اللغات السامية.
حاييم رابين
ترجمة: عمرو زكريا خليل
تطلق تسمية اللغات السامية على أسرة اللغات التى بعضها حى والبعض الآخر توقف عن الحياة فى منطقة الهلال الخصيب وشبه الجزيرة العربية وشمال شرق آسيا وكذلك التى انتشرت فى بعض المناطق فى أفريقيا وآسيا الوسطى. تتشابه هذه اللغات فى التركيب (مثل: المشتقات الجذرية وتصريف الأفعال فى الأوزان) وفى المفردات اللغوية.
تنقسم هذه الأسرة طبقاً للرأى السائد فى أدب البحث حتى العقد الثالث من القرن العشرين الى خمسة فروع: (1) الفرع الأكدى، الذى تنتمى إليه اللغة الأكدية القديمة والبابلية والأشورية؛ (2) الفرع الكنعانى، ويضم العبرية والفينيقية (الكنعانية) والمؤابية وكذلك العمونية والأدومية، وضموا إليها كذلك "الأمورية" (هى اللغة التى تنعكس فى أسماء السكان "الأموريين" فى ما بين النهرين وسوريا) والأوجاريتية التى أكتشفت فى عام 1929؛ (3) الفرع الآرامى، ولغاته الآرامية القديمة فى سوريا والآرامية المحلية الخاصة بالمملكة الفارسية الأخمينية والآرامية المقرائية (أرامية العهد القديم) وآرامية يف وآرامية حطرا والنبطية والتدمرية والسومرية والآرامية اليهودية والآرامية الجليلية والسورية والمندعية والآرامية البابلية (الخاصة باليهود فى عصر التلمود)، والآرامية التى يتحدث بها اليوم اليهود ("الكردية" أو "ترجوم") والمسيحيون ("الأشورية") ولغة حديث منطقة معلولة وقرى أخرى فى جنوب سوريا؛ (4) الفرع العربى ويضم الددانية والثمودية واللحيانية والصفائية والعربية بلهجاتها قبل تبلور اللغة الفصحى والعربية الفصحى واللهجات المتحدثة اليوم والتى أصبحت واحدة منها، الملتيزية، لغة مستقلة. (5) الفرع الجنوبى العربى الأثيوبى، والذى يضم المعينية والشبائية والحضرموتية والكتبانية والأوسانية واللغات المتحدثة اليوم: مهرى، شحرى (شحأورى)، بوطَهَرى، حرصوصى، سوقوطرى، وفى القارة الأفريقية الجِعز (أثيوبيا القديمة)، واللغات المتحدثة اليوم: طيجرى، طيجرينيه، أمهرية، هرارى، جافات (لم تعد موجودة)، أرجوبا وجوراجى، والأخيرة فيها عدة لهجات مختلفة عن بعضها (يتحدثون فى دوائر الغير لغويين كثيراً بدون مبرر عن اللغات الجنوبية العربية القديمة (المعينية وغيرها) كعن جزء من الفرع العربى).
إن الفرع الكنعانى والفرع الآرامى، وفقاً لنفس الأسلوب الذى كان متبعاً فى البحث، مرتبطان كأسرة فرعية باللغة السامية الشمالية الغربية، والفرع العربى مرتبط مع الفرع الجنوبى العربى الأثيوبى كلغة سامية جنوبية غربية أو سامية جنوبية، وهاتان الأسرتان الفرعيتان هما اللغة السامية الغربية، والتى تقابلها اللغة السامية الشرقية أى الفرع الأكدى. وصف الدارسون هذا التطور بالتالى: كان هناك فى البداية لغة سامية واحدة تسمى اللغة الأم أو السامية الأولى، إنشقت عنها لغتان: السامية الشرقية والسامية الغربية. كان كل منهما لغة حديث فى وقتها. وانشق من السامية الغربية لغتان: الشمالية والجنوبية، وانقسمت كل واحدة منهما الى لغتين: الكنعانية الأولى والآرامية الأولى، والعربية الأولى والأثيوبية الأولى. وظهر من خلال تقسيم آخر اللغات الفصحى القديمة المعروفة لنا. والتى انقسمت بدورها الى لهجات ولهجات. يجب أن نفهم فى هذه الصورة المصطلحات الشرقية وغيرها، طبقاً لنهاية هذه الفروع وليس إشارة إلى مكانتها الأصلية النسبية.
يجب أن نؤكد على أنه ليس السامية الأولى فقط بل كذلك السامية الغربية القديمة والكنعانية الأولى وكذلك مقابلاتهن فى الفروع الأخرى كانت وفقاً لهذا التقسيم لغات حقيقية تحدثوا بهن فى وقت معين وفى زمان معين. ولقد توصل الباحثون الى تفاصيل كثيرة عن صورها الصوتية النحوية ومفرداتها من خلال المقارنة بين اللغات المعروفة لدينا (هذه الصور المخمنة يرمز اليها فيما يلى برمز *).
إعتقد غالبية الباحثين أن العربية الفصحى تشبه السامية الأم، وإن لم يكن فى كل شئ، وذلك على أية حال أكثر من أى لغة سامية أخرى. فاعتبرت حياة البدو فى شبه الجزيرة العربية استمراراً لحياة وعادات متحدثى السامية الأولى وكانت الجزيرة العربية فى نظر الأغلبية موطن الساميين قبل انقسامهم لشعوب مختلفة. بل وطور بروكلمان نظرية تاريخية تقول أن متحدثى الفروع السامية خرجوا موجات موجات من شبه الجزيرة العربية: أولاً الأكديون بعدهم الكنعانيون ثم الآراميون وفى النهاية الأثيوبيون. وأن متحدثى العربية هم البقية التى لم تترك موطنها وأن لغتهم لم تتأثر من اللغات الغير سامية. وفسرت حقيقة أن اللغة الأكدية التى تؤرخ بحوالى 2500 سنة قبل العربية وتختلف فى صورها ونطقها عن العربية، أنها نتيجة تأثير السامرية على الأكدية.
زعم باحثون أن موطن الساميين فى سوريا وزعم البعض أن موطنهم فى منطقة جبال القوقاز. درس جويدى ما يمكن أن نتعلمه عن موطن الساميين من الكلمات المشتركة بين هذه اللغات فى مجالات الحيوان والنبات مثل التمر والجمل.
من الواضح أن كل نظرية عن أصل اللغات السامية لا يمكن أن تدعى أن أوائل المتحدثين بهذه اللغات كلهم أو بعضهم جاء من نفس المكان بالضبط؛ فهناك حالات كثيرة معروفة فى العالم عن فرض أقلية صغيرة لغتها على سكان بأكملهم من جنس آخر. بدأ التشكيك منذ بداية عام 1930 فى معظم النظريات التى أوردناها سابقاً. ولم تثبت صحة نظرية قَإيطانى بأن شبه الجزيرة العربية كان فى القدم منطقة خصبة ثم جفت بعد ذلك. كما اهتزت صورة شجرة أنساب اللغات السامية بفرعيها الرئيسيين والفروع الثانوية وذلك بعد اكتشاف الأوجاريتية التى دار جدل مستمر حول انتسابها الى الفرع الكنعانى. وكذلك "الآمورية" رغم أن لاندسبرجر ومن بعده باوار أطلقا عليها "الكنعانية الشرقية"، فهى لا توافق فى طابعها باقى اللغات الكنعانية. وفى النهاية تبقى القليل جدا من المشترك فى الفرع الكنعانى حتى دعا بروكلمان فى عام 1952 الى إلغاء مصطلح الكنعانية الأولى واعتقد أن "السامية الأولى الشمالية الغربية" كانت مشابهة على وجه التقريب للسامية الأولى وأن كل تقسيماتها الداخلية تطورت فى منطقة سوريا وفلسطين. وفى 1963 إقترح رابين أن الخطوط المميزة لكل اللغات السامية تطورت فى الأماكن التى وجدنا فيها متحدثيها فى التاريخ وأن "الفروع" لم تسبق اللغات بل خطوط تشابه بين اللغات أصلها بتأثير ثقافى وإجتماعى. وفى عام 1972 طور جاربينى نظرية أنه ليس فقط تمت معظم التطورات تمت فى أماكن إقامة الشعوب السامية بل أن نظام النطق السامى العام شابه منذ البداية النظام الأكدى. وأضيف إليه منطوقات أكثر من الموجودة فى العربية على مر الوقت وأنه كان للغة الأمورية دوراً مهماً كمركز للتجديدات. والنظرية المشابهة لها بعض الشئ عرضها هانز باوار عام 1918. فقد قسم اللغات السامية إلى طبقة قديمة مكونة من الأكدية والكنعانية وطبقة متأخرة تضم بقية اللغات.
تنضم اللغات السامية الى الأسرة السامية الحامية. وأى نظرية حول أصل اللغات السامية يجب أن تضع فى الاعتبار الشبه بينها وبين اللغا الحامية. يعتقد كثير من الباحثين الذين يشتغلون بعلم اللغة المقارن أن متحدثى اللغة السامية جاءوا من أفريقيا إلى آسيا، ويتركز السؤال بالتالى، هل سكنوا آسيا فى تركيز فى منطقة معينة أم انتشروا بعد عبورهم من أفريقيا إلى أماكن استيطانهم بعد ذلك. كما يجب السؤال، هل كان متحدثى السامية فى آسيا وأثيوبيا مجموعة لغوية واحدة أثناء عبورهم أم كان بينهم متحدثي لغات حامية مختلفة.
جـدول زمنى للغـات السـامية
2500 قبل الميلاد الأكدية القديمة، الأبلائية، ظهور بعض الأسماء الأموارئية فى ما بين النهرين.
1900 قبل الميلاد البابلية والأشورية.
1700 قبل الميلاد إنتشار واسع للأسماء السامية الشمالية الغربية ("الأموريون") فى ما بين النهرين.
1500 قبل الميلاد الأوجاريتية (يعتقدون أن عصر الانتاج الشعرى سبقها بمئات السنين).
1450 قبل الميلاد كلمات كنعانية وصور أفعال كنعانية تظهر فى رسائل العمارنة.
1100 قبل الميلاد الوثائق الأولى للعبرية المقرائية.
1000 قبل الميلاد الوثائق الأولى فى الفينيقية (الوثائق المتأخرة جداً من القرن الأول ق.م)
القرن التاسع قبل الميلاد ظهور وثائق صوتية فى قرات حاداشات وبلاد الحوض الغربى للبحر المتوسط (حتى القرون الأولى قبل الميلاد). بداية الوثائق الآرامية فى سوريا.
القرن الثامن قبل الميلاد وثائق فى نيف اليسار (يادى) مزنجرلى فى (جنوب تركيا).
القرنان التاسع-الثامن ق.م كتابات من مؤاب وكذلك أيضاً على ما يبدو من عمون وأدوم
586 قبل الميلاد خراب أورشليم. نهاية العبرية المقرائية المتحدثة (؟).
538 قبل الميلاد إعلان قورش وبداية عودة صهيون. بداية الكتابة بالعبرية المقرائية المتأخرة وأيضاً على ما يبدو بداية الكلام بلغة المشنا. دخول الآرامية إلى فلسطين.
500 قبل الميلاد بداية الكتابة بالسبأية، المينائية، والقتبنية فى اليمن. بداية الكتابات بـ"العربية الشامالية القديمة".
100 قبل الميلاد ظهور النبطية (لهجة آرامية كتبها العرب).
100ق.م -100 ق.م وثائق البحر الميت. بداية الكتابة بعبرية لغة المشنا.
200 ميلادياً ظهور السريانية فى شمال بلاد النهرين (اليوم شمال العراق وجنوب تركيا). والمندعية فى بلاد النهرين. توقف استخدام العبرية كلغة حديث (لم تتوقف عن الاستخدام أبداً كلغة كتابة)
300 ميلادياً جعز فى شمال أثيوبيا (لغة حديث حتى 1000 ميلادياً تقريباً).
القرن الرابع ميلادياً بداية الكتابة باللغة العربية الفصحى.
القرن السادس ميلادياً الشعر العربى الجاهلى قبل ظهور الإسلام.
القرن السابع ميلادياً ظهور الإسلام. إنتشار العربية شمالاً وغرباً حتى أسبانيا.
القرن التاسع ميلادياً اليهود والمسيحيون فى البلاد التى تحت الحكم العربى وبداية استخدام العربية كلغة للكتابة.
القرن الـ12 ميلادياً أولى الوثائق بالأمهرية فى أثيوبيا.
القرن الـ16 ميلادياً أقدم وثائق حفظت بالآرامية اليهودية لكردستان ("ترجوم").
1880 بداية إحياء اللغة العبرية المعاصرة.
1889 بداية البحث العلمى للغات العربية الجنوبية الجديدة.
1930 ظهور طائفة فى المهجر متحدثة بالسريانية الحديثة فى الولايات المتحدة وروسيا.