اسمه محمد محيي الدين عبد الحميد إبراهيم
والده الشيخ عبد الحميد إبراهيم، كان من رجال القضاء والفتيا
تعليمه درس في معهد دمياط الديني، حيث كان والده قاضيًا بمحكمة فارسكور بدمياط، والتحق بالأزهر الشريف عندما نُقل والده إلى القاهرة ليشغل منصب مفتي وزارة الأوقاف
حصل على درجة العالمية من الأزهر الشريف عام المجتمع ، وقد ظهرت عليه علامات النبوغ قبل التخرج، فقد أقدم على عمل جاد مثمر؛ وهو شرح مقامات الهمذاني
تتلمذ على جيل الرواد من العلماء الكبار، وقد كان أول دفعته، فاختير مدرسًا بالجامع الأزهر، فظهر من دلائل علمه ونبوغه أن تم اختياره بعد خمس سنوات من تخرجه ليشغل وظيفة مدرس بكلية اللغة العربية عام المجتمع ، وكان أصغر أعضاء هيئة التدريس بالكلية سنًا
اختير سنة المجتمع لتدريس تخصص المادة لطلبة الدراسات العليا، وقد سمعه الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر في ذلك الوقت فعهد إليه بإلقاء محاضرات عامة بالجامع الأزهر في المناسبات الدينية
كما مثل الأزهر في كثير من المؤتمرات الثقافية واللغوية والأدبية
وقد رشحته جامعة الأزهر لنيل جائزة الدولة التقديرية في الأدب سنة المجتمع ، وقد شمل القرار جانبًا مهمًا من وظائفه التي برز فيها، فقد شغل درجة أستاذ بالأزهر، فأستاذًا بكلية اللغة العربية، فمفتشًا بالمعاهد الدينية، ثم وكيلاً بكلية اللغة العربية، فأستاذًا بكلية أصول الدين، ثم صار عميدًا لكلية اللغة العربية، وعضوًا بمجمع اللغة العربية
شغل أيضًا منصب رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، كما كان عضوًا بمجمع البحوث الإسلامية
ويذكر تقرير جامعة الأزهر أنه شارك في عام المجتمع في تأسيس مدرسة الحقوق بالسودان، فقام بمهته خير قيام، حيث كان مضرب المثل في علو المنزلة، وسمو المكانة بين السودانيين والمصريين على السواء
قال عنه العلامة محمد علي النجار عضو مجمع اللغة العربية «إنه كالنحوي الذي لا يعرف إلا النحو، وكالفقيه الذي لا يعرف إلا الفقه، وكالمحدث الذي لا يعرف إلا الحديث، وكالمتكلم الذي لا يعرف إلا الكلام، ودلالة ذلك ما ألفه وأخرجه من الكتب في هذا المجال»
قُلْتُ وتصديقًا لهذا أنه كان يكتب في مجلة الهدي النبوي التي كان يصدرها الشيخ محمد حامد الفقي مؤسس أنصار السنة المحمدية، وقد كان يكتب بها باب «شرح أحاديث الأحكام»
ثم حالت ظروف العمل عن الاستمرار في الكتابة في هذا الباب، فما كان من الشيخ محمد حامد الفقي إلا أن كتب في مجلة الهدي النبوي عام هـ «إن المجلة لتأسف أشد الأسف أن تحرم من قلم الأستاذ العلامة المحقق محمد محيي الدين المدرس في كلية اللغة العربية بالأزهر، والذي كان قد تعهد بكتابة هذا الباب من المجلة، ولكن كثرة أعمال الأستاذ في الكلية، وفي غير الكلية، من نشر الكتب، وخدمة العلم عاقت الأستاذ عن المثابرة والمواظبة، حى كادت المجلة تضطر إلى الخروج عاطلة عن دور الأستاذ في هذا الباب»
وقد تعددت مواهب الشيخ ومناصبه، ولكنه كان أبي النفس، عزوفًا، فقد ذكر الأستاذ الدكتور إبراهيم محمد نجا في حفل مجمع اللغة العربية؛ أنه قد طلب من الشيخ محمد محيي الدين أن يقابل مسئولاً معينًا من أجل أن يتولى منصبًا، فقال «إن المنصب إذا كانت الدولة تعترف أني أهل له فلتسنده إليَّ، وإن لم تكن معترفة بي فلا حاجة لي إلى مقابلة أي مسئول»
رشح أكثر من مرة لتولي مشيخة الأزهر، وكان هناك إجماع على أحقيته للمنصب
كما رشح لتولي رئاسة جامعات عربية وإسلامية، ولكن ظروفه الصحية حالت دون ذلك
يقول الدكتور البيومي في كتابه «النهضة الإسلامية في سير أعلامها» بعد أن عدد كتب الشيخ محيي الدين «فماذا عسى أن يقول المنصف في مجمع كامل قام به فرد واحد فأي زمن اتسع ؟ وأي نوم سلب ؟ وأي راحة قضى عليها حتى وقع الرجل على صرحه العلمي الشامخ ليقول للناس هاؤم اقرؤا كتابيه، وقد قرأ الناس فوجدوا الخير الهاطل، والنفع الجزيل»
قُلْتُ إن الكلمة في زمن غيرها في زمن آخر، والفعل في مكان غيره في مكان آخر، فمن ذلك أن الشيخ محمد محيي الدين شيخ المحققين قام بتحقيق كتب لابن تيمية وابن القيم، رحمهما الله، في وقت كان الاقتراب من كتبهم يحتاج إلى شجاعة نادرة، وعلم غزير، ويجر وراءه من الأذى الشيء الكثير الذي لا يشعر به ولا يقدره إلا من كابده في الزمن الماضي، حيث كان القول السائد بين أهل الضلال «ابن تيمية الضال المضل، وحامد الفقي الجاحد الشقي»
ومع ذلك فلم يمنعه شيء من صداقة الشيخ حامد الفقي رحمه الله، بل والسير في جنازته يوم وفاته من عابدين إلى حيث دُفن في صحبة جمع كبير من رجال الأزهر وأهل العلم والفضل آنذاك
إنتاجه العلمي
فوق كونه كتب في الأعداد الأخيرة من مجلة مجمع اللغة العربية بمصر صفحات مشرقة، إليك طرفًا من إنتاجه حسب ما يسمح المجال
شروحه شرحه للمقدمة الآجرومية، كتاب تنقيح الأزهرية
شرحه على قطر الندى لابن هشام، شرحه على شرح شذور الذهب لابن هشام
شرحه على شرح ابن عقيل، شرحه على أوضح المسالك لابن هشام أجزاء
شرحه على المفصل للزمخشري، شرحه على كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري، وشرحه على متن التخليص في البلاغة
تحقيقاته
أدب الكاتب لابن قتيبة، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، شرح ديوان الحماسة، نهج البلاغة للشريف الرضي، الموازنة بين أبي تمام والبحتري، شرح المعلقات السبع، أبو الطيب المتنبي ما له وما عليه، شرح ديوان أبي تمام، وفيات الأعيان لابن خلكان، تاريخ الخلفاء للسيوطي، مروج الذهب للمسعودي، سيرة النبي لابن هشام، سنن أبي داود، الترغيب والترهيب للمنذري، شرح ألفية السيوطي في مصطلح الحديث، الموافقات للسيوطي، المسودة في أصول الفقه لابن تيمية، موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول لابن تيمية، الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية، إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم، الداء والدواء لابن القيم، مقالات الإسلاميين للأشعري، الفرق بين الفرق للبغدادي، رسالة التوحيد لمحمد عبده
وله مؤلفات ودراسات أدبية ولغوية وإسلامية، منها على سبيل المثال لا الحصر
دروس التصريف، وهو مرجع للأساتذة والطلبة في كليات اللغة العربية ودار العلوم والآداب
أحكام المواريث في الشريعة الإسلامية
المعاملات الشرعية أصول الفقه
الأحوال الشخصية
وهي كتب كانت تدرس في جامعات الأزهر وكليات الحقوق وفي مدرسة الحقوق العليا في الخرطوم
وفي الختام لقد كان الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد جمع العلماء في شخص واحد، فهو نحوي، وفقيه، ومحدث، ومتكلم، ودليل ذلك تنوع مصنفاته وكثرة تآليفه
فجزاه الله خيرًا، ورحمه بواسع رحمته