
وقال عليه الصلاة والسلام ( إليك ربي حببني وفي نفسي لك ذللنني وفي أعين الناس عظمني ومن سيء الأخلاق جنبني ) ( رواه ابن لال عن عبدالله ابن مسعود ) ..
وقال الشافع المشفع صلى الله عليه وسلم ( ما سال رجل مسلم الله الجنة ثلاثا إلا قالت الجنة : اللهم ادخله الجنة ولا استجار رجل مسلم الله من النار ثلاثا إلا قالت النار : اللهم أجره مني ) ( رواه الإمام احمد وابن ماجة والحاكم في المستدرك هن انس ) ..
وأخيرا تذكر قوله تعالى : (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر احدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفّ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ) ..
احبك يا ولدي كثيرا وان ما تحدثّت عن اهتمامك بي يتعلق بوالدتك أيضا وبأقربائك وكل الناس الذين تقدر على مساعدتهم حسب المنهج الذي رسمته لك فتوكل على الله الحي القيوم ..
اللهم بلّغت .. اللهم فاشهد .. اللهم استجب .. اللهم أمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والدك الفريق (م) الدكتور عبدالوهاب محمد الجبوري
الأستاذ في جامعة الموصل
ورئيس تحرير جريدة الإنقاذ العراقية
30 حزيران 2009