شيخ الإسلام والأزهر حسن العطّار الأشعري المالكي 1180 - 1250هــ رضي الله عنه
حلقة دراسية بالأزهر
عبير حسن عبدالباقى
شكلت الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م صدمة عنيفة للعالم الإسلامى، ذلك أن الغرب الذى نجح فى التقدم الهائل نتيجة للثورة الصناعية الكبرى، نجد أن العالم الإسلامى كان يعيش على اجترار التراث، دون محاولة جادة لفهمه وتطويره بما يتلاءم مع روح العصر، لذلك لم يكن هناك تقدم ملموس فى النواحى المادية.
أضف لذلك أن فكرة المسلمين عن الغرب آنذاك كانت قاصرة، فقد وقفت حدود معرفتهم بالغرب عند العصور الوسطى حيث الحروب الصليبية، ولم يكونوا يدرون شيئا عن هذا التقدم الهائل الحادث فى كافة مجالات الحياة الأوروبية، فلما اطلعوا على هذه المنجزات فترة الحملة الفرنسية وما تلاها من اتصال بالغرب الأوروبى إنقسموا حيالها لثلاثة اتجاهات.
أولها: وقف البعض منهم موقف العاجز الذى توقف تفكيره جراء الدهشة العميقة مما رآه من منجزات، فبدأ الشك فى نفسه وفى قدراته، بل وفى المنجزات الحضارية الإسلامية.
وثانيها: أصحاب الاتجاه التغريبى الذين نسوا الحضارة الإسلامية وراحو يؤمنون بالغرب وبكل ما أتى به الغرب دون نقاش، لأن الغرب من وجهة نظرهم أصبح النموذج الرائع للتقدم الحضارى الذى يجب علينا نحن المسلمون اتباعه إذا اردنا النهوض، وأصحاب هذا الاتجاه الذين شعروا بالضآلة أمام أنفسهم وجهوا سهام نقدهم لكل ما هو إسلامى عربى.
أما أصحاب الاتجاه الثالث: فمن الممكن ان نطلق عليهم أصحاب التيار التوفيقى فهم أولئك الذين حاولوا التوفيق بين ما أتى به الغرب من منجزات حضارية وبين الحضارة الإسلامية، فأقبلوا على حضارة الغرب يحاولون فهمها واستيعابها والتوفيق بينها وبين ما أتى به الغرب، داعين للاستفادة من المنجزات الحضارية الغربية خصوصا فى النواحى المادية، على أساس أن الحضارة العالمية وحدة واحدة تتبادل المنفعة والاستفادة، وأن الحضارة الأوروبية استفادت من الحضارة الإسلامية، ونرى أن أصحاب هذا الاتجاة عملوا على نقد الذات فى محاولة لفهم أسباب القصور الذى أصاب المسلمين.
وإلى هذا الاتجاه ينتمى الشيخ حسن العطار الذى كان فى الثانية والثلاثين من عمره حينما نزلت الحملة الفرنسية مصر، وكان أبوه يعمل عطارا ومن هنا أضيفت المهنة كلقب له، رأى أبوه حبه للعلم فشجعه على ذلك فأصبح طالبا فى الأزهر الشريف، ومنذ البداية نجد العطار يميل لأعمال العقل فى الأمور المختلفة، ويهتم بالعلوم الرياضية والفلك والطبيعة جنبا لجنب مع العلوم الأدبية والشرعية، والاهتمام بالعلوم التطبيقية لم يكن سائدا عند الأزهريين آنذاك، وكان قاصراً على عدد قليل من علماء الأزهر مثل: الشيخ محمد عرفه الدسوقى الذى كانت له مشاركات فى علم الهندسة والهيئة والمواقيت، وكذلك الشيخ حسن الجبرتى والد المؤرخ الشهير عبدالرحمن الجبرتى وكان له اهتمام بالفلك وصنع المزاول.
أعمل العطار عقلة وآمن بوجوب التطور وإدخال هذه العلوم للأزهر الشريف، كما أنه فى العلوم الشرعية لم يكن يكتف بدراسة الشروح والحواشى بل كان يعود للمصادر الأصلية يدرسها بنهم الراغب فى المعرفة، والمحب للتأمل فيما خلفه الأجداد، ذلك التراث الثرى الذى دعا العطار إلى التواصل الخلاق معه. وأعلنها العطار سابقه لعصره حينما قال: «ومن سمت همته به إلى الاطلاع على غرائب المؤلفات، وعجائب المصنفات، انكشفت له حقائق كثيرة من دقائق العلوم، وتنزهت فكرته إن كانت سليمة فى رياض الفهوم»، اتصل حسن العطار برجال الحملة الفرنسية وكان يعلمهم اللغة العربية، ويطلع على علومهم لذلك كان يقول: «إن بلادنا لابد أن تتغير أحوالها ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها»، لذلك فقد كان الشيخ العطار أول من طالب باصلاح الأزهر وادخال العلوم الحديثة إليه، وعدم الاكتفاء بكتب التراث وكان يقول: «إن بلادنا يجب أت تتغير أحوالها ويوجد بها من المعارف ما ليس فيها»، ايضا اشاد بالعلوم الغربية ففى حاشية على شرح جمع الجوامع فى أصول الفقه عند الكلام على مسألة الخلاء تحدث عما شاهده من طلائع الحضارة الأوروبية، فقال: «إن مسألة الخلاء ومسألة إثبات الميل من الاجسام من مسائل العلم الطبيعى وبتحقيقها يظهر للفطن أسرار غريبة وعليها ينبنى كثير من مسائل جر الاثقال وعلم الحيل واختراع الآلات العجيبة، وقد عرِّبت كتب فى زماننا من كتب الفرنجة، وفيها أعمال كثيرة، وأفعال دقيقة، أطلعنا على بعضها، وقد استخرجت تلك الاعمال بواسطة الأصول الهندسية والعلوم الطبيعية فلا تجعل سعيك لغير الحصول على الكمالات العرفانية مصروفا ولا تتخذ غير نفائس الكتب أليفا ألوفاً».
من هنا وجه العطار همته لأمرين، أولها: التأليف فى تلك المجالات فله مؤلفات فى الفلك مثل: رسالة فى كيفية العمل بالإسطرلاب، والربعين المقنطر والمجيب، وله رسائل فى الطب والتشريح، كما له رسائل فى أداب البحث والمنطق، وله فى علم الهندسة حاشية شرح أشكال التأسيس فى علم الهندسة، ولم يكتف بذلك بل جمع حوله النابهين من طلابه وبث فيهم روح البحث والجد، ووجههم لدراسة العلوم الحديثة، وثانيهما: عندما تولى العطار مشيخة الازهر الشريف فى عهد محمد على باشا، شجع الشيخ الوالى على إرسال البعوث لأوروبا للتعلم فى الجامعات الاوروبية وتلقى العلوم الحديثة فى كافة فروع المعرفة، خصوصا فى العلوم التطبيقية، ومن هؤلاء رفاعة الطهطاوى أحد أهم رواد النهضة الإسلامية فى العصر الحديث، ومنهم أيضا الأديب واللغوى محمد عياد الطنطاوى الذى سافر لروسيا وتعلم على يديه عدد كبير من أهم المستشرقين الروس، لقد زرع العطار فى تلاميذه والمحيطين به، وأيضا بث من خلال كتبه وفكره: ضرورة التغيير فى أوضاع الأمة الإسلامية، ونقل الحضارة الغربية، ولكن بما يتوافق مع البيئة المسلمة وتقاليدها، وعلى اساس الاستفادة من التراث الاسلامى.
ومن ضمن اهتمامات العطار بنشر الوعى بين الناس فقد عمل على مساعدة محمد على فى انشاء جريدة الوقائع المصرية وهى أول صحيفة عربية عامة 1828م، وقد تولى تحريرها جماعة من نخبة الأدباء والكتاب من تلاميذ العطار وكان هو على رأسهم.
لقد عمل العطار على تنبيه الأمه فساح فى البلدان الإسلامية وقابل الكثير من علمائها مثل شيخ الإسلام عارف حكمت وغيره، وعمل على بث افكاره فيهم.
وللأسف فقد عرف المستشرقون فضل العطار واشادوا به وبدراساته وبأنه كان سابقا لعصره، وبأنه كان مهموما بهموم أمته، يعمل بجد واجتهاد على احياء عزتها وحضارتها، وللأسف فلا تزال معظم دراساته وابحاثه على الارفف فى احتياج لمن يخرجها للناس. نختم هذا المقال بقول الباحث سامى بدراوى حينما قال عن الشيخ: «والخلاصة أن الشيخ حسن العطار كان له موقف متكامل من مشكلات مجتمعه الثقافية والتعليمية والادبية والسياسية، وقد حاول أن يشخص هذا الواقع وبحدد جوانب الضعف فيه كما نادى بضرورة تغييره ورسم برنامج هذا التغيير». ما احوجنا اليوم لعطار جديد يحاول لنا رسم ملامح حياة جديدة يفكره الثاقب، وغيرته على الأمة.
المصدر:
http://www.shorouknews.com/news/view...4-554e4d0a5713