سحر الابتسامة آخر تحديث:الأحد ,26/04/2009

صالح الخريبي



الدكتور ديزموند موريس، العالم في السلوك الإنساني، يقول إن الناس يملكون رادارات شديدة الحساسية في دواخلهم، يستطيعون بواسطتها التمييز بين الحقيقي والزائف، بين السلوك النابع من القلب والسلوك الذي يستهدف المجاملة ومحاولة كسب الود، ولذلك فإنك لن تستطيع خداعهم مهما حاولت. وقد حاول جان بول سارتر الخداع، وطالبنا بأن نقيس ابتساماتنا بالسنتيمتر، نخرج من المنزل، ونقابل الناس، ويبتسم لنا أحدهم، فنتأمل في وجهه، ونقيس ابتسامته، فإذا كان طول الابتسامة ثلاثة سنتيمترات، نبتسم له ابتسامة بنفس الطول، وإذا ابتسم أحد لنا ابتسامة طولها سنتيمتران فإننا نرد عليه بسنتيمترين ابتساماً لا أكثر ولا أقل، وكانت النتيجة أن الابتسامة تحولت على يد سارتر إلى معادلة حسابية، ولذلك فإن هذا الفيلسوف لا يبتسم، حتى في الصور تراه بعينين جاحظتين، وتكشيرة، وكأن هنالك ثأراً بينه وبين الآخرين، فقال كلمته المشهورة: “الآخرون هم الجحيم”. حتى صديقته سيمون دي بوفوار تبين أنها لم تكن تحبه، وأنها كانت تعتبره مضجراً، وأن علاقتها معه مجرد حملة إعلانية لترويج فكرها الفلسفي وكتاباتها.. أما حبها الحقيقي، فقد منحته للكاتب الأمريكي نيلسون جرين، وفي الرسائل التي تبادلها الاثنان كانت سيمون تقول له: إنني على استعداد للعيش كجارية في منزلك، أغسل وأطبخ وأكنس وأرعى الأولاد، وأنتظر عودتك في المساء لكي أحس أنني أعيش.

وعندما انتخب هارولد ماكميلان رئيساً للوزراء للمرة الأولى التقط له مصور الوزارة مجموعة من الصور، فوجدها ماكميلان باهتة، والابتسامات فيها مصطنعة، ومزيفة، توحي بشخصية هشة أكثر مما توحي بشخصية متماسكة، فقال للمصور: اسمع، سأقفز في الهواء، وعندما أهبط إلى أسفل، التقط الصورة، لأن الابتسامة التي تظهر على وجهي في ذلك الحين ستكون ابتسامة حقيقية.. وغير مصطنعة.

ويقول علماء السلوك إن الناس يكرهون الابتسامة التي تظهر بشكل مفاجئ لأنها ابتسامة تمثيلية، ابتسامة للكاميرا، أما الابتسامة الحقيقية، فإنها تضيء الوجه بالتدريج، وتختفي بالتدريج أيضاً.

والابتسامة الحقيقية لا تصنعها الشفتان، وانما يشارك في صنعها كل جزء وكل زاوية من أجزاء وزوايا الوجه، فالعينان تشعان ببريق غريب، وملامح الوجه بأكمله تبدو أكثر إشراقاً، وعندما تكون الابتسامة نابعة من القلب يشارك فيها الأنف والوجنتان، وحتى الشعر، ويكون دور الشفاه هو الأقل في ذلك.

وعندما جلست الموناليزا أمام ليوناردو دافنشي ليرسمها، وابتسمت تلك الابتسامة التي لا تزال تسحر الناس منذ خمسة قرون لم تصنع ابتسامتها الشفتان، فقد ظلت الشفتان مغلقتين، وكانت الابتسامة هي تلك المسحة السحرية التي تغطي الوجه بأكمله، وتجعل صاحبتها قريبة إلى قلب كل من شاهدها.. وحتى الآن ما زال الناس حائرين بتلك الابتسامة التي نقلها دافنشي بصدق.

وفي الماضي كانوا يقولون: ابتسم تبتسم لك الدنيا.