هيــكل سليمـان المـزعــوم فـي عـلم الآثـار (الحلقة التاسعة)
مصطفى إنشاصي
7 ـ لا وجود لهيكل سليمان المزعوم
كما أن اليهود فشلوا في العثور على دليل يثبت أن المسجد الأقصى قائم مكان (الهيكل)، فبعد ما يربو على أربعين عاماً من التنقيب تحت منطقة الحرم القدسي الشريف بحثاً عن أي دليل يثبت صحة دعواهم، أنفق خلالها الصهاينة أكثر من 37 مليار دولار على مؤامرة السيطرة على المسجد الأقصى كليّاً. كما ذكر الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني (فلسطين المحتلة 1948) في أحد تصريحاته، أن "كل ما عثروا عليه هو آيتين من سفر النبي إشعيا محفورتين بخط يجعل نسبة هذه الحجارة لداود أو سليمان مستحيلة. ويرجع العثور على هذا النص إلى الشهور السابقة لإحراق المسجد الأقصى، ولأن الكشف لم يكن دسماً من الناحية السياسية كما يريد اليهود، فقد وضعوه في (قبر السكوت) كعادتهم في كثير مما لا يريدون أن يعرفه العالم عنهم"[i].
وفي تموز/يوليو 1992م أعلن فريق من علماء الآثار العاملين في دائرة الآثار (الإسرائيلية) بطلان الادعاء بأن "داود التوراتي" هو الذي أنشأ القدس، ومما قاله العالم (روني ريك) في هذا الصدد: "آسف.. لأن السيد داود والسيد سليمان لم يظهرا في هذه القصة"[ii]. كما ذكرت صحيفة "القدس" الفلسطينية في تقرير لها أن أشهر علماء الآثار في (إسرائيل) ويدعى (مائير بن دوف) قال عن الزوبعة الصهيونية حول أعمال الترميم في المسجد الأقصى: بأنها غير مبررة وإنها لأغرض سياسية. وأكد عدم صحة ما يقال عن أن بقايا (الهيكل) موجودة أسفل الحرم القدسي، وأضاف أن الدين اليهودي يمنع منعاً باتاً اليهود من الدخول إلى الحرم. وأشار إلى ما تقوم به الحركات اليهودية مثل (جماعة أمناء الهيكل) بقيادة غرشون سلمون ليس من تعاليم اليهود وأنه خروج على شريعتهم. من جانب آخر أكد (بن دوف) أنه خلال مسيرة الحفريات والدراسات التي أجريت خلال الخمسة والعشرين سنة الماضية تبين أنه لا يوجد (هيكل) أسفل الحرم "أي لا توجد بقايا من ذلك (الهيكل)"[iii].
ذلك الذي أكد عليه (بن دوف) سبق أن أعلنه واعترف به صراحة أحد كبار الحاخامات اليهود (باكشي دورون) رئيس الحاخامية اليهودية في كيان العدو الصهيوني، عندما أراد أن يضع حداً للسياسيين اليهود وما يسمونه جماعات المتطرفين المتدينين لعدم استغلال الدين اليهودي في صراعهم السياسي مع الفلسطينيين، فأصدر فتوى بعث بها مع مندوب خاص هو الحاخام ديفيد بردومان نائب رئيس الحاخامية اليهودية إلي مؤتمر ممثلي (الديانات الثلاث) الذي انعقد في عام 2000 في ميلانو الايطالية، وتضمنت هذه الفتوى اليهودية النص التالي: "من أجل السلام وجدنا أنه من الصحيح أن نصرح في هذا الوقت بفهمنا وتصورنا للأماكن المقدسة في القدس بأنه من المحظور أن تتحول الأماكن المقدسة للمسلمين و(المسيحيين) واليهود إلى سبب الخلاف والنزاعات، كذلك يحظر أن تتحول إلى سلاح بيد أولئك الذين يقاتلون ضد دعاة السلام وصناعته، وعلينا أن نحافظ ونحترم الوضع الراهن في القدس القائم على جبل (الهيكل) المعروف للآخرين بالمسجد الأقصى، وعلينا أن نتعامل بارتياب مع كل تغيير في الوضع الراهن لأن ذلك قد يمس قداسة المكان ويقود إلى إراقة الدماء التي تعارضها كل (الديانات) وكل المجتمعات الحضارية، وبدلاً من المس بقداسة الأماكن المقدسة علينا أن نحترم وأن نقبل الوضع الراهن لكل الأماكن المقدسة ... إن قناعة الحاخامية في (إسرائيل) بأن (الهيكل) ليس موجوداً مكان المسجد الأقصى واعتقدنا أن (الهيكل) سيهبط ذات يوم من السماء"[iv].
كما عاد وأكد (بن دوف) على ما قاله سابقاً عام 2009، عندما دعا سلطات الاحتلال الصهيوني لإعادة الحجر الأثري المسروق من المسجد الأقصى إلى مكانه، مشيراً إلى أنه هو من اكتشف ذلك الحجر قبل أكثر من 30 عاماً خلال عمليات حفر أجراها هناك. وأوضح في حديث لممثلي الصحافة الفلسطينية بالقدس المحتلة، أن هذا الحجر يزن 3 أطنان ولا توجد عليه أي كتابات أو رموز. كما أنه كشف عن عمليات تدمير ممنهجة تنفذها سلطات الاحتلال الصهيوني للآثار الإسلامية التي تم اكتشافها في إطار الحفريات الجارية في محيط المسجد الأقصى المبارك. وقال "على سبيل المثال، كنت أنا من اكتشف القصر الأموي، ولكن المسئولين (الإسرائيليين) الذين كانوا يشرفون على المكان قاموا قبل نحو عشر سنوات بزراعة أشجار داخل القصر والآن أصبحت هذه الأشجار كبيرة بحيث باتت تهدد بتدمير الآثار في القصر". وأضاف: "قمت في حينه بإطلاع (اليونسكو) على ما يجري وطلبت منهم أن يتحركوا لوقف ذلك ولكن أحداً لم يحرك ساكناً .. للأسف، فان (اليونسكو) باتت تعمل لصالح (إسرائيل) وهي لا تفعل شيئاً لوقف ما يجري". وشدد (بن دوف) على أنه طبقاً للقانون وللوضع القائم، فان حائط البراق (الذي يسميه اليهود حائط المبكى) هو ملك للأوقاف الإسلامية ولكن يستخدمه اليهود من أجل الصلاة. وقال "حتى صيانة هذا الحائط هي من مسؤولية الأوقاف الإسلامية وهذا باعتراف الحكومات الإسرائيلية ولكن هذا لا يطبق الآن وهو أمر مستغرب"[v].
ويبدو أن صدمة بعض علماء الآثار والمؤرخين والباحثين اليهود بعد أربعة عقود من التنقيب بأنفسهم في القدس وتحت المسجد الأقصى وعدم عثورهم على دليل أثري واحد يثبت أنه كان لهم وجود وتاريخ في القدس؛ جعلهم يخرجوا عن صمتهم ويكشفوا الحقيقة وزيف مزاعم توراتهم وتلمودهم عن (أسطورة الهيكل)،! حيث أكد المؤرخ اليهودي (يهودا رايمان) "أنه لم يتم العثور على أي دليل أثري يمكن أن يكون أساسا للاعتقاد أن المسجد الأقصى قد أُقيم على أنقاض جبل (الهيكل)، بل إن رايمان يشكك في حقيقة أن يكون هناك أصلاً (هيكل) في المكان"[vi].
كما أن البروفيسور (زئيف هرتسوغ) كتب مقالة نقد فيها كل مزاعم اليهود عن التاريخ والحضارة والقوة و...إلخ التي يزعمونها أنهم كانوا عليها في فلسطين قبل أن يتم تشريدهم منها وتشتيتهم في جميع بقاع الأرض، نقتبس منها بعض ما جاء عن موضوع دولة داود سليمان وقوتها، إذ يقول: "المملكة الموحدة ومكانة القدس: أيضاً أحدث علم الآثار تحولاً في استعادة الواقع في الفترة الزمنية المسماة )فترة المملكة الموحدة) لداود وسليمان. فهذه الفترة موصوفة في التوراة وكأنها ذروة الاستقلال السياسي، العسكري والاقتصادي (لشعب إسرائيل) في الماضي، فبعد احتلال داود إمبراطوريته وإمبراطورية سليمان من نهر الفرات إلى غزة. ولكن الاكتشافات الأثرية في مواقع سكنية كثيرة أظهرت أن مشاريع البناء المنسوبة في التوراة لهذه الفترة هي اكتشافات ضعيفة بشكل واسع في قوتها وحجمها ... من الواضح أن القدس أيام داود وسليمان كانت مدينة صغيرة، وربما كان فيها آنذاك حصن صغير، لكنها في كل الأحوال لم تكن عاصمة الإمبراطورية الموصوفة في أسفار التوراة ... فداود وسليمان كانا حاكمين لممالك قبلية صغيره سيطرت على مناطق صغيرة"[vii].
وعلى الرغم من كل ما تقدم إلا أن الكيان الصهيوني مستمر في عمليات استئصال التاريخ والجغرافية والواقع الفلسطيني واستبداله بأساطيرهم، كما يكشف الباحث (الإسرائيلي) المعروف (ميرون بنفنستي) من خلال حديثه عن المشهد المقدسي في ـ صحيفة هآرتس ـ قائلاً: "في هذا المشهد الذي تكشف أمام ناظريهم، بحثوا عن بقايا لا تزال موجودة من حلمهم، ورويداً رويداً رسموا لأنفسهم خريطة جديدة، غطت المشهد المهدد، ولكن لم يكن هذا مجرد خريطة من الورق والأوهام، فقد أصروا على أن يصمموا الواقع، المشهد المادي، وفقاً لرؤياهم وأحلامهم، فقد حطموا المشهد الفلسطيني وبنوا مكانه مشهدهم الخاص، حيث تشكل الأسطورة العتيقة مبرراً وذريعة"[viii].
وأخر ما أعلنه علماء الآثار الصهاينة عن (أسطورة الهيكل ومدينة داود) ما ذكرته قناة (فلسطين الفضائية بتاريخ 2/2/2010، في نشرتها الإخبارية الساعة الثالثة بتوقيت القدس المحتلة):
أن مجلة (التايمز الأمريكية) نشرت في عددها الأخير تقرياً على لسان علماء آثار يهود صهاينة اعترفوا فيه أن نتيجة التنقيبات والحفريات التي أجراها كيان العدو الصهيوني فشل طوال سنوات الاحتلال في القدس وتحت المسجد الأقصى، في العثور على أي آثر أو دليل يثبت صحة وجود (الهيكل الأسطوري) في القدس، أو حتى يثبت أنه كان هناك وجود يهود في فلسطين أو القدس قديماً كما يصوره الفكر الصهيوني في الوقت الحاضر!.
كما أكد علماء الآثار الصهاينة أنفسهم أنهم يقومون بالحفر تحت حي سلون في القدس الذي يقع جنوب المسجد الأقصى منذ سنتين، علهم يعثرون على أي دليل يؤكد صحة مزاعمهم عن (مدينة داود)، التي يزعمون أن حي سلون يقوم مكانها وأنها تمتد إلى ما تحت المسجد الأقصى، ولكنهم لم يعثروا على أي أثر يدل على وجود تلك المدينة المزعومة. وصرحوا بما سبق أن أعلنه (ميرون بنفنستي): أن الهدف من تلك الحفريات والإدعاءات الصهيونية عن (مدينة داود والهيكل) هو اغتصاب الأرض من أصحابها الأصليين وإسكان مغتصبين يهود جدد مكانهم، وتهويد المدينة المقدسة القضاء على المعالم التاريخية العربية والإسلامية، والوجود الفلسطيني فيها!!.
إذن ما دام أن نبيي الله داود وسليمان عليهما السلام لم يبنيا (هيكلاً) حسب المواصفات الدينية والمعمارية التي يتحدث عنها اليهود الصهاينة في هذا العصر، إذاً ماذا بنيا؟!! لنستمع للقول الفصل في هذه القضية من القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وما قاله علماء الآثار عن المواصفات البنائية والمعمارية لماذا ذكره القرآن الكريم.
[i] حسن ظاظا ، مرجع سابق ، ص89..
[ii] محمد جلال إدريس "دكتور"، أورشليم القدس في الفكر الديني الإسرائيلي، مركز الإعلام العربي، سلسلة كتاب القدس (4)، الجيزة، مصر، الطبعة الأولى أبريل 2001، ص45.
[iii] محمد عبد الرحمن، دخول "الحرم" مخالف لتعاليم "الديانة اليهودية"، أشهر عالم آثار (إسرائيلي) ينفي وجود (الهيكل)، صحيفة السبيل الأردنية، (أحد أعداد أغسطس/آب 2001).
[iv] عرفات حجازي، "المفاوضون الإسرائيليون ربحوا الإبل وكسبوا البراق"، (صحيفة الدستور الاردنية، بتاريخ :13/1/2010).
[v] الموقع الالكتروني للهيئة العالمية الإعلامية للدفاع عن القدس، غزة، "خبير آثار (إسرائيلي) يدعو لإرجاع الحجر الأثري الذي سرق من المسجد الأقصى"، تاريخ النشر13/4/2009.
[vi] صالح محمد النعامي، هدم الأقصى.. طبخة يعدها "البلدوزر" مع اليمين واليسار– غزة، إسلام أون لاين نت، شؤون سياسية، القضية الفلسطينية، بتاريخ 1/8/2001.
[vii] "علم الآثار يكشف زيف الحق التاريخي (الإسرائيلي)، البروفيسور زئيف هرتسوغ، موقع مقاومة الالكتروني، (9/3/2002)، نقلاً عن صحيفة (هآرتس) الصهيونية (28/11/1999.
[viii] نواف الزرو، "حقائق مرعبة في المشهد المقدسي/2009"، صحيفة البيان الإماراتية، (الاثنين 23/3/2009).