الحمد لله والصلاة والسلام على أفضل من والاه ...
ربط النجاح في الحياة بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم
كربط السعادة بالطاعة ، والسلامة بالاستقامة ، ولم تزل مفاتيح النجاح تساق للعبد
وأبوابه تفتح له ما اتخذ محمدا صلى الله عليه وسلم إماما متبوعا ،
وعلق رؤيته في الحياة بهديه ، وطموحه بإرشاده ووصاياه .
ولما كانت مفاتيح النجاح في الحياة شتى لزم النظر فيما يجمعها
وتنتظم خلاله انتظام اللآلئ خلال الإكليل ،
إذ هي في واقع الحال من خصال النبي صلى الله عليه وسلم
وشمائله السنية ، وأنماط من سلوكه القدسي الكريم ؛
فداعي اتساقها أولى ، ولزومه آكد وأجلى . . .
والناظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يلحظ من أول وهلة
أن مفتاح النجاح الأعظم الذي لا يفتح بابه سواه ،
ولا يلج العبد إلى سائر أبواب النجاح دون حيازته هو ( القدوة ) ،
فإذا ولج منه وقصدها وجد أن مفاتيحها جميعا أنواع تحت جنسه .
وانظر كيف عظم الله تعالى شأن الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم ،
ونهى عن رفع الأصوات فوق صوته في قوله – الحجرات 2 - :
( يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ
وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ ) .
فهذا رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم يحبط عمل رافعه ...
فكيف بمن رفع رأيه أو رأي غيره ، أو تفكيره وتصوره ورؤيته ،
أو منهجه في التفكير والتصور ....؟
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين ( 2 / 389 ) :
( فما الظن برفع الآراء ونتائج الأفكار على سنته وما جاء به ؟ ...
أترى ذلك موجبا لقبول الأعمال ؛ ورفع الصوت فوق صوته موجب لحبوطها ؟ ... ) .
وهذا من القواعد التي أسس عليها الشيخ سعد قوله :
( أما أن تنقلب الآية .. لتصبح تلك الدراسات الوافدة هي الأصل
الذي يعتمد عليه ثم يستدل لها بآية تناسب المقام
أو حديث يناسب المعنى ولو بلي عنق دلالتهما بحجة أسلمة هذه الكتب..!
فهذا من الغبن الفاحش والخيانة التي ترتكب في حق العالم التائه
الذي يبحث عن مفاتيح النجاح ومشاعل الهداية .. )
فـ( القدوة ) أصل إسلامي تربوي مكين ، وحرز من الفشل أمين حصين ،
وهو – في اختصاص أمة الإسلام به – كالإسناد المعدود عند الأئمة
حافظ ثغر الديانة الحائل دون تعكير صفوها بأخلاط التصورات والتصرفات .
وهل مزق نفوس الغربيين حيرة وفراغا إلا قيام معتقداتهم
ومناهج تفكيرهم على الفصام بين نفوسهم وبين الوحي والنبوة ؟ ...
فحرموا النموذج النبوي المعصوم ،
وصورة الأسوة البشرية الكاملة الحية الكفيلة بكفاية النفس البشرية بأس التيه ،
الحرية بجلب هدايتها وسكنها وطمأنينتها فضلا عن نجاحها وسعادتها ؟ ....
وقد رجعت إلى مصطلح ( القدوة ) في قاموس لغة القرآن
فألفيته مصطلحا تربويا عميق المعنى ، مستقلا خاص الدلالة ؛
لا يقوم غيره من المصطلحات القريبة مقامه ،
ولم أجد في غير العربية لدى المختصين في التربية والتعليم
ما يصح أن يقابله ، ويؤدي مؤداه أو يقاربه .
ففي القاموس العربي الإنجليزي وارتابيت (Wartabets Arabic English Dictionary )
ثلاث دلالات : النموذج الذي يحتذى –
المثال الجيد –
النموذج أو النمط –
الأصل ذو الفروع ..
1 – Model for imitation
2 – good example
3 – pattern source
4 – Trunk having branches
وفي هذه الدلالات من القصور والضعف والاضطراب ما لا يخفى ،
وليس السر في ذلك إعجاز عربية القرآن فحسب ،
وإنما فقدان القدوة والأسوة في واقع أهل هذه اللغات ،
لأن توليد المفردات اللغوية الخاصة رهين بدواعيه الواقعية ،
وهي أسباب نشوء الظاهرة التي تقع عليها المفردة أو المصطلح .
فهذه الدلالات إنما تجسد تأثيرات الحرمان السلبية من ( قدوة نبي )
على حياة أهل هذه اللغات .
وسيأتي بإذن الله أن دلالات ( القدوة ) في العربية أغنى وأقوى وأجلى ،
وأنسب لمقاصد المصطلح السلوكية والتربوية .