تفسير د/ راتب النابلسي
يا رب كيف أشكرك ؟ قال الله عز وجل ، تذكرني ولا تنساني ، إنك إذا ذكرتني شكرتني ، وإذا ما نسيتني كفرتني .
قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا*وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾
( سورة الأحزاب : 41 ـ 42 )
اذكروه ذكراً كثيرا ، إنك إذا ذكرته شكرته ، وإذا ما نسيته كفرته ، علامة الشكر أن تكثر ذكره ، وأن تعرف أن هذه النعمة من عنده .
فكلمة الحمد فقط وحدها تعني أنك محاط بنعم لا حدود لها ، لا تنتهي ، ولا حصر لها ، الحمد .
سورة الكهف
تفسير د/ راتب النابلسي
قال تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِِ ﴾
أما كلمة لله ، فهذه النعم ، التي أنت فيها ، يجب أن تشكر الله عليها ، لأن الله هو مصدرها ، وهذا هو الفرق بين المؤمن والكافر ، فالمؤمن يعرف أن النعم من عند الله ، وغير المؤمن ينسبها إلى غير الله ، وفي الحديث القدسي عن أبي الدرداء عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ :
(( إني والإنس والجن في نبأ عظيم ، أخلق ويُعبد غيري ، وأرزق ويشكر سواي ، خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إلي صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي ، وأنا الغني عنهم ، ويتبغضون إلي بالمعاصي ، وهم أفقر شيء إلي ))
(البيهقي في شعب الإيمان ، والمناوي في فيض القدير).
سورة الكهف
تفسيرد/ راتب النابلسي
لقد بلغ رجل أعلى المراتب ، وحصل على أعلى الشهادات ، واحتل أرفع المناصب ، وكل شيء يجده على ما يرام ، وفجأةً يفقد بصره ، ويقول لصديقه : أتمنى أن أجلس على الرصيف ، وأتسول ، وأن يرد الله لي بصري فيجيبه : يوم تمتعت بنعمة البصر هل عرفت أن هذه النعمة من الله عز وجل ؟ جعلك ترى الأشياء التي تحبها ، وترى الألوان ، ونعمة السمع ينبغي أن نعرفها قبل أن نفقدها .
ومن علامة التوفيق أن ترى النعمة بوجودها لا بفقدها ، لكن الناس جميعاً إذا فقدوا بعض النعم تحسسوا لها ، وعندئذٍ عرفوا قيمتها ، ولكن البطولة أن تعرف النعمة وأنت مستمتع بها ، وأن تقول اللهم متعنا بأسماعنا ، وأبصارنا ، و قوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا .
فهذا ينسحب أيضاً على سورة الفاتحة تقول في كل صلاة ، وفي كل ركعة : الحمد لله رب العالمين .
فلو أن قناة العين الدمعية ، وهي أدق قناة في الإنسان ، أغلقت لاضطررت أن تمسك منديلاً تمسح الدمع الذي يفيض على خديك طوال النهار ، ولأثَّر هذا الدمع على صفحة الوجه ، وترك بعض أنواع الالتهاب .
سورة الكهف
تفسيرد/ راتب النابلسي
لو أن للإنسان أذناً واحدة لما عرف جهة الصوت ، ولكن الصوت إذا جاءك من خلفك فهناك جهاز في الدماغ يقيس تفاضل وصول الصوتين إلى الأذنين ، والتفاضل واحد على ألف وستمئة وخمسين جزءًا من الثانية ، فتعرف أنت من خلال الأذنين أن جهة الصوت من اليمين ، فإذا كان بوق السيارة من اليمين ، فتتجه نحو اليسار .
ولو أن للإنسان عيناً واحدة لما عرف البعد الثالث ، فبالعين الواحدة يرى الطول والعرض ، وبالعينين يرى الطول والعرض والبعد الثالث ، ولو أن في الشعر أعصاباً حسية لما أمكننا أن نحلق رؤوسنا ، ما هذه الحكمة البالغة ؟ إن الأظافر ، والشعر ليس فيهما أعصاب حسية .
وجهاز التوازن الذي منحك الله إياه لولاه لا تستطيع أن تسير على قدمين .
إنّ الله خلقنا فسوانا .
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
( سورة التين : 4 )
﴿ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ*فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾
(سورة الانفطار : 7 ).