في علم النقد الأدبي الحديث : عبد الرحيم محمود

النقد الأدبي الحديث
(علم لغة النص )


يشمل البناء الفني للنص الأدبي عموما أربعة عوامل كما يقول مؤلفو كتاب مدخل إلى علم لغة النص (1) هي :
1- العامل اللغوي .
2- العامل النفسي .
3- العامل الاجتماعي
4- العامل الذهني
ويشمل العامل اللغوي عدة عوامل تدرس عند الحكم على النص هي :
1- التضام : وهو ما استعمله الكاتب من الوسائل لإظهار النص بناء كاملا مترابطا كاستعمال الضمائر وغيرها من الأشكال البديلة ، وقدرة الكاتب على الحفاظ على تماسكه وعدم تفككه ، فكل نص نضام رياضي مبني بناء منطقيا متراكم المعرفة يحافظ على استمرارية بنائه يركز في العقل البشري فكرة أو أفكارا محددة معمقة بفعل تبئير عوامل البناء على تلك الأفكار نظرا لعجز العقل البشري اختزان سطح النص وعموم مفرداته ، على سبيل التخزين الثقافي المعرفي المطلوب الطويل الأمد ، وعدم تلاشي أثر النص بمجرد قراءته من العقل البشري أو بقائه ضمن دائرة الذاكرة القريبة قصيرة الأمد .
2- التقارن : عنصر الإثارة بين عناصر المعرفة وربط العلة بالنتيجة ومنطقية الأحداث ، وعدم تصادم الحقائق بعضها ببعض ، أو خلق تناقض بين الأحداث في أثناء تحركها في بعدي الزمان والمكان ، ومحاولة الإضافة للخبرة الإنسانية في مجال النص ، والنص الجيد هو الذي يكتشف نستقبله الفكر الذي يحتويه والمعرفة بفهم حيث يعتبر النص اللامعقول هو من يعجز مستقبله عن فهمه ، وفهم النص يأتي من ترابطه بالمعرفة الإنسانية المتوافرة لدى المستقبل ليضيف النص لها معرفة جديدة لتستمر حالة المعرفة الإنسانية وصفة التراكمية بها .
3- القصدية : وجود هدف محدد يسعى لتحقيقه يسخر له التضام والتقارن والنص الذي لا يتصف بالقصدية المتواصلة فيه أي أن النص يجب أن
خر بتواصل واستمرارية ليوصل هدفا محددا للقارئ ، والنص غير الجيد هو الذي تكثر فيه الجمل المقطوعة التي تنقطع قبل إيصال الهدف للقارئ لتتجه اتجاها مغاير إلا لو كان ذلك الانقطاع هو لعدم قدرة المستقبل على التلقي فحين يخاطب أحدنا الآخر بالقول : سأشرح لك نظرية فيثاغورس ، أين كنت أمس ؟ فهذا الانقطاع يدل على تغير خطة المتكلم وهو نص ينتقل من الاتساق التسلسلي لغير اتجاهه الأصلي ، ويرى البيان الكامل في قول الله تعالى : "ويسألونك عن الروح ، قل الروح من أمر ربي " . فالانقطاع هنا جاء لعدم قدرة المتلقي لفهم وتلقي إجابة سؤاله لعدم توافر المعرفة المطلوبة لفهم المعلومات الجديدة فكان انقطاع الكلام وتوجيهه وجهة أخرى ، لعدم عبثية شرح مالا يتقبله المتلقي ، وعدم مقدرته على تقبل قصد المجيب وفهمه للشرح الجديد والمعلومات الجديدة لو شرحها له ربه جل وعلا لعدم وجود أرضية وقاعدة بيانات عقلية لديه مسبقا فالعلم كما قلنا تراكمي يبنى بعضه على بعض ولا يلقى في فراغ عقل المتلقي عن إمكان فهم قصد المتكلم لعبثية القصد هنا .
4- التقبلية : أن يكون النص متقبلا في الفضاء الزمني المستقبلي بحيث يدعو لما له نفع ، وفائدة ، وتغيير للأفضل وهذا العنصر مرتبط بما قبله ارتباطا وثيقا ، فلا بد للمتقبل أن يملك من عناصر المعرفة والثقافة ما يمكنه من فهم قصد المتكلم أو الكاتب لنص معين ، والنص أحيانا يفقد الطريق نظرا للعلاقة الجدلية المنطقية بين عاملي القصدية والتقارنية بسبب تباين المخزون الثقافي بين النص والمتلقي وهنا لا يعتبر أن في النص عيبا ، ولكن العيب يكون في المتقبل كونه لا يملك المساحة الفهمية لتقبل النص بصورته التي عليها .
5- الموقفية : أن يكون في النص صلة بربط الماضي واستعادة حوادثه بما يخلق عبرة وعظة ، وتمهيدا لطريق المستقبل .
6- الإعلامية : أن يكون للنص فائدة ريادية تجديدية إصلاحية ، ومفاجأة للقارئ بحيث يرى فيه شيئا جديدا له صفة الإبهار أو الدعوة للتفاعل بسبب الدهشة التي يوفرها النص ، التي تخلق الاهتمام والإثارة المؤدية للرغبة في المتابعة عند القارئ ؛ لتسببها بالصدمة الذهنية التي تجعله يفكر مدفوعا برغبة التعرف على أسباب ونتائج التفاعل النصي التي جلبت تلك الصدمة ، والنصوص تتراوح ما بين السهولة في الفهم عند المتلقي ، والتحدي المثير الذي يدفعه للفهم ، فلو ورد في النص مثلا الجملة : العلم نور ، لوضع المتلقي المعلومة بمكان ما في حافظته المعرفية ، ولكن لو وردت بعد ذلك الجملة : العلم نور وبناء ، لانخفض المستوى التخزيني للجملة الأولى ووضعت الجملة الثانية في طبقة ذهنية أعلى ، ولو وردت بعد ذلك : العلم نور ، وبناء ، وإيمان ، لأعيد ترتيب الجملة بخفض مستويي الجملتين السابقتين لرفع مكانة الجملة الجديدة ، والنص الجيد هو الذي يدفع المتلقي لتقبله بمساحة ذهنية متفاعلة لتقبل احتمالات المعاني الجديدة والفكر والمعرفة ، وإعادة ترتيبها ذهنيا ، لا الذي يربكها بخلط المعلومات خلطا يمنع ترتيبها المنطقي التواصلي التراكمي والعكس صحيح كذلك .
7- الموقفية : للنص دائما موقف ما يريد توصيل المستقبل له للتقبل به فالمخزون الثقافي الإنساني قابل للتعديل بالحذف والإلغاء أو بالزيادة والإضافة المعرفية ، والنص إما يهدف لتعديل موقف المتلقي ، نحو فكرة ما أو موقف ما بحسب حالة المتلقي ، فقد يكون المتلقي خالي الذهن من فكر سابق مساند أو معاند للفكر الجديد وعندها يسهل تقبل المتلقي للنص تقبله ويسهل على صاحب النص نقل المتلقي من موقفه إلى الموقف الجديد ، وأما إن كان فكر المتلقي مشوشا غير رافض وغير متحد لقبول الفكر والثقافة الجديدة فعلى النص أن يرتب التشويش الموجود ، ومن ثم ينتقل بالمتلقي لتقبل الفكر الجديد بتمهيد العقبات في ذهنه وترتيبها وتعبيد الطريق لوصول المعلومة والثقافة واستقرارها في السطح الذهني للمتلقي ، وأما إن كان المتلقي يحمل فكرا مغايرا معارضا مضادا للفكر الجديد فالمهمة أصعب ويراعى في النص الموجه له بست مستويات فكرية هي:
أن يشكك بصحة ما لديه من فكر ، ثم يخلق الجو المثير لإثارة نزعة التقبل لدي المتلقي ، ثم لتنازع الأفكار القديمة بالجديدة ، ثم لامتزاج الفكرين معا ومن ثم إحلال الفكر الجدي مكان القديم إما بالإلغاء الكلي أو الجزئي أو التعديل .
8- النصوصية : وهي إنتاج نص من الكاتب يراعي العوامل السابقة ، فالكاتب لا يصبح كذلك دون فهم وهضم ومطالعة آلاف النصوص السابقة لغيره ، ومن ثم وجود ملكة خاصة به وأسلوب متميز لديه لإنتاج متأثر بوضوح أو بغير وضوح بأساليب ونصوص غيره ، ومن هنا توجد المعارضات في القصائد ، بالتأثر بإبداعات من سبق ، وكذلك نجد التأثر بأحداث الماضي وعبره ومخزونه الثقافي والعلمي ، والمنطقي ، وإبداعات السابقين في مجالات مماثلة ، وتعتبر كل العوامل السابقة لهذا البند جزئيات تخدمه لأن تلك النقاط تهدف أولا وأخيرا لإنتاج نص متصف بها .
وهذا يدخلنا عند نقد نص أن نفهم أن النقد مساند للنص يقف معه ويوضحه ويزيد في تنوير المتلقي للنص تقبلا له وتعديلا في مخزون فكره ، مع مراعاة ما يلي :
1- اختيار الألفاظ ، واتساقها ، وعدم تنافرها ، والقاموس اللغوي للكاتب والشاعر واتساعه ، وتأثير البيئة على بنائية النص .
2- عدم وجود أو وجود أخطاء نحوية أو عروضية أو تناقض مع المخزون العقدي عند المتلقي وكذا المخزون التراثي الاجتماعي الذي أصبح عرفا مسلما به .
3- اكتشاف الصور ، وتنوعها ، ومدى نجاح صاحب النص في تلوينها بلون خاص به .
4- الفكرة ونجاح الكاتب بإيصال فكره لغيره والتأثير الإصلاحي في المجتمع ، وتغيير الوضع لمستوى أفضل .
5- ترابط النص أو تفككه .
6- استعمال الحروف والكلمات وأدوات الربط بشكل يخدم النص بانسجام .
7- قدرة النص على البقاء ليصبح جزءا من ثقافة الأمة ، وموروثاتها .
.................................................. .
(1) مدخل إلى علم لغة النص : روبرت ديبوغراند / جامعة فلوريدا ، ولفغانغ دريسلر / جامعة فينا ، د. إلهام أبو غزالة / جامعة بيرزيت ، أ. علي خليل حمد ، باحث فلسطيني ، مطبعة دار الكتب القدس / ط1 ، 1992 ، ص 11.

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي