خدعوه بقولهم ( أنت مبدع!)
كتب مصطفى بونيف
خدعــــوه بقولهم ( أنت مبدع !)
عندي صديق ، أكاد أن أجن منه ، مشكلته أنه يعتبر نفسه أديب زمانه ، وشاعر عصره ...وهو في حقيقة الأمر يكاد لا يفرق بين الألف وكوز الذرة ..
وأكثر المصائب التي تلم بي حينما يراني أقطع الشارع بالصدفة ( يا مصطفى تعال دقيقة ...عندي لك خاطرة جديدة ، كتبتها بالأمس ، عندما كانت السماء تمطر)...
فأجيبه وأنا أغز بأسناني ( معلش ، أنا مضطر عندي موعد هام جدا ، انتظرني عندما يأتي المساء ) ..ولكن صاحبي يتيس رأسه ..ويمسكني من يدي ، كالشرطي الذي يمسك لصا متلبسا بسرقة بطيخة في السوق ..( تعال هنا ) .
ويرميني على الكرسي ...نسيت أن أخبركم بأن صاحبي هذا ..حلاق !
يخرج صاحبي من جيبه ورقة ثم يقول في ثقة ( اسمع يا سيدي !) ...ولا يلقي علي مسامعي خاطرته حتى يذلني بالانتظار ( هيا يا عندليب ، هل ستغني قارئة الفنجان ..؟) ...
وفجأة يصعقني بعنوان الخاطرة ( أنا لست مهندا ، وأنت لست لميسا ! ) ..
استلقيت بطولي على كرسي الحلاقة ، لأن الخاطرة على ما يبدو من عنوانها مسلسلا تركيا ..ولا حول ولا قوة إلا بالله ...
دخل صاحبي في المسلسل ...أقصد الخاطرة ...
( لست مهندا يا غزالي الشارد ، ولست لميسا بل أنت أجمل من لميس ..) فأعلق في قرارة نفسي ( عبلة الهبلة أجمل من لميس ...؟ روح يا شيخ ربنا يهدك )
ثم أقول له وأنا أهز رأسي ( برافو ، ممتاز بداية قوية ) .
يواصل صاحبي قراءة خطابه ( لميس ليست كستنائية الشعر والعيون مثلك يا محبوبتي ..يا كستنائية الشعر والعيون يا غزالتي ) ...فأهمس بين نفسي وبيني ( عبلة كستنائية الشعر والعيون ، أنا أعرفها جيدا قرعة وعمشاء ) ..
وواصل صاحبي يقرأ ، وينفعل كأنه في أمسية شعرية بدار الأوبرا ، والقاعة مكتظة بالجماهير ..( لا يا حبيبتي الغالية الرائعة ، إن الجمال هو جمال الأخلاق ، ولميس لا أخلاق لها ، لأنها خانت حبيبها مع عشرين رجلا ، أما أنت يا غزالتي منذ أنا ولدتك أمك تحبينني وأحبك )
فأعلق في قرارة نفسي لأنني لا أجرؤ على البوح بتعاليقي أمام معدات الحلاقة ..
( عبلة الهبلة عندها أخلاق ، ماشية مع نصف شباب البلد ، والنصف الثاني يشاور عقله ، ويتبادل معها الرنات ، شحال إذا لم تمسك في خمس قضايا آداب ،وحالة اغتصاب ، طبعا ليس هي الضحية ، بل وجدوها تهم باغتصاب شابين ..)
ثم أصرخ : " الله عليك يا فنان ...هذا من أقوى المقاطع التي سمعتها في حياتي ، للدفاع عن الأخلاق ..برافو حقيقة برافو يا شاعر يا فنان !
وبحماس واصل صاحبي خاطرته ، وقال عبارة خرمت طبلة أذني ( وأنا أوسم من مهند !) ...
لا أريد أن أقول شيئا عن صاحبي الذي هو أوسم من مهند بمراحل ، فصاحبي سبحان الله يتمتع بعينين كلتاهما يمين ..واحذر إذا حلقت عنده أن يقطع شحمة أذنك ..
ثم واصل ( حسبي الله ونعم الوكيل ، على الناس أصبحوا يؤمنون بالمظاهر فقط ، إن المظاهر خداعة ، أنظروا إلى القلب أيها البشر ، فالقلب هو العنصر الحقيقي عند الإنسان ، يجب أن ننظر إلى الأخلاق ، وأنا لست مهندا في الشكل ، ولكنني مهند في القلب ...) ثم واصل متأثرا ( أنا لست مهندا ، وأنت لست لميسا ، أنا عبد القادر وأنت عبلة ..أنت عبلتي صاحبة الأخلاق العالية ) .
وما إن أنهى صاحبي خاطرته البديعة ..قلت له ( احلق لي ذقني ) ..نظر إلي وقال ( ليس قبل أن أعرف رأيك في خاطرتي ) ..قلت له ( خاطرتك هذه المرة ممتازة ، تفوقت فيها على نفسك ، ولكنني أنصحت أن تكثر من المطالعة ، وبما أنك كاتب عاطفي ، أنصحك بقراءة دواوين نزار قباني ، وكتب جبران ..).
نظر إلي صاحبي نظرة الكافر لمن صبأ ...( أنت تنصحني أن أطالع ، أنا عبد القادر شاعر الدنيا وشاغل الناس ، عندما كنت أطالع كنت أنت تدرس في الحضانة ..) ، وكاد أن يذبحني بالموسى التي بين يديه !
يبدو أن أديبنا لا يحب النقد ...
ثم قال لي ، أنا عضو في أهم المنتديات الالكترونية على شبكة الأنترنت ، وقال لي أعضاء المنتدى بعدما قرأوا خاطرتي ما قبل الأخيرة ( أنا لست نور الشريف ، وأنت لست بوسي ) ..قالوا لي ( أنت مبدع !) ...فعلقت ( هل ستقول لي ، أنا أعرفهم ..؟!) ...
العجيب حقا أن صاحبي أخذ في نفسه مقلبا ، وعقد العزم أن يطبع كتابا يحتوي مجموعة من خواطره ...ووعدني بنسخة هدية عليها توقيعه !
مصطفى بونيف