احتفـــــال عـــالمي بذكــرى ولادة شــــوبان المئتـــين
لموسيقاه دور في تجديد أسلوب العزف على البيانو
يحتفل العالم بذكرى مرور 200 عام على مولد الموسيقار العالمي فريدريك شوبان، حيث تقام نشاطات موسيقية وفنية وثقافية تمتد من بولندا وفرنسا لتشمل أصقاع الأرض قاطبة . لقد اختير عام 2010 ليحمل اسم فريديريك شوبان، الذي كان له وطنان: بولندا وفرنسا، غير أنه كانت له مملكة واحدة هي الموسيقى .
امتازت قدرة شوبان في التنويع الكبير والتركيب و التعبير الموسيقي لمؤلفاته، و لكن أهم من ذلك كانت مقدرته الفريدة في أن يحرك المستمع في درجة كبيرة بشكل و أسلوب شخصي مباشر و مختصر مفيد. و هكذا كانت ألحان قصيرة تثير في المستمع أحاسيس و مشاعر كثيرة . و تفوق على العازفين الذين سبقوه باستخدام أصابعه بطريقة حديثة والتفاوت في قوة الضرب واستعماله للإيقاع الحر حتى إنه لقب بـ(شاعر البيانو) .. إن يدي شوبان فجرتا من البيانو ينابيع سائغة من الشاعرية والرقة لم يخطر لأحد قبله إمكان وجودها .
تميزت أعماله (مازوركا، البولنديات، ليليات) بمسحة من الرومانسية، الرقة أو الكآبة أحيانا، كانت موسيقاه السبب في تجديد أسلوب العزف على البيانو، سواءً من حيث الإيقاع أو من حيث الناحية الجمالية التنميقية. وقد اعتبر أمثال دو بوسي ورافيل وفوريه واجبا دائبا أن يعربوا عن تقديرهم الحار لهذا السلف، وأن يعلنوا جاهرين أنه فتح لهم سبلا مسحورة في مناطق كانت عذراء من الهارموني ومن رتيت البيانو الخفي .
وقد ظهرت مواهب شوبان الموسيقية في سن مبكرة، حتى أنه استطاع أن يقدم حفله الأول كعازف بيانو وهو في التاسعة من عمره ، وألّف ، وهو في الثامنة من عمره ، مقطوعة موسيقية راقصة بعنوان بولونيز – وهي رقصة بولونية قومية – على أن مهارته في العزف المدروس والمرتجل فاقت كل تصوّر .
وعندما أدرك شوبان العشرين كان مرض السل قد تسلل إلى صدره وأرهقه، وكان اعتاد شحوب وجهه وكآبته وحزنه، واعتبر بعدها أن موسيقاه صورة عنه وعن حزنه، ولكن هذا لم يكن إلا تفصيلا صغيرا في اللوحة الأكبر.
وفي تلك المرحلة، كانت بولندا قد أصبحت مثل البركان الذي يغلي وسينفجر بسبب الأزمات السياسية، فنصحه أصدقاؤه المقربين بالمغادرة لأنه يمكن أن يفيد بلده بالموسيقى من بعيد حيث يتعذر عليه المحاربة والدفاع عن الوطن.
كانت الألحان الشعبية البولندية مصدر إلهام قومي لشوبان، بعد أن اختبر صداها في نفسه، وكان يعرف جيدا ألحان الحقول والغابات، ويردد أغاني الفلاحين البسطاء.. ويعلم كيفية معالجتها بأسلوب علمي راق متطور، وفي مؤلفات عذبة تتغنى بالقومية البولندية.. وتحث وجدان العالم على التشكل وفقا لقضيتها..
وبمناسبة رحيله أقام له أستاذه إلسنرا حفل وداع وكتب له غنائية خصيصاً لتلك المناسبة، ثم أهداه علبة فضة ملأها بتراب وطنه بولندا، وقد حرص شوبان على تلك العلبة وما فيها من التراث حتى آخر لحظة من حياته ثم سافر بصحبة أحد أصدقائه حيث زارا مدن بريسلو ودرسدن وبراغ وفيينا، وحقق نجاحاً في العاصمة النمساوية. وفي شهر حزيران عام 1831 سافر إلى ميونيخ ثم إلى شتوتغارت وفي المدينة الأخيرة سمع نبأ سقوط وارسو في أيدي الروس، وفي ثورته عقب سماعه ذلك النبأ كتب (الدراسة الثورية) الشهيرة في سلم دو الصغير مصنف (10) رقم (12) في أيلول 1831 وفي وقت مبكر من تشرين أول 1831 وصل شوبان إلى مدينة باريس واستقر بها وأصبحت مركزه الرئيسي طوال السنوات الباقية من حياته، وسرعان ما كون صداقة مع مؤلف الموسيقا المجري الشهير فرانز ليست 1811-1886.
وفي عام 1835 وأثناء زيارة شوبان لمدينة درسدن التقى بفتاة بولندية في التاسعة عشرة من عمرها ووقع في غرامها ولكنها لم تبادله الحب ما جعله يشعر بخيبة الأمل، تحول نحو امرأة أخرى تكبره بخمس سنوات هي الروائية الشهيرة جورج صاند، وارتبط بها بقوة، وكانت امرأة متحررة وتتشبه بالرجال ولفتت إليها الأنظار بتدخين السيجار وارتداء السراويل، كان لها عدد من الأطفال تقوم برعايتهم . وعن السحر في أعمال شوبان كتبت جورج صاند ذات يوم: "لكل إصبع من أصابعه الرقيقة صوت مميز.. فهو يجلس أمام البيانو ويحوله إلى حياة، حياة حزينة مثل روحه ومثل بلاده البعيدة".
في سنة 1848 وبعد رحلة فنية بدعوة أحدهم إياه إلى انجلترا ، عاد إلى باريس وهو يئن تحت وطأة السعال الشديد جراء داء السل ، حتى وافته المنية عليلا في 17 تشرين الأول سنة 1849 .
إعداد :جازية سليماني