منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 5 من 5
  1. #1

    فاقد الشيء.............محمد محضار

    هذا النص عمره ثلاثون سنة... ..........


    المكان مقصف الكلية.
    الزمان الصباح .
    موسيقى غربية تصدح من الحاكي. الطلبة والطالبات يتناولون إفطارهم.
    كان يجلس في أقصى اليمين وحيدا، أمامه هلالية وكوب قهوة سوداء، وفي يده تحترق لفافة تبغ رخيص، عيناه كانتا زائغتين، لاتكادا تثبتان على شيء، وجهه كانت تعلوه صفرة وشحوب، على مقربة منه كانت تجلس طالبتان، سمراء وشقراء، كانتا تدخنان
    بنهم، وتدردشان بلغة فرنسية خالصة، قالت الشقراء:
    - البارحة يا صديقتي، قضيت ليلة ممتعة مع شاب لطيف وسخي، تصوري أنه دعاني للعشاء بفندق النفيس، وفي الفيلا التي قضينا بها بقية الليل، قدم لي هذا الخاتم من الماس. افترثغر الفتاة السمراء عن ابتسامة مغرية، وقالت:

    - إنك ساحرة ياعزيزتي ، وعيونك الزرق تستعبد كل الرجال.
    - ردت الشقراء: عيب صديقي الوحيد أنه متزوج .. لكن لايهم ما دام يصرف علي بسخاء.
    - لابد أنه ابن لأحد كبار الميسورين.
    - بل هو رجل أعمال يملك مصنع للمربى، وثلاثة مقاهي..
    - والله وقعت ياصديقتي، وعرفت أين تقعين، سيملأ جيوبك ذهبا، فلا تضيعي الفرصة، إنه كنز ثمين.
    غيرت الفتاة الشقراء جلستها، ووضعت ساقا على ساق، فانحسر ثوب تنورتها، وتجاوز ركبتيها بعدة سنتيمترات، أشعلت لفافة تبغ، نفثت دخانها بانتشاء وقالت:
    - ترى أين وصلت فصول حكايتك، مع ذلك المهووس بحبك، الذي يطاردك؟
    -أتعنين صاحب قصائد الغزل؟؟؟؟
    - نعم
    -إنني أشفق عليه من أفكاره المتخلفة، فهو على ما يبدو، مازال يعيش بعقلية عصور الأزمنة الحجرية، ويحتاج إلى من يغيره.. تصوري أنه يغرقني بالقصائد، رغم جفوتي له، وتجاهلي إياه.
    - إنني أكره هذا النوع التقليدي من الشبان.
    - لكنهم يقولون أنه النوع الأكثر إخلاصا.
    - أنا يا صديقتي لا أفهم شيئا في الإخلاص، ولا أؤمن بالمعنويات، والميثاليات..نظرتي للحياة مادية صرفة..
    ألقت الفتاة السمراء نظرة على ساعتها، رفعت رأسها إلى صديقتها وقالت:
    - هل ستحضرين حصة علم البصريات؟
    - لا .. فقد مللت من ثرثرةذلك الأستاذ العجوز وتلقينه العقيم .. وأنت؟
    - أنا أيضا لن أحضر.
    غادرت الفتاتان المقصف تحت وابل من نظراته الجائعة، تراقصت ببابله جمل الحوار الذي دار أمامه. شعر بالإحتقار إزاء نفسه، دب الوهن في أعضاء جسده، وتغلغل في أعماقه، رسم القرف على سحنته ألوانا متمازجة من انعدام الرغبة والدونية.
    الإنسان يحس أحيانا إذا تمادى في التفكير،أنه يعيش دون هدف، دون غاية، وأن خصوصياته مهدوردة، وفرديته غائبة، بالمقارنة مع البعض الآخر، ممن جادت عليهم الأقدار باليسر، وسعة الحال، فهم يتمتعون بلب الأشياء، ويتذوقون قيمة الحياة بحق، أما أمثاله، فإنهم يكتفون بالفتات، ويقنعون بالأشياء الأقل جودة.
    ترك المقصف، التحق بالمدرج الثالث، كان الأستاذ الفرنسي قد بدأ في إلقاء محاضرته حول تكوين الخلية، جلس في الخلف، ضاعت نظراته بين الوجوه، لم يكن يسمع شيئا، أو يفهم شيئا.
    انتهت المحاضرة عاد إلى البيت، قابلته أمه بأسمالها البالية، وأسنانها الصفراء البارزة، تجاهلها ودخل غرفته الضيقة التي يتقاسمها مع أخيه، ارتمى على السرير الخشبي، وغاب في لجة من الأفكار، تبعته أمه، اِقتربت من السرير، قرفصت، مدت يدها المغضنة، ولمست شعره بحنو ثم قالت:
    - مالك يا بني.. لماذا أنت على هذا الحال؟
    رفع رأسه تأملها مليا،رد عليها بتجاهل:
    -لاشيء،أشعر ببعض الصداع في رأسي، وأريد أن أرتاح، أدخلت يدها في جيب سروالها البلدي، وأخرجت حرزا منقما بالصمغ مدته له قائلة:
    خد هذا الحرز ، ضعه في جيبك، فقد خططته لك عند جارنا الفقيه بوجدرة، سيحميك من عين البشر، ويساعدك في دراستك.
    أخذ منها الحرز، ألقى عليه نظرة ازدراء، ثم رمى به من النافذة المفتوحة وصرخ في وجهها:
    -كفى.. دعيني أعيش الواقع كما هو.
    -لكن يا بني، حرز الحاج بوجدرة فيه البركة!
    -بوجدرة محتاج إلى من يمنحه البركة، إنه مجرد مشعوذ أفاق، يضحك على السدج والبسطاء.. -أرجوك أُتركيني أرتاح.
    خرجت الأم تجر أذيال الخيبة، وتلعن هذا الزمن وجيله العاق. خيم صمت رهيب على الغرفة الضيقة.. إستعاد صاحبنا من جديد شروده، وغاب في عالم أحلام اليقظة يعب منه فهو عزاء فاقد الشيء في هذا الأيام الشاحبة.



    محمد محضار مراكش 1980


    نشر هذا النص بجريدة بالعلم يوم 22 غشت 1985

  2. #2
    حارقة في صدقها وتوجعها..
    نعم دعينا نعيش الواقع بحذافيره لنكسب ثواب الصبر وعزاء البلاء
    تحيتي لك دوما
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    صيدلانية وكاتبة
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    الدولة
    دمشق
    المشاركات
    479
    ربما رفضنا كثيرا من تفاصيل الواقع لكنه سيبقى هو هو
    سررت بالمرور كان سردا ممتعا ولافتا.
    نورا

  4. #4
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة
    حارقة في صدقها وتوجعها..
    نعم دعينا نعيش الواقع بحذافيره لنكسب ثواب الصبر وعزاء البلاء
    تحيتي لك دوما
    دائما يشملني حذبك أختي دام لك الوهج والسطوع

  5. #5
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورا كريدي مشاهدة المشاركة
    ربما رفضنا كثيرا من تفاصيل الواقع لكنه سيبقى هو هو
    سررت بالمرور كان سردا ممتعا ولافتا.
    نورا
    مرحبا أختي نورا مرورك شرف لي ..تقبلي كل المودة والشكر على بصمتك الجميلة

المواضيع المتشابهه

  1. العامريات محمد محضار
    بواسطة محمد محضار في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-09-2016, 03:05 PM
  2. فاقد الشيء....................محمد محضار
    بواسطة محمد محضار في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 07-09-2013, 03:43 PM
  3. فجر بلا شفق............محمد محضار
    بواسطة محمد محضار في المنتدى فرسان النثر
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 10-02-2011, 04:22 PM
  4. طفل جارتنا............محمد محضار
    بواسطة محمد محضار في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 07-22-2011, 01:34 PM
  5. سي السيء ( نزف قلم : محمد سنجر )
    بواسطة محمد سنجر في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 11-17-2008, 08:41 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •