الاتصالات الاسلكية
نقلة تقنية تركت بصماتها على حياتنا اليومية
طرائق متجددة للتواصل حول العالم يحسمها الحاسب
بنفس القدر الذي استطاع به الإنسان أن يستخدم الكثير من وسائل التكنولوجيا، لتنمية وتطوير حياته من جوانب عدة، فقد أثر ذلك جليا وبصورة واضحة على بعض مظاهر الحياة الطبيعية للمجتمعات، فالتقنية التي أسدت للإنسان واحدة من أجل الخدمات في تاريخه، ظلت باستمرار فرس الرهان للمستقبل الإنساني، ومصدر قوة البشر في اقتحام آفاق التقدم في مختلف الظروف. تؤثر تكنولوجيا الاتصالات اللاسلكية اليوم على حياتنا بدرجة أكبر من أي وقت مضى. وقد تطورت أساليب الاتصال على مدار سنوات عديدة بدءا من أول محاولات التواصل الكلامي وحتى تطويع التكنولوجيا المتقدمة للنهوض بالقدرة على التواصل بصورة فعالة مع الآخر. ففي كل مرة يتم فيها إجراء مكالمة تلفونية أوتشغيل التلفاز أو استخدام الكمبيوتر الشخصي يتم تفعيل دور تكنولوجيا الاتصالات اللاسلكية والإفادة من إيجابياتها. ويمكننا تعريف مبدأ الاتصالات اللاسلكية على أنه عملية نقل المعلومات من مكان لآخر بواسطة تقنية إلكترونية. فالاتصالات اللاسلكية ما هي إلا استخدام الأنظمة الإلكترونية للتواصل فالحياة تتغير بصفة مستمرة. وتزايدت سرعة هذا التغيير منذ أن حدث الكثير من التطورات في هذا المجال.
لغة التواصل
تطورت عملية الاتصال بصورة منتظمة وذلك نظرا للمحاولات المستمرة للكشف عن طرق افضل واكثر فاعلية للاتصال.
كثير من هذه التطورات قد تمت دون الاستعانة بالتكنولوجيا الالكترونية.
ولقد كانت أولى محاولات البشر للتواصل عبر الوسائل غير الشفهية مثل تعبيرات الوجه والايماءات.
وقد استطاعت شعوب ما قبل التاريخ التعبير عن مشاعرها مثل الخوف والغضب والسعادة عن طريق تلك الاشارات غيرالشفهية.
ولقد سمحت حركات أكثر تحديدا، مثل الإشارات، لتلك الشعوب بتوصيل كم أكبر من المعلومات.
ومن المحتمل أن يكون الاتصال اللفظي قد بدأ بسلسلة من الاصوات غير المنظمة والمفهومة على الرغم من ذلك مثل (الزمجرة والحشرجة).
وقد تطورت تلك الاصوات ببطء حتى تحولت إلى نسق منظم وهو اللغة الكلامية التي اتاحت للبشر المشاركة في المعلومات، ومن ثم بدأت الكتابة، وهي عبارة عن استخدام رموز للتعبير عن اللغة، عن طريق رسومات على الكهوف وتطورت لصور كتابية مثل اللغة الهيروغليفية وانتهى هذا التطور باللغة الكتابية التي نستخدها حتى يومنا هذا.
وبتطور الحضارة وجدت الشعوب انه من الضروري توصيل افكارها لبعضها البعض عبر مسافات بعيدة.
وكانت تنتقل المعلومة من مكان لآخر بالطرق البدائية ولكن التطور الذي أحدثته التجارة جعل السرعة جزءا أساسيا في ذلك وقد بُذلت جهود أكبر لزيادة سرعة انتقال الأفكار.
وأسفر البحث عن وسيلة لنقل سريع للمعلومات عن الاستعانة بالخيول وذلك في عام 1860.
وكان الجواد يحتاج لأسابيع عدة لنقل البريد من الساحل الشرقي للغربي لكنه كان بمثابة تحسن مهول مقارنة بالأساليب البدائية السابقة. ولم يكن البريد المنقول من خلال جواد يمثل التجربة الأولى التي يتحد فيها الإنسان مع الحيوان بهدف النهوض بالاتصالات، فقد تم استخدام الكلاب والحمام لنقل الرسائل وخاصة خلال وقت الحرب.
السرعة والمسافة
كانت هناك مشكلتان خطيرتان تشوبان الغالبية العظمى من وسائل الاتصال الأولية، إن لم تكن كلها.
فقد كانت سرعة انتقال المعلومات بفعالية والمسافة التي تقطعها هذه المعلومات محدودة للغاية، وتم حل هاتين المشكلتين من خلال تطور اشكال الاتصال الإلكتروني.
وهناك تطور تكنولوجي مهم قد طرأ بصورة حقيقية وذلك قبل استخدام الجواد.
ففي عام 1844 وقع أول انتقال إلكتروني عندما طور صامويل موريس نظاما من النقط وعلامات الترقيم لتمثيل أحرف الأبجدية،كما ان اداة النقل يطلق عليها التلغراف وكان يستخدم لإرسال إشارات مشفرة عبر الاسلاك، وكان التلغراف يعد الوسيلة الأساسية للاتصال السريع الذي يمكن الاعتماد عليه وذلك خلال الحرب الاهلية الامريكية.
وقد استغرق الأمر سنوات قلائل لربط المدن الرئيسية الامريكية عن طريق اسلاك التلغراف ولكن سرعان ما حل التلغراف محله وذلك في عام 1861.
وأصبح الاتصال عبر التلغراف جزءا مهما في العمل الامريكي والتاريخ العسكري، وأضحت إحدى أولى شركات التلغراف، المعروفة بوسترن يونيون، أكثر شركات البريد هيمنة.
واليوم تعمل شركة وسترن يونيون على نقل المعلومات طوال الوقت، وأصبح الاتصال الصوتي عبر مسافات بعيدة أخيرا أمرا متاحا في عام 1876 عندما أجرى ألكساندر جراهام بيل أول مكالمة هاتفية مع مساعده توماس واتسون، وساعد هذا البديل عن الاتصال الكتابي الهاتف على أن يتبوأ مكانه كأهم أداة اتصال على الإطلاق بسرعة.
وبحلول عام 1866 تمت أول محاولة للربط بين أوروبا وأمريكا بواسطة الكابلات البحرية بنجاح.
ولقد اقتصرت قدرة هذه الكابلات على نقل البيانات التلغرافية فحسب، والهاتف اليوم يظل يحتفظ بمكانته كأداة حيوية، ومثله مثل التلغراف، يشهد تطورات منتظمة بفعل التكنولوجيا العصرية.
اتصال بلا أسلاك
وأصبح هدف خبراء تكنولوجيا الاتصالات بحلول عام 1900 العثور على وسيلة لنقل الرسائل عبر مسافات بعيدة دون الحاجة إلى أسلاك، وصار هذا الحلم حقيقة في عام 1901 عندما وقف كل من جولييمو ماركوني واثنين من مساعديه على قمة تل يسترقون السمع في نيوفوندلاند إلى جهاز استقبالهم، فقد سمعوا شفرة مورس بالكاد والتي تمثل الحرف س، فانتقلت هذه الإشارة لمسافة 1700 ميل من كورنوول في إنجلترا، ومثلت بذلك أول انتقال لاسلكي ناجح.
ودعا هذا النجاح ماركوني لإنشاء شركة ماركوني لتكنولوجيا الاتصالات اللاسلكية. ولكن الاتصالات اللاسلكية لم تدر عائدا كبيرا من الناحية التجارية إلا بعد كارثة سفينة التايتانك في عام 1912، ففيما كانت السفينة تغرق، أرسل عامل الراديو الخاص بالسفينة إشارات استغاثة عبر تلغرافها اللاسلكي، التقطتها سفينة كاربيثيا التي كانت على مقربة منها وبفضل هذه الإشارات انقذت الأخيرة حياة 700 من ركاب التايتانك البالغ عددهم 2200، وبعد هذه الكارثة بفترة وجيزة دعت الحاجة كافة المؤسسات البحرية تزويد السفن الكبيرة بأجهزة اتصال لاسلكية، وأدت تجربة شركة ماركوني إلى اختراع الراديو. وبدأت محطة راديو كيه دي كيه آيه في مدينة بيتسبرو بولاية بنسلفانيا أول بث لها على الهواء مباشرة.
وبحلول عام 1922 بلغ عدد المحطات الإذاعية التي تقدم بثها على الهواء مباشرة 564 محطة، واليوم تبث لنا آلاف من المحطات الإذاعية برامجها المتعددة.
وعلى الرغم من الأهمية التي حازها بث الأصوات عبر وسائل سلكية ولاسلكية فإن ذلك يبدو متضائلاً أمام الأثر الذي أحدثه التلفاز، هذا الجهاز الذي سمح بنقل كل من الأصوات والصور.
ولقد أصبح جيه إل بيرد الذي كان يعمل في هيئة الإذاعة البريطانية أول شخص يتمكن من بث صورة تلفزيونية عام 1926، وفي عام 1936 تم تقديم أول خدمة بث تلفزيوني.
وبحلول عام 1948 بلغ عدد المحطات التلفزيونية التي تبث إرسالها على الهواء عشرين محطة.
وبدأت أول خدمة بث تلفزيوني ملون في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1954.
ويعتقد عالم الاجتماع جيمس كيه مارتن أن «أثر التلفاز أسطوري وأنه قد غير بصورة جذرية النمط الذي تعيش عليه الأسرة الأمريكية».
الحاسب سيد الموقف
وتعتمد الاتصالات اللاسلكية على التكنولوجيا الحديثة ويعتبر الكمبيوتر أحد أهم عناصر هذه التكنولوجيا. وتتقدم صناعة الكمبيوتر في الوقت الحالي بخطوات واسعة، وصار السواد الأعظم من المدارس مجهزا بمعامل الكمبيوتر لتلقين مهارات الحاسب الآلي، ولم يعد الأمر غريبا على الطالب في الصف الأول الابتدائي أن يلم بخلفية أساسية حول الكمبيوتر والتي يستقيها من الجهاز الخاص بعائلته.
وفي عام 1930 صنع عالم الكهرباء الأمريكي فايفار بوش أول كمبيوتر نظيري، ولكن الفضل يعود إلى هاوارد آكن خريج جامعة هارفارد في اختراع أول جهاز رقمي، وأكمل آكن مشروعه هذا في عام 1944.
وتعد الإشارات النظيرية بمثابة سريان منتظم للمعلومات، فيما تعد الإشارات الرقمية سلسلة من دفقات المعلومات القصيرة.
ويعلق المؤرخ مارك هولز على ذلك بقوله «يشير كافة المؤرخين إلى المكامل والحاسب الرقمي الإلكتروني ENIAC على أنه البداية الحقيقية لتكنولوجيا الكمبيوتر»، فقد أنشأ مهندسو جامعة بنسلفانيا هذا الكمبيوتر الضخم في عام 1946. ولقد كان قوام ENIAC أنابيب مفرغة للتحكم في عمليات الكمبيوتر. أما مبدأ تخزين البرامج في ذاكرة الكمبيوتر فيعود فضله إلى جون فان نيومان عالم الرياضيات الأمريكي. وحدث أن أنشأ مطورو ENIAC كمبيوتر جديد أطلق عليه UnivacI وكان أول جهاز كمبيوتر ينتج على نطاق واسع.
إن التكنولوجيا ومعدل تقدمها تؤثر على حياتنا اليومية، وحتى نعضد من فهمنا لأجهزة الكمبيوتر وغيرها من التكنولوجيا والدور الذي تلعبه، فمن المهم أن يدرك المرء أن هذه التكنولوجيا من الناحية التاريخية تعد حديثة العهد ومبتدعة في الأصل لأغراض تعليمية. فإن أجهزة الكمبيوتر الكائنة في الفصول المدرسية مثلا من شأنها أن تمثل أداة لا تقدر بثمن لما لها من قدرة على دعم كافة ضروب المتعلمين.
وجدير بالذكر أن السبب الرئيسي وراء ألفة الكمبيوتر من جانب هؤلاء الدارسين هو دورها البارز في حياتنا اليومية، والغرض الأساسي من وراء التعليم هو إعداد هؤلاء الدارسين للعالم الحقيقي. ولذا فالمسؤولية تقع على كاهل كافة المشاركين في العملية التعليمية للتواصل بفعالية بحيث يتأكدون من دعم كل الدارسين على أفضل ما يكون. إن الحاجة إلى تعُّلم الكمبيوتر في مجتمعنا دائمة التغير ويبدو هذا جليا في كافة جوانب حياتنا، ولذا فمن المهم إدراج تعليم الكمبيوتر ضمن المواد التي يتلقاها أطفالنا بهدف إعداد الدارسين لمستقبل قائم على تكنولوجيا الكمبيوتر.
مرامي تعليمية
وقد أعدت مدرسة هاتون فيل ستيت بيانا لسياسة تعلُّم التكنولوجيا استجابة منها لما سبق ذكره موضحة فيه بإيجاز أهداف ومرامي واستراتيجيات برنامج التكنولوجيا.
وإضافة إلى ذلك فإن المدرسة لها حضورها المتميز على شبكة الإنترنت في الوقت الحاضر، حيث بدأ موقع المدرسة العمل الدؤوب منذ عدة أشهر حتى الآن.
وتتلخص مزايا هذا الموقع في التالي:
يستطيع المرء من كافة أنحاء العالم الوصول إلى الموقع والتعرف على المدرسة.
يستطيع الطلبة بسهولة الوصول إلى مواقع تعليمية أخرى غير مواقع المدرسة.
يتم نشر الإنجازات الطلابية على الموقع بحيث يتاح للعالم أجمع الإطلاع عليه.
يتم تشجيع الطلاب على النظر إلى الإنترنت على أنها مجال يستطيع أن يضمهم ويصبحون جزءاً منه.
إن العاملين بالمدرسة والطلبة بصفة عامة لديهم من الأسباب ما يدعوهم للفخر بالمدرسة ومستواها المتفوق.
ويستطيع العالم بأكمله الوصول إلى المدرسة الآن والمشاركة في إنجازاتها، والأهم من ذلك أن طلبتنا لهم القدرة على الوصول إلى العالم بأسره.
إن خدمة البريد الأمريكي ليست موجهة للوفاء بحاجات الوصول الفوري للمعلومات، ولذا فإن عددا كبيرا من صناديق البريد أصبحت إلكترونية.
وتتميز الرسائل الإلكترونية بسهولة إرسالها في أي وقت من النهار أو الليل بواسطة الكمبيوتر، والمودم والهاتف.
ومن الممكن قراءة هذه الرسائل الإلكترونية ووضعها في ملفات وتخزينها ومحوها وطباعتها وإعادة توجيهها.
ويسمح الكمبيوتر للمستخدم جنبا إلى جنب مع خط الهاتف وجهاز التلفاز لملاك البيوت باستعراض السلع ومقارنة الأسعار والتسوق على الشبكة.
ولم يعد عملاء البنوك يعولون على مواعيد البنوك عند سحب الأموال أو الحصول على معلومات حول الحساب المصرفي، فقد صار لدى العديد من مكتبات المدارس مصدر مرجعي جديد متمثل في الموسوعة الإلكترونية. وتتصل المكتبات بالموسوعات الإلكترونية بواسطة الكمبيوتر الخاص، حيث صار من السهل الاطلاع على الحقائق من خلال شاشة الكمبيوتر أو إرسالها إلى الطابعة.
وعبر استخدام الاتصالات اللاسكلية صارت فرصة الوصول إلى كم هائل من المعلومات الكائنة في قواعد البيانات التجارية الضخمة لا يمكن تصديقها.
ويمكن لأجهزة الكمبيوتر في غضون ثوان معدودة الوصول إلى معلومات وعرضها على شاشتها. واليوم تأتي خدمات المعلومات بفرص تعلُّم جديدة وبيانات جديدة للبيوت من خلال الاتصالات اللاسلكية.
ببساطة نحن في عصر المعلومات ولعبت تكنولوجيا الاتصالات اللاسكية دورا مهما في هذا العالم، وكان لهذه التكنولوجيا بالفعل أثرا كبيرا على الوسائل التقليدية لنقل المعلومات عبر مسافات بعيدة. ولقد غيرت هذه التقنية أيضا من وسائل التعامل مع هذه المعلومات وتخزينها، فهي تعمل بشكل مستمر وبهدوء على تغيير نمط حياة البشر.
تكنولوجيا بشرية
ليس من السهل على المرء أن يميز بين الخصائص التي نميل إلى خلعها على التقنيات المحيطة بنا، وكما قالت سليست أولالكياج «لقد بدأ كل من الجسم والكمبيوتر بصورة بطيئة في تبادل خصائصهما الخاصة، فالجسد يميل إلى الآلية بنفس المعدل الذي تجنح فيه التقنية إلى الصفات البشرية»، وحتى يتسنى لنا فهم التغيرات التي طرأت على رؤيتنا للتكنولوجيا يجب علينا أن نرقب العملية التي تحث على هذه التغيرات. وكما يقول جولدمان (في كتابه حروب الرموز) فإن «كل إعلان ما هو إلا تمرين على تشكيل المعنى، وهؤلاء الذين يسيطرون على أطر المعنى يميلون إلى ممارسة قوة غير متكافئة على الأطر التصورية المستخدمة في تفسير وتبيان مغزى العالم علناً». ولو وضعنا هذا في الاعتبار، سنجد أننا نشاهد إعلانات التكنولوجيا التجارية التي تذكرنا بحقيقة أن التكنولوجيا تمس حياتنا جميعا كل يوم. وفي الوقت الذي قد تصح فيه هذه الحقيقة في بعض جوانبها، نجدها تخفق في استيعاب حقيقة أن الأساليب التي تؤثر بها التكنولوجيا على حياتنا ليست بالضرورة إيجابية.
دور اجتماعي
إن شركات التكنولوجيا تود أن تظهر بمظهر المساهم الصادق الأمين في تحسين حياتنا اليومية، على سبيل المثال نجد في أحد إعلانات شركة AT&T تصوير لعلاقة زوجية، يظهر فيها الزوج على الرغم من اضطراره للرحيل واللحاق بطائرته، إلا أنه يرسل إليها بفاكس بواسطة الكمبيوتر النقال من الطائرة فتجد رسالة حب مطبوعة تسقط على أرضية المطبخ. من الواضح أن شركة AT&T تنتقل إلى مجال العلاقات الشخصية، فيما تدعي أننا «نستطيع أن نمارس العمل والمتعة» معا، أي أنه لا يتعين علينا الاختيار بين العمل والمتعة، ذلك أن التقنيات التي تقدمها الشركة لا تقتصر على تسهيل عملنا ورفع كفاءته، بل تعمل على الرقي بعلاقاتنا الشخصية أيضاً! إن شركة AT&T توفر لنا أسلوبا آخر نستطيع من خلاله التواصل مع أحبائنا، ومن يدري، فقد تتحول الحلول الناشئة الآن والتي هدفها مصاحبة عائلاتنا وأصدقائنا إلى أحد أكثر الوسائل شيوعا للاتصال بهؤلاء الناس في المستقبل.
ويشتمل إعلان آخر لشركة AT&T على نفس هذه الرسالة وفيها تظهر فتاة صغيرة تطلب من أمها اصطحابها إلى الشاطئ، وفيما تتردد الأم في البداية بسبب ظروف عملهاالمزدحم، إلا أنها سرعان ما تجد حلا لهذه المشكلة، هاتف خلوي طراز AT&T! وهذاالعنوان، بالإضافة إلى تبيان النقطة السالفة الخاصة بالرقي بحياتنا الشخصية يخاطب الأم العاملة بصورة مباشرة، فعلى الأم العاملة أن تتعامل مع إحساسها بالذنب النابع من فكرة أن التزامها بعملها يدفعها إلى إهمال واجباتها العائلية.
وتقدم شركة AT&T لها سبيلا للتخلص من الشعور بالذنب: والآن تستطيع الأم العاملة إشباع متطلبات الجميع من خلال التفاعل القائم بين الحياة العملية والحياة العائلية بواسطة التكنولوجيا.
وبهذه الطريقة تصور شركة AT&T التكنولوجيا على أنها أداة تحرير من التنافر القائم بين العمل والبيت.
التكنولوجيا والتطور
إن مبدأ التطور كائن في الغالبية العظمى من الإعلانات التكنولوجية الحالية، متساويا عادة مع بعض المبادئ أمثال التقدم والفعالية، فيجب أولا فحص معان وإيحاءات كلمة «التطور» في المجتمع المعاصر.
إن مبدأ التطور في الوقت الحاضر يميل إلى التأكيد على محاولة التقدم للأمام بأسلوب عقلاني بصورة وظيفية، بحيث يتم عمل تغييرات أكثر تعد بالنهوض بحياتنا الفردية أو بالمجتمع ككتلة واحدة.
و«التطور» يشير إلى التوسع المستمر، ويرتبط بالنمو التكنولوجي ارتباطا وثيقاً.
وقد أشار كثير من المؤلفين إلى «النموذج العام للتطور في العلوم والتكنولوجيا، والذي يبدو النمو الاقتصادي وتوسع القوى السياسية الاجتماعية بالنسبة له تتمة طبيعية، ومثل كثير من النماذج، فمميزات التطور تلقى قبولا بصورة عامة دون أي ريب ونادرا ما تجد أي تحد يعترضها».
ويربط بيسر بين فكرة التطور هذه وما يطلق عليه «الضرورة التكنولوجية»، أو «فكرة أنه إذا بالإمكان إنجاز أمر ما، يجب (ولا مناص من إنجازه). إن هذه الضرورة التكنولوجية تشجعنا على الترحيب بكل اختراع ومحاولة وضعه في موضع التنفيذ، كما أن هذه الضرورة تؤثر على رأينا في المصاعب التكنولوجية التي يمكن التكيف معها، بحيث لا ننظر إليها على أنها إمكانات قائمة، بل على أنها أشياء ضرورية. ووفقا لنفس هذا النمط الفكري وكما يصيغها بيسر «فالعلة الوحيدة الحقيقية التي تدفعنا للتردد ستكون مادية» (إن الجانب المادي للتكنولوجيا نادرا ما يذكر في إعلانات التلفاز)، وذلك أن «أي شخص في كامل قواه العقلية سيختار الحل التكنولوجي».
وهناك إعلان حديث لشركة MCI يضع تعريفا للتكنولوجيا على أنها «كسر الحواجز»، وهذا التعريف يبدو مرادفا للتطور لو نظرنا له في إطارإعلاني.
وفي هذا الإعلان تفترض شركة MCI أن المشاهد يشاركها نظرتها للتطور (كما تعرفه هي وغيرها من شركات التكنولوجيا الأخرى) على أنه سبيل لمجتمعنا.
والسؤال الحقيقي يكمن في أي «نوع» من التطور يجب على المرء اختياره أو شراؤه.
مبدأ الإنجاز
لقد درس كثير من الكتاب مبدأ التطور في مجتمعنا المعاصر، وكما يشرح لنا جولدمان فإن «الإعلان التجاري يساوي بين (التطور) والإنجازات العملية»، وفي نفس هذا الإطار يتبحر أولالكياجا في فحص فكرة التطور في الخمسين عاما الماضية، ويكتشف أن التطور في مجتعنا هذا كان مرادفا للسرعة وأدنى مجهود ممكن.
إن فهم الايحاءات الإيجابية الضمنية لل«تطور» تعيننا على النظر بعين ناقدة للإعلانات التي تجنح لاستغلال فكرة التطور هذه لغرض حملنا على شراء منتجاتها التكنولوجية. لماذا نشكك في المفهوم الحالي الإيجابي (والذي قد يكون مثاليا) للتقدم في الإطار الاجتماعي الأوسع؟ وكما يصرح بودريلارد، فالسبب هو أن «المجتمع التكنولوجي يزدهر بناء على الأسطورة الراسخة التي تقول بأن التطور التقني المستمر المصحوب بالتدهور الأخلاقي للإنسان المتعلق به» والذي يفسره أيضا بقوله إن الانحلال الأخلاقي يحول التطور التقني إلى القيمة الوحيدة الخاصة (ويحولها أيضا إلى السلطة المطلقة المهيمنة على مجتمعنا، مشيراً إلى عجز البشر عن حل مشكلاتهم من تلقاء ذاتهم)، وفي نفس الوقت لا يتحمل نظام الإنتاج أي نوع من المسؤولية» وترتبط أسطورة تلاقي التكنولوجيا وانسجامها مع الانتاج والاستهلاك بأسطورة التقدم التكنولوجي.
ويعتقد بودريلارد أن نظام التقنيات والأشياء من المستحيل أن يتطور بأي شكل من الأشكال بصورة متسقة بينما يستمر نظام العلاقات بين الأشخاص القائمين على انتاجها في الركود والتراجع.
إن السواد الأعظم من المعلنين عن المنتجات التكنولوجية على علم بالصعوبات المتمثلة في هذا التناقض، لذا يلجأون إلى خلع صفة إنسانية ملموسة على شركتهم، مطعمين إعلاناتهم بشريحة عريضة من الأفراد الذين ينتمون إلى ثقافات وأعراق وخلفيات متباينة (بما في ذلك الجنس والسن.
مقتبس من
العالم الرقمي
http://www.al-jazirah.com/digimag/05102003/por12.htm