قضية فلسطين .. من جديد
بمناسبة مرور ستون عاما على احتلال فلسطين وإنشاء الكيان الصهيوني على أرضها والتي تشكل قلب الوطن العربي حيث تربط شرق الوطن العربي بغربه، وشماله بجنوبه. وسنسهم مساهمة بسيطة في هذه المناسبة، خصوصا أنه ظهر هناك أصوات تشكك بعروبة فلسطين وهي نفس الأصوات التي مرنت نفسها وجاهرت بقبول فكرة التنازل عن عكا وحيفا والأراضي التي أغتصبت عام 1948، وستكون مساهمتنا لتوكيد المعلومات التي تخص القضية الفلسطينية، جغرافيا وتاريخيا وسياسيا، وسنعرج على التغيير الذي طرأ على واقع تلك القضية خلال ستة عقود.
تمهيد جغرافي
تقع فلسطين في الجزء الآسيوي من الوطن العربي الكبير، على الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، يحدها من الشرق الأردن (قطرا ونهرا) ومن الجنوب سيناء(مصر) وخليج العقبة (البحر الأحمر) وشمالا جبل الشيخ وهضبة الجولان (سوريا ولبنان). وتبلغ مساحة فلسطين 26320كم2 وتقسم من الناحية الجغرافية الى:
1ـ السهل الساحلي الذي يتكون من جيب سهلي يقع بين الناقورة وحيفا (شمالا) ويمتد الى رفح، ويعرف بسهل (عكا) ومن مدنه الرئيسة غزة و يافا وعكا.
2ـ سلسلة الجبال الوسطى وتشكل حوالي ثلثي عرض فلسطين، وتضم جبال الجليل والسامرة، مع جبل الكرمل و جبال القدس والخليل، وتضم هذه المنطقة أماكن لها قدسيتها لدى المسلمين والمسيحيين واليهود، ومنها القدس والخليل وبيت لحم والناصرة وصفد ونابلس. والى الغرب من تلك المنطقة تقع تلال تربط بين الجبال والسهل الساحلي. ويفصل مرتفعات الجليل عن جبال السامرة سهل مرج ابن عامر الذي يقع على وجه التقريب بين ضواحي حيفا والناصرة وجنين وهناك امتداد شرقي جنوبي يمتد الى (بيسان) يعرف باسم وادي (عين جالوت).
3ـ منطقة منخفض الأردن وتشمل غور الأردن والبحر الميت ووادي عربة. ويخترقها نهر الأردن من بحيرة الحولة ثم بحيرة طبرية التي تنخفض نحو 200 متر عن سطح البحر حتى يصل الى البحر الميت الذي ينخفض حوالي 400 متر ويعد وادي عربة جزءا من انخفاض الأردن أو غوره. ومن أشهر مدن هذه المنطقة (بيسان وأريحا).
4ـ المنطقة التي يطلق عليها (صحراء النقب) أو منطقة بئر السبع، وهي هضبة ترتفع بين 300 و600 مترا عن سطح البحر وهي تشكل حوالي نصف مساحة فلسطين، بهيئة مثلث رأسه عند خليج (العقبة) أو (أم الرشراش) [إيلات]. وكانت على مر التاريخ معبرا بين مصر وآسيا.
تمهيد تاريخي
للأهمية الجغرافية لفلسطين، فقد كانت على مر التاريخ منطقة تنافس وحروب وقبلة للهجرة. ففي عام 3500 ق م خرجت من الجزيرة العربية وبالتعاقب موجات بشرية ـ أطلق عليها البعض الموجات السامية ـ انتشرت ثم استقرت في هذه المناطق، ومنهم الأكديون والآشوريون والعمونيون والمؤابيون والأموريون.
وفي حدود عام 2500 ق م نزحت من جزيرة العرب أيضا، قبائل عربية أخرى، لكنها استقرت في فلسطين وعرفوا ب (الكنعانيين) وقد ظلت لهم السيادة حوالي 1500 سنة، وكانوا أصحاب حضارة، انتقلت حضارتهم حتى وصلت الى شواطئ المحيط الأطلسي وأوروبا. وقد أخذت فلسطين اسم أرض كنعان نسبة لهم.
في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، وصل ابراهيم عليه السلام الى فلسطين، ونزح أولاده الى مصر بحوالي عام 1656 ق م بسبب القحط والمجاعة، وهناك من يرجع أسباب النزوح الى غزو القبائل الهمجية (الهكسوس) لمصر. وبعد أن عادت قوة الفراعنة طردوا الهكسوس ومن جاء معهم من أبناء يعقوب، وكان هؤلاء تحت قيادة موسى عليه السلام في حدود عام 1290 ق م. في عهد فرعون مصر (منفتاح بن رمسيس).
ولن نخوض في أسباب غزو هؤلاء الذين تاهوا في سيناء قرابة 40 عاما، ولكن حركتهم التي قادها (يوشع بن نون) على رأس 6000 مقاتل حسب رأي بعض الروايات*1، وكانت مدينة أريحا أول المدن التي وقعت ضحية هذا الغزو والذي اتخذ شكل المجزرة الرهيبة عام 1187 ق م . ثم امتد الى باقي المدن الكنعانية.
عهد القضاة والملوك
بعد موت يشوع بن نون انتقل الحكم الى شيوخ قبائلهم، وعرف عهدهم هذا بعهد القضاة واستمر الى عام 1020 ق م حيث تحول الحكم الى ملكي واختاروا ملكا اسمه (شاؤول) والذي قتل في إحدى المعارك مع الفلسطينيين، فخلفه ابنه (داؤود) عام 1004 ق م واستولى على مدينة اليبوسيين (القدس) واتخذها عاصمة لمملكته التي سماها المملكة اليهودية، وبقي حتى وفاته عام 963 ق م حيث خلفه ابنه سليمان الذي بقي في الحكم حتى وفاته عام 923 ق م.
في أواخر عهد سليمان انقسمت المملكة اليهودية الى قسمين : مملكة إسرائيل في الشمال وعاصمتها (السامرة) ومملكة (يهوذا) في الجنوب وعاصمتها (القدس). وقد اتتهت الأولى على يد (الملك الآشوري سرجون الثاني) عام 722 ق م والثانية أصبحت ولاية تابعة للحكم المصري عام 608 ق م. ثم انتهى عهدها على يد (نبوخذ نصر) الملك البابلي عام 586 ق م حيث دمر الهيكل وسبى اليهود ورحلهم الى بابل.
خلاصة:
لم يسيطر اليهود ـ حتى في حكمهم القصير لفلسطين ـ على الساحل الفلسطيني نهائيا، بل كانت ممالكهم صغيرة استمرت لقرنين أو أكثر قليلا، على أجزاء صغيرة من فلسطين.
يتبع