الحريق
كانت النيرانُ تُحيط بأرجاءِ بيته من كل جانب ُملتهمةَ بنهمها المُعتاد كُل ما فيه من أشياءٍ
ثمينةٍ بمادتها من سندات عقارية و أموالٍ وحليٍ ذهبية و أشياء أخرى ذاتُ قيمةُ أكبر
وأثمن بذكرياتها الجميلةِ والمؤلمةِ على حدٍ سواء صورة أمه المتوفاة .... عباءة أبيه
الراحل ...لوحة الفُسيفساء الجميلة التي أهدته إياها زوجته في أيام خطبتهما الأولى كان
ينظر إلى النار وهو يتمنى لو أن رجالَ الإطفاء قد اتجهوا بخراطيم المياه إلى قلبه ليطفؤا
نار حزنه على جمالٍ قد شُوه بلحظة .... بغفلة .......بخطأ كان يتساءل هل لنيرون علاقةٌ
بهذا الحريق هل نفسُ نيرون لم تكفها محرقة روما فأرادت أن تعبث بأعواد حقدها هنا
لماذا بيته دون بيوت الحي يتعرضُ لحريقٍ كبيرٍ كهذا وهو الرجلُ الطيبُ التقي أليس هناك
من يستحق أن تُحرق حتى نفسه أسئلةً كثيرة كان الشيطان يركلها في عقله حتى يخرجه
من امتحانه خاسراً خائباً بسخطه وضجره واعتراضه على ما جرى معه وقف مدهوشاً
مذهولاً لا يلوي على شيء وقد أُُسقط بيده ثم قطع شردوه هذا وكزةً خفيفة من وسط
بنطاله فإذا بابنه الصغير يقول له وعلى مُحياه ابتسامة ٍ بريئة : أبي لقد حان موعد صلاة
العشاء والناس في الحي ينتظرون من يقيم بهم صلاتهم وقد فقدوا الأمل بمجيئك إلى
المسجد جاءت كلمات أبنه لتطفىء نار الضعف الفطري الذي اعتراه عند الصدمة الأولى
ولتضيء مصابيحَ الإيمان في قلبه فأمسك بيد أبنه تاركاً المكان وتوجه إلى المسجد ثم
صلى بالناس في الركعة الأولى ...... و أفوض أمري إلى الله
النصيب
كان نصيبه من الأشياء والمفاهيم الجميلةِ في الحياة نصيب الخادمِ مما يقدمه لسيده من
أشياء تُعنى برفاهيته و سعادته وتزكو فيها روائحُ المتعة واللذّة إذ ليس له سوى النظرُ
إليها تارةَ بحسرةٍ و أسى لعدم تمكنه من التمتعُ بها كما يفعلُ سيده وتارةَ أخرى بعيونٍ
حالمة تُمني نفسها بيومٍ تلعبُ فيه دور عينا السيد......هي أشياء بين يديه لكنها ليست له
هي أشياء تشبه عرباتِ القطار لكنها لا تتوقفُ عند محطات عمره هي أشياء تشبه أدوات
فنان لكن يد الفنان مبتورة هي قصةُ حُلمٍ جميل لكن آخر حروفها تموت دائماَ عند اليقظة
فقد كان نصيبه من الصداقة طعناتُ مؤلمة لم تفلح الذاكرةُ أن تداويها بمراهم النسيان
ومن الطفولةِ دموعُ حرمانٍ من حقه باللعب واللهو كما يفعل أطفال الحي ومن العلمِ علمٌ
اصطدم رغم نبل معدنه بمجتمع ٍ جعله من أبخس المعادن ومن الصحة وهنٌ في الجسد
و أمراَضُ وعللُ أخرى ومن اسمه الذي يحملُ في تفاسيره معانٍ مُيسرة معانٍ مُعسرة
ومن الإيمان تقصيرُ وجهلُ بأحكام الدين و ذنوبُ ومعاصِ نسجت غزلها على جُدران قلبه
حتى نصيبه من رسائل الحُب كان رسائلُ اعتذار عن.............الحُب ورغم ذلك لم ييأس
ولم يقنط من رحمة الله به ولم يعتبر ذلك عقاباً فرضته عليه عدالةُ السماء و أيقن أن
سعادته المفقودة و المسلوبة..... هنا سيحتسبها الرحمن له هناك حيث ليس للإنسان
إلا ما سعى وفضل الله أكبر و أنه أراد لكن الله أراد له أيضاُ وأنه يُدبر لكن الله يُدبر له
أيضاَ و السعادة الحقيقية لن تجري أنهارها الطيبة إلا فيما أراد ودبر له.......الله
الأستاذ
علت أصواتُ الضجيج في كل أرجاءِ الصف فما أن دخله التلاميذ حتى بدؤوا يتجاذبون
بانفعالٍ وحماسٍ بالغين أخبار الفن والموسيقى و آخر البطولات الرياضية و أحدثِ
صيحاتِ الموضة والأزياء والمطاعم والوجبات السريعة وبعض أسرارهم العاطفية وكثيراً
من مغامراتهم الغرامية و التي أدخلوا على الحقيقي منها كثيراً من المبالغةِ بفعلِ سعت
خيالهم وتأججِ نيرانِ الحب في قلوبهم و إحساسهم الدائم بأن أرواح من ضرب بهم التاريخ
أمثلته في العشق كعنترة و أميرته ليلى و جميلٌ ومعشوقته بُثينة والعامرية ومجنونها
قيس ما زالت تحوم حول عُشاق كل زمانٍ لتُلهمهم من أحوال الحب جنونه وروعته
وطيشه وظرافته وما أن داست قدما الأستاذ عتبة باب الصف حتى كان للصمتِ كلمته
الأولى في الغرفة فعادت ألسنةُ جميع التلاميذ أدراجها لتهبط بسرعة في مطارات أفواههم
و أضحت عيونهم تنظر إلى اللاشيء في الغرفة وباتوا كمن تحسبهم جميعاً وقلوبهم
شتى وجلس الأستاذ على كرسيه يتفقد أوراق درسه ثم قام ونظر في وجوه التلاميذ
بعيونٍ تكاد تميز من الغيظ من شدة الوعيد والتهديد وشعر التلاميذ أن أستاذهم يريدُ
تصفية حساباته مع الدنيا من خلالهم و أنه دخل الصف وبيده اليمنى دفترُ تحضير الدرس
وبيده اليسر دفتر جردٍ لهمومه وبواعث سخطه وتذمره من طبيعة الدروس التي تُلقنها
له الحياة خارج المدرسة ثم بدأ يشرحُ الدرس بصوتٍ غليظٍ لا يروق للسمع سواء أأخفضه
أم أعلاه يأتي بالمسائل ثم يقيمُ البراهين عليها وما أن ينتهي من شرحِ مسألةٍ لا ينتقلُ إلى
الأخرى إلا بعد أن يُطلق رشقة ً من زفراتٍ قد مُلأت من ضيق صدره وسوء مزاجه وبعد
أن فرغ من شرح الدرس سأل التلاميذ فيما إذا كان أحدٌ منهم لم يفهم الدرس فلم يُجب
أحد فكشر عن أسنانه الصفراء مُبتسماً مزهواً بقدراته الفذّة في إفهامِ التلاميذ لدروسهم
ثم أراد أن يكون لنجاحه هذا بيانُ يجدُ حلاوته في أجابة تلامذته واحداً تلو الآخر عن
مسائل الدرس فلم يُجب ........أحد ؟؟؟!!!!
هذا وما الفضل إلا من الرحمن
بقلم............ياسر ميمو