added 3 new photos — with صبيحة شبر and 19 others.
نشر السيد ياسر العبيدي صوره لدار المرحوم الشهيد العقيد يوسف
سلمان وقد علق عليها السيد زهير الذويب وقال ان لهذه الــــــــدار
قصه جميله كنبها والده الاديب والشاعر المرحوم محمد بسيـــــــم
الذويب .طلبت منه ارسال الرابط لادخاله ضمن كتابي المزمع نشره
فاستجاب مشكورا.ولجمالية القصه قررت نشرها علـى صفحتــــي
امــــــــــــــــــرأة ســيـــــــــــــــــــــــــئة الســمـــــــــــــــــــــــعة
بقلم / محمد بسيم الذويب
(( من هذه المرأة التي استأجرت دار أبيك يوم أمس الأول يا عماد ؟)) قال الشيخ ذلك بعد أن سحب نفساً من نارجيلته الفضية .. فأجاب عماد :
(( إنها امرأة نصف .. كانت ذات جمال أخاذ على ما يبدو تقول إنها مريضة وقد استأجرت دارنا القوراء المحاطة بجنة ذات أعناب ونخل ورمان ... كي تقضي فترة النقاهة بعد ابلالها من مرضها في جو هادئ بعيد عن المنغصات وفي نجوة من زيارة الثقلاء .))
ألقى الشيخ بمبسم النارجيلة من يده جانباً ونظر إلى رجل يجلس قبالته وقال : (( أعد على سمع ولدنا عماد ما تحدثت به إلينا عن هذه المرأة قبل حين يا عباس .))
قال عباس :
(( علمت يا عماد أن المرأة التي استأجرت داركم هي (فلانة الفلانية) وكلنا نعلم سيرة هذه المرأة وكيف جمعت هذا المال الذي تستأجر بجزء منه دار أبيك الذي ضحى بحياته من اجل الوطن .. ))
قال عماد :
(( هل من واجبي أن افتح محضر تحقيق مع كل من يستأجر الدار سائلاً عن اصله وفصله ومهنته الحالية أو السابقة ومن أي مصدر جمع ماله ؟ ))
فصرخ به الشيخ :
(( ماذا تقول ؟؟ نحن لا نسمح أن تسكن بجوارنا امرأة كانت تبيع الهوى في شبابها ثم كبرت فاتخذت من (السمسرة) مورد رزق لها فجمعت ثروة طائلة وأخذت تغدق الأموال على ملذاتها تتمتع بأطايب الحياة حتى دانت لها رقاب الكثيرين من رجالات البلد الذين غمرتهم بأفضالها فخفضوا لها جناح الذل ووطأوا لها أكناف الحرمة والتبجيل ... فأخذ منها الغرور حتى جاءت تجاورنا وستجرؤ بعد وقت على تبادل الزيارات مع نسائنا وبناتنا المحصنات .. ماشاء الله كأنك لم تسمع قول الشاعر :
لا تربط الجرباء حول صحيحة خوفي على تلك الصحيحة تجرب
قال عماد :
(( ثق يا عماه إنني لا اعرف المرأة ولم اعلم عنها شيئاً . إن الذي استأجر الدار باسمه هو رجل وقور قال إن له قريبة مريضة ستسكن الدار طمعاً ــ بالهدوء ـــ وهرباً من الناس كما قلت لك في أول الأمر واقسم لك على هذا .. )) ونهض رجل من الحاضرين . فقال بحماس :
(( اسمع يا عماد نحن نطلب إليك أن تخرج هذه المرأة خلال أسبوع وإلاّ فسوف تضطرنا إلى تقديم ( المضابط ) إلى الجهات الرسمية أو نتخذ إجراء آخر قد لا يخلو من بعض العنف .. ))
فقال الشيخ :
(( لا لزوم لهذا القول يا عبد الرحمن بك .... فولدنا عماد عاقل وقد ذكر انه يجهل كل شئ ــ وسيقوم بما يحتمه عليه الواجب نحو أبناء محلته ـــ ونحو ذكرى والده البطل الشهيد ))
وكان المساء قد اكتهل فيما هم يتحدثون فانفض عقد الحاضرين وخرج عماد من مجلس الشيوخ وهو يتميز من الغيظ وقد أخذته الحيرة لا يدرى كيف يصنع .... وماذا يفعل لهذه المرأة حين يصبحها غداً هل يقول لها : هاجمني سكان الحي جميعاً بسبب ... سكناك ... دارنا هذه .... ؟
أم يقول انه في حاجة إلى الدار ولم يمض على تأجيرها إياها إلاّ بضعة أيام .... أم ماذا ؟؟
وأخذ يقلب الأمر على وجوهه وهو مستلق على فراشه يفكر حتى استغرق في نومه في الهزيع الأخير من الليل .
وهب من نومه وقد ارتفع الضحى ولذعته حرارة الشمس فاغتسل وارتدى ملابسه وتناول فطوراً بسيطاً وغادر الدار عجلاً إلى بيت المرأة فاستقبلته المرأة هاشة باشة واستأذن في الدخول أمسكت بيده فأجلسته في مقعد وثير وجلست إلى جانبه ، وأمرت له بما لذ وطاب من نقل وفاكهة وشراب وأخذت تدير الحديث بمهارة نادرة وتسأله عن الصحة والأحوال ، ولا تنسى أن تترحم على روح والده الشهيد خلال الحديث بين آونة وأخرى وتشيد ببطولة رفاقه الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الوطن . وقد أعلنت الحداد حين أنهي إليها خبر استشهادهم . والله يعلم كم من الدموع قد ذرفت حزناً وألماً على الانتكاسة التي أصيب بها العراق من جراء فشل الحركة الثورية المباركة . وكان عماد يصغي إلى حديثها وقد فقد وعيه أو كاد ، لا يدري كيف يبدأ قوله الذي جاء من اجله وهو يرى ويسمع ما يسمع من روح وطنية عالية لا ترتقي إليها الشبهات...
وحانت منه التفاته فرأى جهاز المذياع مجللا بالسواد ولما أشار إليه مستفهماً قالت إنما فعلت ذلك حداداً على الشهداء الأبطال ومنهم والده المرحوم . فنكس رأسه إلى الأرض لا يأتي بنأمة ولاينبس بكلمة ثم نهض بعد قليل مودعا وخرج مسرع الخطى لا يلوى على شيء وقد شيعته إلى الباب الخارجي وهي تستمطر شآبيب الرحمة على والده الشهيد .
وانقطع عن حضور مجلس الشيخ أسبوعاً حتى بعث إليه هذا برسول يستقدمه إليه فحضر ذلك المجلس مكرهاً وسلم وجلس في ركن قصي من الثوى الواسع .. وبادره الحاضرون وفي مقدمتهم الشيخ بعبارات العتاب ، بإسلوب مؤدب أول الأمر ثم تطور العتاب إلى ما يشبه الشجار أخيراً، وحصل هرج ومرج في ذلك المجلس الذي ضم معظم الحي كل يريد أن يسبق زميله في توجيه اللوم إلى الشاب المسكين حتى بلغ الأمر حداً لا يصح معه السكوت فقام على قدميه وصاح فيهم وهو يرتجف ))مالكم تصيحون علي)) كالمجانين مهاجمين هذه المرأة؟؟ ما الذي صدر منها؟؟ لقد مر على استئجارها الدار مدة تقرب من ثلاثة اشهر فهل رأيتم أحداً يزورها نهاراً أو طارقا يقتحم عليها الدار ليلاً . اللهم إلاّ خادمها الخاص الذي يأتيها بالطعام والشراب . هل سمع أحد منكم آناء الليل وأطراف النهار غناءاً أو نغما صادرا عن آلة طرب .. أو ما يدل على مجلس خمر أو عربدة..؟))
((وهل شاهدتم خيالها وراء زجاج النوافذ تترصد المارة أو تتطلع إلى أبناء الجيران ، هل خرجت من دارها في ساعة من ساعات الليل أو النهار....؟))
(( ماذا يهمني أنا أو يهمكم انتم إذا كان لها ماض ملوث وقد أتى عليه الزمن وعفى عليه النسيان ، فأعلنت التوبة واستغفرت ربها ، وذهبت كما علمت أخيراً لزيارة بيت الله الحرام وقد قال عز من قائل ..
( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ، لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذنوب جميعاً ، انه هو الغفور الرحيم ) .
وعاد إلى مجلسه بين ضجيج الحاضرين وثورتهم إلاّ أن الشيخ صرخ به صرخة مدوية . وأمره بمغادرة المجلس ... فخرج مغضباً يتعثر بأذيال الألم ، وذهب إلى قريب له يعرض عليه الأمر ويطلب إبداء المشورة .
فأشار إليه هذا أن يهيئ الخمسمائة دينار التي تسلمها من المرأة فإذا كان من الغد فليذهب إليها فيزعم أن عمه قد عاد من أوربا قبل يومين وهو يبتغي سكناً له وليس خيراً له من هذه الدار يستعيد فيها ذكريات شقيقه الراحل ويستجم من عناء الغربة ، ووعثاء السفر ويعيد إليها ما دفعته أجراً للدار . . .
ورن جرس الباب في البيت الكبير ــ وهرعت المرأة تستقبل الزائر الشاب بالترحاب . وتأخذ بيده فتجلسه في المكان المعهود ، وتتحدث إليه في كثير من الرفق والحنان . والشاب واجم لا يكاد ينطق بحرف واحد أو يأتي بحركة , وتنظر المرأة إليه فتعجب من حاله وتقول :
(( مالي أراك ساهما على غير ما اعتدته منك من تبسط في الحديث أو سرد أنباء البلد ... ؟؟ ))
قال :
(( اشعر بصداع شديد انتابني منذ يومين لم تفد معه حبوب الأسبرين أو وصفات الطبيب . ))
قالت :
(( هلا تريد أن أحدس وأخمن .. إذاً فاعلم انك في مأزق شديد قد أخذتك الحيرة لا تدري كيف تنطق بالحكم الصادر بإخراجي من الدار ... وأنا أكفيك مشقة الكلام وأعدك أني سأترك الدار في صباح الغد وعليك أن تحضر في الساعة التاسعة لتتسلم المفاتيح .. ))
فغمغم عماد بكلام غير مفهوم ختمه بقوله :
(( من أين علمت هذا ؟؟ ))
قالت :
(( من ترددك الكثير إلى الدار ــ وإطالة الجلوس عندي وعلائم الارتباك التي تظهر عليك بين حين وآخر ... والألفاظ التي ترتسم على شفتيك تريد أن تخرج فتطبق فمك عليها وتردها إلى صدرك .. فعلام يدل كل هذا ؟ انه لا يدل على انك مأخوذ بجمالي الذاهب وانك واقع بحبي على كل حال .. ))
وضحكت ضحكة هستيرية ثم أردفت قائلة : (( أنا أعلم انك مكره لا بطل . وأن هؤلاء المتزمتين يضغطون عليك ويلحون منذ شهر أو يزيد مطالبين بإقصائي عن الدار . . وانك تحاورهم وتداورهم منذ أمد فتأتي لزيارتي لتنهي إليَّ الخبر . ولكن شجاعتك تخونك . وبالأحرى كرم محتدك وطيب عنصرك يمنعانك من ذلك ، فتقوم مودعاً لتعود إليَّ في اليوم التالي وهكذا حتى اشتد عليك الضغط فجئتني اليوم ساهماً واجماً . فأنقذتك من ورطتك وكفيتك مؤونة القول الذي تشفق من إخراجه من فمك . . فهل يرضيك ؟ )) فتصبب العرق من جبين عماد خجلاً وقال :
(( ليس الأمر كما توهمت يا سيدتي بل الواقع هو أن عمي قد عاد من أوربا قبل يومين وهو يفتش له عن سكن وعرض علي أن . . . لما ، فقاطعته قائلة :
(( دعك من هذه الأسطورة يا ولدي . . إن الحقيقة واضحة . . وضوح الشمس في رائعة النهار . . وقد أخبرتك في أول الحديث أني مستعدة لمغادرة الدار حرصاً على سمعتك وإنقاذاً لك مما تواجهه من هؤلاء الأنانيين في كل يوم من عنت وإرهاق لأعصابك . . ))
(( ولكني أريد أن أقول لك شيئاً قبل أن أغادر هذه الدار لتعلم أي رجال هؤلاء الذين يتظاهرون بالحرص على (الشرف) والخوف من انتقال (الجرب) إلى نسائهم (الصحيحات) المحصنات ..
إن زوجة فلان كانت تتردد على داري قبل بضع سنوات .. لتجتمع بخليلها فلان الذي تعرفه أنت جيداً ... وإن الآنسة (المحصنة) ابنة عبد الرحمن بك الذي يحمل الراية الآن لمحاربتي كانت تقضي الليالي الحمراء في دار (السمسيرة) فلانة حتى قبيل إعلان خطوبتها على الوزير السابق فلان بك ...
وفلان ..... وفلانة .............. وفلان .... كل أولئك لو رميت بهم في النهر لنجسوه كما يقول المثل الدارج ... فماذا يريد مني هؤلاء ؟
إن المجتمع الفاسد .. والمحيط القاسي .. والظروف السيئة هي التي رمتني بهذه الحياة النتنة . انك لا تعلم كم نتألم نحن اللواتي تسمونهن ( مشبوهات ) أو ( عاهرات ) حين نفكر بحالتنا التي أوقعنا فيها سوء الطالع ... هل تظن أننا لانَحِن إلى حياة الأسرة الهينة الهادئة ... ثق ياولدي إن الكثيرات من أمثالنا هنَّ أشرف نفساً وأعف عنصراً من هاتيك النسوة اللواتي تضمهن القصور الشامخة المنتشرة في هذه الضواحي ... ))
فقال لها عماد :
(( انك على حق يا سيدتي ... ولقد آلمني حديثك جد الألم ... والله لن أدعك تتركين هذه الدار ما حييت ، إلاّ إذا مللت أنت سكناها )) .
قالت :
(( لقد سبق السيف العذل ... ولقد أخبرتك بأن الدار ستكون خالية في صباح الغد .. ))
قال :
(( ولكني أقسمت ... ))
قالت :
(( انك استثنيت في قسمك . وإني قد مللت سكني هذه الدار من اليوم )) .
وسكت الشاب قليلاً ثم مد يده إلى جيبه فأخرج رزمة الأوراق المالية فوضعها على المائدة وقال :
(( دونك دنانيرك يا سيدتي ))
قالت :
(( وما شأن الدنانير في موضوعنا هذا ؟ إن بيني وبينك عقداً استأجرت به الدار لمدة سنة كاملة ودفعت لك إيجارها ... ولا يزال العقد ساري المفعول ، ولكن كرهت عيشتي هنا ... فأخليت الدار من تلقاء نفسي ... وليس لي بهذه الخمسمائة دينار حق .. ))
فقفز الشاب من مقعده قائلاً :
(( ماذا تقصدين )) ؟
(( أتريدين أن تتكرمي عليَّ بدنانيرك هذه صدقة بعد كل الذي جرى ... )) .
قالت :
(( معاذ الله أن أقصد إهانتك يا عزيزي .. ولكني علم الله كنت ولا أزال أؤمن بثورة والدك الشهيد وصحبه الأكرمين على الإستعمار البريطاني البشع ... وكم راودتني فكرة أن أهب لكم أنتم أولاد أولئك الأبطال وعائلاتهم مبلغاً محترماً من المال ... بعد أن صادر الظالمون أموالكم وعقاراتكم .. ولكني خشيت أن تقول أنت وغيرك ... ما لهذه المرأة تريد أن تسيء إلى عائلات الشهداء بعد أن نكبهم الدهر بفقد أولياء أمورهم ، أمّا الآن فإني أتمسك بحقي في رفض هذا المال لأن عقد الإيجار لا يزال نافذاً كما قدمت لك .. ))
ولكن عماداً رفض استرداد المال بإباء وشمم وقال :
(( خذي دنانيرك فليس لي بها حق ولا تطيلي الجدل والمناقشة .. ))
قال هذا وهمَّ بالخروج فاستوقفته قائلة : (( أيها البطل الصغير . سأسترد دنانيري بعد أن تأخذ منها نصيبك من إيجار الدار للمدة التي سكنتها فيها .. ))
قال :
(( لا .... لا ... فأنا الذي طلبت إليك تخلية الدار . ))
قالت :
(( أقسم عليك بروح أبيك الطاهرة ألا ما حققت لي رغبتي هذه كيما أستريح إلى حل وسط يقرب الشقة بيننا )) .
فمد عماد يده إلى المال وأخذ منه أربعين ديناراً وقال : (( هذا المبلغ هو ما أستحقه منها . وتسلمي الباقي )) فابتسمت وقالت :
شكراً على ذلك وإلى اللقاء إذا كتب الله لنا لقاء آخر بعد أن يرحل الإستعمار عن هذه الديار حاملاً عصاه على كتفه ) ..
قال :
(( عسى أن يكون ذلك قريباً )) ..
وحين اجتاز باب الحديقة الواسعة التفت إليها فوجدها تتهاوى على العشب الأخضر وقد انخرطت في البكاء ... ؟