أفيضي عليّ الضوءَ فالصدرُ مُظلمُ=عيونُكِ في ليلِ الضلالةِ أنجُمُ
تشتتني الأصقاعُ نأياً وفُرقةً=ويجذبُني أنّا شقيقانِ توأمُ
وتلك جراحي من جراحكِ رعّفتْ=وخفقةُ تربيتٍ بيمناكِ بلسمُ
تطاردُني أنى استرحتُ ثواكلٌ=ويصدمُني أنى تبسّمتُ يُتّمُ
فيا لكِ من أرضٍ تضوعُ شهادةً=وكم غيرِها من ميتةِ الأنفِ تزكمُ
خصيبٍ ولودٍ لا انقطاعَ بنسلِها=وغيرُ ثراها ممحلٌ ومعقّمُ
تلفُّ حواريْها الأليفةَ وحشةٌ=ويربضُ ظلٌّ للثكالِ مخيِّمُ
على خدِّها المخموشِ داكنُ هالةٍ=تجدَّدُ من كفِّ البُغاةِ وتُلطمُ
ومالحُ دمعٍ سالَ في شقِّ جرحِه=تهدّجَ في صمتٍ كما ناحَ أبكمُ
وهذا الثرى كم غُصَّ من لُقَمِ الردى=لقد كاد من فرطِ الشجا يتكلمُ
أطأطئُ مشدوهاً لهولِ مصيبةٍ=وينتابُني من عجزِ حرفي تلعثمُ
عييتُ من الحزنِ المفرَّغِ قِطرُه=يسدُّ لهاتي دون نفخٍ ويردمُ
فمن أيِّ نقْبٍ جازَ يأجوجُ حدَّنا=ولمّا يزل يسعى فساداً ويحْطمُ
جحافلُ تيمورٍ تمزّقُ صورتي=وتخنقُ آهاتٍ يضجُّ بها فمُ
يدوسُ على طُهرِ المحاريبِ فاسقٌ=ويرقصُ في صحنِ المساجدِ مجرمُ
يقطّعُ أوصالَ الصغارِ مقزَّمُ=ويزني بأعراضِ الحرائرِ دَيسمُ
فكم لاثَ في حوضِ المحارمِ مُنتنٌ=وما صدَّ زنديقَ السِّفاحِ محرَّمُ
وقد يرعوي عن غيِّه مَن زجرتَه=لوَ انّ الذي قلتَ اتقِ اللهَ مسلمُ
دمي لو رعيتُم يا قرامطُ كعبةٌ=وعِرضيَ لو كنتم تغارونَ زمزمُ
أُعيذُ سباعَ الأرضِ من سُفلِ درْكِهم=فقِتلتُها قوتٌ لها لا تنعمُ
أترجو صلاحاً بعدُ والأصلُ فاسدٌ=وتطلبُ رُحماهُ وما كان يرحمُ
ولا يستقيمُ الأمْتُ في ذيلِ نابحٍ=وأنى لمسعورِ الطغاةِ مقوِّمُ
كثيرٌ علينا أنْ نملَّ مقامَكم=وأنتم كطاعونٍ على الصدرِ يجثمُ
كثيرٌ علينا أن نشيرَ بإصبعٍ=لصوبِ شفاهٍ بالرهابِ تكمَّمُ
كثيرٌ علينا أن نفتّحَ كوّةً=بسقفِ سماءٍ بالدخانِ حجبتمُ
أيا وطناً ما جاوز الغيمُ حدَّه=ولكنه رغمَ الرحابةِ قمقمُ
ويا رئةَ التاريخِ في كل ثورةٍ=أيُخنقُ فيها ثائرٌ متنسِّمُ
هي الشمسُ ما انفكوا يرومون طمسَها=وهل يطمسُ الأفلاكَ جيشٌ عرمرمُ
وأولُ خلقٍ في المعادِ كبدئهِ=كذلك أحراراً وُلِدنا ونختمُ.