بيت المونة...بقلم: آرا سوفاليان
في منزل جدي لأمي عفيف حنا القس الخوري في القصاع جنائن الورد كان هناك بيت مونة يحوي ما لذ وطاب...قطرميزات المعقود مشمش كرز فريز ورد كباد نانرج باذنجان تين وتنكات الجبنة الحلبية والزيتون الأخضر من مرمريتا والأسود من سلقين والسمن العربي من دير الزور والزيت من الساحل والزبدة والمكدوس والقاورما والشريدين والبرغل والرز والعدس والحمص والفول والقمح المقشور واللبنة المدعبلة والمخللات والفليفلة النار والشرار...وكان بيت المونة معتم ونخاف من الدخول اليه ويجري تخويفنا وتهديدنا لنترك هذا البيت وشأنه.
الآن وبعد هذا العمر عرفنا لماذا كان يتم تخويفنا وتهديدنا لنترك هذا البيت وشأنه ...بباسطة: لأن بيت المونة ذاك يقدر اليوم بالملايين بحسب القيمة السُوقية والسَوقية لهذا الزمان التعس.
نصف كيلو لبنة لا غير وكبجاية اللبنة تذهب الى البراد وتعود الى الميزان خوفاً من أن ينغدر سمّاننا العتيد بربع غرام...وتدفع المئة ليرة لتأخذ القليل من حبات الزيتون تفيد للصلاة وليس للإطعام...تدفع 400 ليرة لتأخذ 1 كغ من الجبنة المشللة المذاب فيها نصف كيلو ملح بسعر 10 ليرات سورية تشتريه انت بسعر 400 ليرة للكيلو الواحد ويرتفع ضغطك.
في منزل أهلي في ساحة التحرير كان يتم نقل سحاحير المشمش الخشبية في الستينات ويتم الغلي وتفريغ المغلي في صواني ألومينيوم ويتم وضع الشاش الأبيض مع ملاقط الغسيل على محيط الصواني وتأتي بعض الزلاقط واحياناً الدبابير لأخذ شيء من الغنيمة دون فائدة، والنتيجة 4 مرطبانات معقود المشمش حبة صحيحة مع البزرة الحلوة البلدية و4 مرطبانات معقود المشمش الممعوك الناعم الممتاز بدون بذر.
ويقصد بالمرطبان "بالعامية مطربان" وعاء زجاجي بإرتفاع 70 سم مخصور قليلاً من الوسط وله فم مفتوح كدائرة لها حواف يتم وضع قطعة الشاش في فوهة المطربان وحولها مطاطة مربوطة للحماية"...وكنا ندخل المطبخ لنرى هذه الأشياء على رفوف الرخام فوق المجلى، وكذلك مرطبانات المكدوس، وكل ذلك تمت صناعته وتحضيره عن طريق الغلي على الببور الكاز تبع غلي الغسيل والعصر بسلال القش وحشوة الجوز والثوم والفليفلة الحدة والملح ...مرطبانات للمكدوس للحد ومثلها للحلو ومرطبانات أخرى ساحرة تحوي اللبنة المدعبلة وما الى ذلك... وكانت الأمكنة معدة مسبقاً فتحت المجلى توضع تنكة السمن والجبن الواصلة حديثاً من منشأة التبريد وعليها اسم والدي، والزيت والزيتون واشياء أخرى.
في نهاية السنة لا يبقى شيء...تنفد كل هذه الأشياء...على شكل عرائس...كنا ننتهي من لعبة كرة القدم فنرسل من نرسله ليعود ومعه عرائس من صنع الوالدة حسب الطلب.
اليوم وكنت ابحث عن الماء البارد فلم اعثر على الماء في باب البراد ولا على قطعة ثلج واحدة، أما برادة الماء فانها متوقفة بسبب انقطاع الكهرباء لأربعة ساعات متتالية وتحوي الماء الساخن... كنت سأغلق باب البراد عندما لمحت حنجور صغير من الزجاج عليه لصاقة بديعة تحوي صورة حبتي مشمش...سألت ابنتي...كم عمر حنجور المشمش هذا؟...قالت لا أعلم ولكنك أحضرته للتيتا بناءً على طلبها عندما جاءت من كندا...قلت مخاطباً نفسي...لقد عادت امي الى كندا منذ ستة أشهر ومكثت بيننا ستة أشهر وبحساب بسيط فإن عمر هذا الحنجور من المرملاد سنة كاملة ولم يستهلك منه ربعه... فما هي المعادلة الناظمة للإستهلاك في زماننا وفي زمان اولادنا وكيف يتم تعويض طرف المعادلة الآخر؟
الجواب هو الآتي: سقا الله ايام زمان عندما كنا نستهلك انا وأخوتي عشرة حناجير من هذا المرملاد في اليوم الواحد... كنا ننهض منذ الصباح نركض ونلعب كرة القدم في مدخل البناء والحوليه موليه بالدوليه أديش هدوليه ونلعب طميمة وكميشة وابطال وحرمية ونتسابق بالدراجات ونطارد القطط بالنقيفات، ونعود خائري القوي...وعل حمّام وننام عل تلفزيون برنامج ترللللا ترلللا ترللللترلللا يا أطفال كل بلادي شوفو صار في عنّا نادي...والتلفزيون على زماننا ابيض وأسود وفي زمانهم شاشة إل س يدي ملونة ولا تعجبهم ولا يعجبهم شيء...وكنا نعجب بكل شيء ونحب كل شيء ونغرق في النوم قبل نهاية برنامج ترللللا...وكنا لا نعرف المرض ولا نعرف الانتيبيوتيك...فما الذي تغير حتى يضرب الكسل اجسام الصغار فيجلسون على الفيسبوك على لايكات وكومنتات وجمالك لول وجمالك دول وجمالك جاب الطابة بالجول، ودندل يا كريما الغربي دندل دندل ـ دندل ومضيّع قلبي دندل دندل... وينامون بعد الفجر، وقبل ذلك يرفعون الهاتف ليطلبوا البيتزا أوالهوت دوغ أوالهامبرغر أو الفيليه "وهذه أنثى الفيل" أوالفاهيتا أو السبريم أو السكالوب أو الدجاج الميكسيكي أو الكروك مادام أو الكروك مسيو أو الناغيت أو صندويش الياطر فيختارون المسألة بحسب النغمة الموسيقية للأسم ثم يعلقون بها إن كانت طيبة ولا ينسوا السلطات الروسية والأوكرانية والنرويجية والسيزر ويطلبون مايونيز وكتشاب إضافي... والكاتويات والشوكولاتايات والدوناس والجوفر والشوكولامو...والكولايات من بيبسي وكوكا وسفن ويالذيذ يا رايق ادفع عشان تبقى رايق...ويبخششون عامل توصيل الطلبات...أما بيت المونة وكل الطبخات التي ليست على مزاجهم فإلى المتاحف وبؤس المصير يجلسون ويصفنون فيها صفناً عجيباً...وهكذا فلقد تم اختراقنا نحن الآباء وندفع لنسعدهم ونحن نؤذيهم في صحتهم فالمشروبات الغازية تسبب ترقق العظام وتقود الى السكّري من النمط الثاني الفوقاني والطعام الدسم يسبب الخمول ويضر بالدورة الدموية والقلب، والملونات والمثبتات تسبب "هداك المرض" مثلها مثل صحون البلاستيك والأوعية التي يتم بها نقل الأغذية الساخنة والعصائر الباردة أما بيت المونة وهو الأرث الصحي الذي دلنا عليه الآباء فلقد حولناه وبجهلنا الى أرث كريه، فهناك من يتدخل وبقوة ليفرض عليك المدة التي يجب ان تكون موجوداً فيها على سطح هذه الأرض لتغادر بعدها رغماً عنك...وفي الختام فإن صحن مترع من البامية الديرية الحارّة مع الرز المفلفل بالشعيرية والسمن العربي، أو صحن مترع من الطباخ روحو مع البرغل يساوي كل الأكلات العلاك هذه التي صارت عماد موائدنا أصلح الله اولادنا وأصلحنا قبلهم والسلام.
آرا سوفاليان
وهو في ذروة الملل بتاريخ 13 07 2012
arasouvalian@gmail.com
بيت المونة...بقلم: آرا سوفاليان
في منزل جدي لأمي عفيف حنا القس الخوري في القصاع جنائن الورد كان هناك بيت مونة يحوي ما لذ وطاب...قطرميزات المعقود مشمش كرز فريز ورد كباد نانرج باذنجان تين وتنكات الجبنة الحلبية والزيتون الأخضر من مرمريتا والأسود من سلقين والسمن العربي من دير الزور والزيت من الساحل والزبدة والمكدوس والقاورما والشريدين والبرغل والرز والعدس والحمص والفول والقمح المقشور واللبنة المدعبلة والمخللات والفليفلة النار والشرار...وكان بيت المونة معتم ونخاف من الدخول اليه ويجري تخويفنا وتهديدنا لنترك هذا البيت وشأنه.
الآن وبعد هذا العمر عرفنا لماذا كان يتم تخويفنا وتهديدنا لنترك هذا البيت وشأنه ...بباسطة: لأن بيت المونة ذاك يقدر اليوم بالملايين بحسب القيمة السُوقية والسَوقية لهذا الزمان التعس.
نصف كيلو لبنة لا غير وكبجاية اللبنة تذهب الى البراد وتعود الى الميزان خوفاً من أن ينغدر سمّاننا العتيد بربع غرام...وتدفع المئة ليرة لتأخذ القليل من حبات الزيتون تفيد للصلاة وليس للإطعام...تدفع 400 ليرة لتأخذ 1 كغ من الجبنة المشللة المذاب فيها نصف كيلو ملح بسعر 10 ليرات سورية تشتريه انت بسعر 400 ليرة للكيلو الواحد ويرتفع ضغطك.
في منزل أهلي في ساحة التحرير كان يتم نقل سحاحير المشمش الخشبية في الستينات ويتم الغلي وتفريغ المغلي في صواني ألومينيوم ويتم وضع الشاش الأبيض مع ملاقط الغسيل على محيط الصواني وتأتي بعض الزلاقط واحياناً الدبابير لأخذ شيء من الغنيمة دون فائدة، والنتيجة 4 مرطبانات معقود المشمش حبة صحيحة مع البزرة الحلوة البلدية و4 مرطبانات معقود المشمش الممعوك الناعم الممتاز بدون بذر.
ويقصد بالمرطبان "بالعامية مطربان" وعاء زجاجي بإرتفاع 70 سم مخصور قليلاً من الوسط وله فم مفتوح كدائرة لها حواف يتم وضع قطعة الشاش في فوهة المطربان وحولها مطاطة مربوطة للحماية"...وكنا ندخل المطبخ لنرى هذه الأشياء على رفوف الرخام فوق المجلى، وكذلك مرطبانات المكدوس، وكل ذلك تمت صناعته وتحضيره عن طريق الغلي على الببور الكاز تبع غلي الغسيل والعصر بسلال القش وحشوة الجوز والثوم والفليفلة الحدة والملح ...مرطبانات للمكدوس للحد ومثلها للحلو ومرطبانات أخرى ساحرة تحوي اللبنة المدعبلة وما الى ذلك... وكانت الأمكنة معدة مسبقاً فتحت المجلى توضع تنكة السمن والجبن الواصلة حديثاً من منشأة التبريد وعليها اسم والدي، والزيت والزيتون واشياء أخرى.
في نهاية السنة لا يبقى شيء...تنفد كل هذه الأشياء...على شكل عرائس...كنا ننتهي من لعبة كرة القدم فنرسل من نرسله ليعود ومعه عرائس من صنع الوالدة حسب الطلب.
اليوم وكنت ابحث عن الماء البارد فلم اعثر على الماء في باب البراد ولا على قطعة ثلج واحدة، أما برادة الماء فانها متوقفة بسبب انقطاع الكهرباء لأربعة ساعات متتالية وتحوي الماء الساخن... كنت سأغلق باب البراد عندما لمحت حنجور صغير من الزجاج عليه لصاقة بديعة تحوي صورة حبتي مشمش...سألت ابنتي...كم عمر حنجور المشمش هذا؟...قالت لا أعلم ولكنك أحضرته للتيتا بناءً على طلبها عندما جاءت من كندا...قلت مخاطباً نفسي...لقد عادت امي الى كندا منذ ستة أشهر ومكثت بيننا ستة أشهر وبحساب بسيط فإن عمر هذا الحنجور من المرملاد سنة كاملة ولم يستهلك منه ربعه... فما هي المعادلة الناظمة للإستهلاك في زماننا وفي زمان اولادنا وكيف يتم تعويض طرف المعادلة الآخر؟
الجواب هو الآتي: سقا الله ايام زمان عندما كنا نستهلك انا وأخوتي عشرة حناجير من هذا المرملاد في اليوم الواحد... كنا ننهض منذ الصباح نركض ونلعب كرة القدم في مدخل البناء والحوليه موليه بالدوليه أديش هدوليه ونلعب طميمة وكميشة وابطال وحرمية ونتسابق بالدراجات ونطارد القطط بالنقيفات، ونعود خائري القوي...وعل حمّام وننام عل تلفزيون برنامج ترللللا ترلللا ترللللترلللا يا أطفال كل بلادي شوفو صار في عنّا نادي...والتلفزيون على زماننا ابيض وأسود وفي زمانهم شاشة إل س يدي ملونة ولا تعجبهم ولا يعجبهم شيء...وكنا نعجب بكل شيء ونحب كل شيء ونغرق في النوم قبل نهاية برنامج ترللللا...وكنا لا نعرف المرض ولا نعرف الانتيبيوتيك...فما الذي تغير حتى يضرب الكسل اجسام الصغار فيجلسون على الفيسبوك على لايكات وكومنتات وجمالك لول وجمالك دول وجمالك جاب الطابة بالجول، ودندل يا كريما الغربي دندل دندل ـ دندل ومضيّع قلبي دندل دندل... وينامون بعد الفجر، وقبل ذلك يرفعون الهاتف ليطلبوا البيتزا أوالهوت دوغ أوالهامبرغر أو الفيليه "وهذه أنثى الفيل" أوالفاهيتا أو السبريم أو السكالوب أو الدجاج الميكسيكي أو الكروك مادام أو الكروك مسيو أو الناغيت أو صندويش الياطر فيختارون المسألة بحسب النغمة الموسيقية للأسم ثم يعلقون بها إن كانت طيبة ولا ينسوا السلطات الروسية والأوكرانية والنرويجية والسيزر ويطلبون مايونيز وكتشاب إضافي... والكاتويات والشوكولاتايات والدوناس والجوفر والشوكولامو...والكولايات من بيبسي وكوكا وسفن ويالذيذ يا رايق ادفع عشان تبقى رايق...ويبخششون عامل توصيل الطلبات...أما بيت المونة وكل الطبخات التي ليست على مزاجهم فإلى المتاحف وبؤس المصير يجلسون ويصفنون فيها صفناً عجيباً...وهكذا فلقد تم اختراقنا نحن الآباء وندفع لنسعدهم ونحن نؤذيهم في صحتهم فالمشروبات الغازية تسبب ترقق العظام وتقود الى السكّري من النمط الثاني الفوقاني والطعام الدسم يسبب الخمول ويضر بالدورة الدموية والقلب، والملونات والمثبتات تسبب "هداك المرض" مثلها مثل صحون البلاستيك والأوعية التي يتم بها نقل الأغذية الساخنة والعصائر الباردة أما بيت المونة وهو الأرث الصحي الذي دلنا عليه الآباء فلقد حولناه وبجهلنا الى أرث كريه، فهناك من يتدخل وبقوة ليفرض عليك المدة التي يجب ان تكون موجوداً فيها على سطح هذه الأرض لتغادر بعدها رغماً عنك...وفي الختام فإن صحن مترع من البامية الديرية الحارّة مع الرز المفلفل بالشعيرية والسمن العربي، أو صحن مترع من الطباخ روحو مع البرغل يساوي كل الأكلات العلاك هذه التي صارت عماد موائدنا أصلح الله اولادنا وأصلحنا قبلهم والسلام.
آرا سوفاليان
وهو في ذروة الملل بتاريخ 13 07 2012
arasouvalian@gmail.com