النار التي تحرق فضائية الجزيرة كالنار التي تشتعل بالحقيقة، تزيدها جلاءً وضياءً، وكلما اشتعلت نار الحقد على هذه الفضائية كلما تردد صداها في أماكن ما دقت أبوابها من قبل، فما أحوج الناس في بلاد العرب لهمس الحقيقة، لتردد ألسنتهم صرخة الغضب، وما أحوج الناس في بلاد العرب لأن يكتشفوا واقعهم الذي يغرق في الدموع، وتثخنه الجراح، لكي يتعرفوا على طاقتهم التي تهد الجبال، وإمكانياتهم التي تبنى الأمم، فجاءت فضائية الجزيرة لتميط اللثام عن الوجه القبيح للأمة، ليتفجر فيها التحدي، وتتكور قبضات أبنائها.
فضائية الجزيرة لم تقل نحن مع سعد الحريري، ولا نحن ضد محمود عباس، ولم تقل نحن مع حسن نصر الله، ولا نحن ضد حماس، فضائية الجزيرة نبضت بالحدث، فألهبت الإحساس. فالجزيرة لا تصنع الخبر وإنما هي مرآة ينظر فيها الواقع إلى نفسه، ويراقب معها الجديد، حين تلتقط الفضائية لحظة ازدحام السحاب واحتكاكه، وتوالد الشحنة الكهربائية، فتسارع إلى التبشير بالمطر، ورجفة الشجر.
لما سبق؛ كان منطقياً تحرك أنصار سعد الحريري في طرابلس وبيروت ضد فضائيه الجزيرة، وإشعال النار في عربة بثها رداً على نشرها وثائق تفضح مستور المفاوضات الفلسطينية مع إسرائيل، وكان منطقياً أن يقتحم أنصار محمود عباس مقر فضائية الجزيرة في رام الله في اللحظة ذاتها انتصاراً لسعد الحريري، حليفهم الذي يأخذ سلاحه وماله من إسرائيل وأمريكا، حليفهم الذي لا بد أن ينتصر وإياهم في لحظة واحدة، أو أن يهزم في اللحظة ذاتها، فانتصار الحريري نصر لعباس، وقوة عباس هي السند القوي لسعد الحريري.
لما جرى، فإن الخلاف في لبنان ليس طائفياً، والانقسام بين غزة والضفة الغربية ليس جغرافياً، وإنما نقطة الافتراق واللقاء بين كل العرب ترتكز على رفض التبعية والاستسلام، أو تنكيس راية المقاومة، وهنا يجيء الخبر الذي يحاكي الزيف أو ينطق بالحقيقية؟ وهنا تجيء الصورة التي تبثها فضائية الجزيرة، أهي صورة وديعة أم صورة مشاغبة؟.
إنها الثنائية، والتضاد الذي ينسحب على كل بلاد العرب، وهو الذي مكن فضائية الجزيرة من تأسيس حلف جماهيري يمتد من المحيط إلى الخليج، إنه حلف الشرفاء الباحث عن الحرية والكرامة، حلف لا إله إلا الله محمد رسول الله، الحلف الوطني الذي يتحدى حلف أمريكا وإسرائيل. ويتحدى أولئك الذين ينفقون من المال الأمريكي، ويحملون السلاح الإسرائيلي في أيديهم، يقتلون برصاصه المقاومة، قبل أن ينقضوا على فضائية الجزيرة، ويشعلون فيها النار، يكممون فمها، ويرجمونها بما جللهم من عار.