بقلم : عُمر عاصي
فرُحتُ أقرأ الفصل كله.. ولم يخب ظني في الدكتور مصطفى محمود،، فقد تعرض لتلك الحركات التي دعت ولا زالت تدعو المرأة بالرجعة والانسلاخ عن الإنسانية فلا تريد منها إلا أن تكون متعة تنقضي.. وشهوة تُطلب.
بعد ذلك الفصل المُثير بكل تلك الأفكار التي حواها عن المرأة المعاصرة.. وما يجب أن تكون عليه المرأة. انتقل بنا الدكتور إلى فصل مُكلل بالصدمات فوصف الوضع بأنه جاء عصر القرود.. مُفصلاً قائلاً: الطبيعة فقدت بكارتها.. والغابة العذراء فقدت عُذريتها.. والأنهار تلوثت بالمخلفات الكيماوية.. والبحار تلوثت بالمخلفات الذرية!
من الحديث عن الملوثات المادية.. حلق بنا سريعًا نحو الملوثات الخلقية.. وراح يناقش الحب ومفهومه في هذا الزمن. ومِن ثم ناقش أهمية إقتران الحب بالرحمة وإلا فلا حب.. ومؤكداً ذلك بقوله: “الحيوانات تمارس الحب والشهوة وتتبادل الغزل. وإنما الإنسان وحدهُ هو الذي امتاز بهذا الإطار من المودة والرحمة والرأفة، لأنه هو وحده الذي استطاع أن يستعلى على شهواته فيصوم وهو جائع ويتعفف وهو مشتاق”.
في الجهل والحب، إعتمد نفس الأسلوب كعادته، سهولة الالفاظ وصفاء المعاني.. وبعد أن إستشهد برفض سيدنا يوسف عليه السلام بالإستجابة لتلك النساء ووصفه الإستجابه بالجهل وتوضيح مفهوم الجهل.. جعل يؤكد: “إن المغرم صبابة جاهل.. لأنه لم يعرف من هو الجميل.. إنه غرق في تقبيل نحاس الضريح بينما المحبوب الحقيقي هو روح الحسين… وتلك وثنية سقط فيها العاشق ولم يدركها”. وبهذهِ الكلمات المُعبرة.. يلخص لنا رأيهُ حول إقتران الحب بالجهل أحيانًا.. ويؤكد إختلال الموازيين مرة أخرى..!!
عند منتصف الكتاب، توقف بي الكاتب عند مسألة مثيرة، إنها رحلة البحث عن المرأة الفاضلة، مُستشهدًا بذلك قول سيدنا سليمان عليه السلام في التوراة: “إمراة فاضلة من يدلني عليها .. إنها أثمن من كل ما في الأرض من ماس ولآلئ.. فتشت في الألف امرأة فلم أجدها”. لم يترك مؤلفنا قراءه مع هذه المقولة التي قد تزعج الكثيرات من النساء حتى أكد قائلاً: حاولوا أن تكونوا فضلاء أولا قبل أن تفتشوا عن المرأة الفاضلة.. فالثِّمار لا يمكن أن تظهر إلا أذا ظهرت الزهور أولا.. ولتجد إمراة كخديجة لا بُدَّ أن تكون رجلاً كمحمد.
مع هذا الرقي الفكري.. ينقلنا إلى الحديث بعمقٍ عن الشهوة، مؤكداً: “إن الإنسان لا بُدَّ وأن يكتشف بأنهُ لم يُخلق لجسدهِ، بل إنه حاكمًا لهذا الجسد ولا يصح أن ينقلب السيد خادمًا والحاكم محكومًا وإلا اندرج الإنسان في عداد البهائم”. في نفس ذلك الفصل يطرح جوابًا لسؤالاً مهمًا جدًا: كيف يقاوم الإنسان شهوته؟.. ونستطيع أن نلخص الإجابة بالزواج للمقتدر والعفة بالترك.. والإستعانة على ذلك بقوة الإيمان والعمل بالشريعة.. وممارسة الرياضة والهوايات المتنوعة.
ومن ذلك الفصل الشائك.. انتقل بنا ليلخص ما بين الحب والشهوة من علاقة فيقول: “إن لحظة الشهوة تنسى بعد دقائق، بينما نرى ذكرياتِ الحب تلازم صحابها سنوات عُمرهِ”.
ومن الحب والشهوة وما سبقها.. استقر بنا متسائلاً: هل نحن في آخر الزمن؟؟ ومن ناحيته فإن تسارع الزمن وهي مسألة ملحوظة للجميع، فإنه لا يستبعد إقتراب اليوم الآخر فالنسل والتكاثر يتسارع بسرعة عجيبة والتطورات العلمية والكشوف تتسارع بسرعة مدهشة.. وحتى أنهُ يستدل بإجتماع اليهود في أرض واحدة ليقول لسان حاله: اقتربت الساعة.
وقبل موعد النهاية بعشر صفحات أو أكثر بقليل،، يلخص لنا المطلوب في خاطرتين، الأولى: أنشودة حب للذي خلق - هكذا أسماها- فيهيم في العشق الإلهي وكأنهُ صوفيًا من مَعشر رابعة العدوية - رائدة العشق الإلهي ليقول: “حدثتم عنك يا إلهي وهم فيك ومنك وإليك فما عقلوا عني وحجبتهم نفوسهم وأعماهم ختم اللحظات التي ختمت بها على قلوبهم من سر أبدك.. فجعلوا إلى نزوة اللحظة.. وما عجلوا إلا إلى العدم…”. أما الثانية: فكانت عن هتك السترِ، فيرفض انتهاك الحب قائلا: “إذا كنت تحرص على دوام حبك فلا تحاول أن تقتحم هذه الأرض الحرم بينك وبين من تحب.. لا تحاول أن تهتك سره”. مُعللاً ذلك بقوله: “إن الله أراد لكل واحد منا أن تكون له خصوصية لا تنتهك.. وسر بينه وبين ربه لا يطلع عليه إلا ربه”. وبالنسبة للحل؛ فيقول: “وجب أن تكون هناك مسافة بين الأحباء.. وأن يكون الحب قربًا وليس إقتحاما!!”.
قبل الوداع بلحظات، قدم لنا نصيحةً، ما أحسب أن هناك ما يعادلها قيمة في هذا الكون قائلا: “على خطايانا يجب أن نبكي حقًا وليس على أي هجر؛ أو أي فراق؛ أو أي مرض؛ أو أي موتٍ؛ وذلك حال الذين قدروا الله حق قدرهِ”.
أخيرًا.. بعد هذه النفحات الإيمانية والرشفات الأدبية،، آمل أن أكون قد قدمت الكتاب تقدمةً تليق به.. ومع هذا الأمل، إلا أنني ادعوكم جميعًا لتناولهِ.. فغير أنه رائع إلا أنهُ سهل التناول وعن نفسي: فقد فتحت الكتاب في السابعة صباحًا.. وختمته قبل الثامنة والنصف بقليل…!!
- شُكرًا للأخت ملسم عرفات على هذا الكتب النهضوي -
منقول:
http://omartalk.com/omar/?p=1134#more-1134