يحمل هذا الشعر جميع صفات العروض الكمي؛ فهو من ناحية يعتمد على تتابع سلسلة من المقاطع القصيرة والطويلة في نسق يمكن تحديده على النحو التالي: 2 2 1 2 | 2 2 1 2 | 2 2 وهو نسق ثابت لا يخرج عنه الشاعر قيد أنملة. حيث الرقم (2) يشير إلى مقطع طويل، والرقم (1) إلى مقطع قصير. ويـتخذ المقطع الطويل من الأصوات اللغوية الشكل (ص ح ص) أو الشكل ( ص ح ح ) حيث ص = حرف صامت، ح = حركة قصيرة ، ح ح = حرف مد . غير أننا نلاحظ وقوع مقطع زائد الطول في نفس موقع المقطع الطويل كما في الأبيات التي تنتهي بالكلمات (زغير، بيطير، الأحلام ، بينام، والألحان، هالجيران). ولايرتبط هذا المقطع بنهاية البيت دائما ، وإنما يمكن أن نجده في مواضع أحرى كثيرة من البيت كما في قوله (الجيران) في البيت الأول مثلا. كما يلاحظ أن بعض الأصوات ليس لها وزن كمي على الإطلاق أو بمكنك اعتبار وزنها مساويا للصفر كما في حرف الواو من قوله (وعينك) في أول البيت الثاني، وهذا على خلاف حرف الواو في قوله (وعم ) في الشطر الثاني من البيت الرابع ووزنها فيه مساوٍ لوزن مقطع قصير. غير أننا نلاحظ أيضا أن المقطع الزائد الطول من النوع (ص ح ص ص) يمكن أن ينوب مناب مقطعين طويل فقصير كما في قوله : (يا ريت) في الشطر الأول من البيت السابع ، وكذلك في المقطع من النوع (ص ح ح ص) في قوله ( عابلاد ). لكن الملفت للنظر في الشطر الثاني من البيت التاسع أنه يبدأ بكلمة (عايشي) ، وهذا الكلمة لا تساوي التفعيلة ( 2 2 1 2 ) مع أنها تقع تماما في موقعها، أيكون هذا المسلك الغريب منبئا عن أصل الكلمة في العربية الفصيحة وهو ( عائشةٌ) بنطقها مع التنوين، وحينئذ يستقيم الميزان على العروض العربي. ومع أن هذا الوزن يبدو ذا صلة ببحر السريع أو الكامل الأحذ المضمر ، إلا أن مسلكه الذي لاحظناه في الأبيات العشرة السابقة، يقارب مسلك بحور أخرى تندرج مثله في حقل العروض الكمي كالشعر اليوناني واللاتيني القديمين أو الشعر الفارسي. فأما الشعر العربي ، وهو لا شك كمي في أوزانه، إلا أن لعروضه خصائص متميزة عن غيره من الأعاريض الكمية أهمها قيامه على السبب والوتد وانتظام أوزانه في دوائر معينة ، وحرية أسبابه في الزحاف وهذه الخصائص لا تتوفر في هذا الشعر الذي مثلنا له كما لا تتوفر في الشعر الفارسي الذي استعار العروضيون له أوزان الشعر العربي، وطبقوا عليه نظرية الخليل في وصف عروضه. ****
تعليقي
أخي وأستاذي الكريم سليمان أبو ستة
أغتنم هذه الفرصة لأتناول الأغنية هنا بدلالة الأرقام والرموز التي استعملتُها في الرقمي في مجال الشعر النبطي. وكثير من قواعده تسود في الشعبي. وهنا بضعة ملاحظات أقدم بها :
1- إن الاقتصار في الوزن على الرقمين 1 و 2 على أساس أن 1 2 = ب – لا يبرز دور الوتد. وهذا ما استعمله الشيخ جلال الحنفي واستعمل د. صويان الرمزين - = 1 ، + = 2 . وهذا مبرر إلى حد كبير في النبطي لقلة الزحافات فيه ولكنه ليس مطلقا فإن مستفعلن 2 2 1 2 = 4 3 في أول الشطر تأتي متفعلن = 1 2 1 2 = 3 3 كما أن مفاعيلن 1 2 2 2 تأتي مفاعلن 1 2 1 2 = 3 3 إن قواعد العروض الرقمي ه كما عبرت عنها تنهار جميعا إذا لم نأخذ الوتد 1 2 = 3 بعين الاعتبار. 2 – في النبطي 2 ه 2 تعادل 2 1 2 = 2 3 مرحومِْ يا = 2 2 ه 2 = 2 2 1 2 بكسر الميم الثانية وتسكينها 3 – الواو إذا خطفت في أول البيت نرمز لها ( ") ولا تدخل الوزن، ولكن إذا لفظت بهمزة قبلها (ءُ و) = 1 ه = 2
إن في استعمال عبارة المقطع الطويل للدلالة على حومْ = 2 ه ( في مرحومِْ يا ) ما ينفي العلاقة بين ( مْ ) و ( يا ) ..... مرحو (مْ يا ) = ه 2 ....( مِيا = 1 2 = 3) فلا أقل من أن نعتبر الساكن مستقلا من ناحية نظرية.
إن في وضوح لفظ فيروز وفي بطء اللحن ما يعطي فرصة للتأكد من دقة دلالات الرموز الرقمي على التعبير عن المسموع بغض النظر عن الكلام شعرا كان أم نثرا. وهو كذلك يمكن حين يخطئ من يستعمله - أنا مثلا – لمن يصحح أن يقوم بذلك بيسر ووضوح.
وعندما يدرس المستشرقون لغتنا يقيسونها على أنفسهم ومن هنا يعتبرون الحرف المتحرك الذي لا يليه ساكن (مقطعا مفتوحا) والمقطع الذي يليه ساكن (مقطعا مغلقا) وهذا عين الخطأ في رأينا وقد أدى إلى ضعف قدرتهم على فهم العروض العربي. فالحرف المتحرك الواحد لا يشكل مقطعا بذاته وإنما هو جزء من مقطع، والمقطع في العربية هو الحرف الساكن مع ما يسبقه من حروف متحركة. فالمتحرك الواحد مع الساكن (لا) [1ه=2] هو السبب، والمتحركان مع الساكن هو الوتد (بلى ) [11ه=3] والثلاثة المتحركات مع الساكن هي الفاصلة (لِمَ لا) 111ه= (2) 2= ((4) ولا استثناء لهذه القاعدة إلا في حالة السبب المبتور (لَ)، فإن ورد وجب إشباعه، وهي المشكلة التي تكاد تكون الوحيدة في فهم العروض العربي. [ لعله يقصد السبب الخفيف محذوف الساكن حيث تصير 2 إلى 1 ونؤصله برده إلى أصله حسب ق1/ 2 ]