إيلاف / السبت 12 أبريل 2008
عنوان الكتاب: The Bin Ladens An Arabian Family in the American Century
عائلة بن لادن: عائلة عربية في القرن الأميركي.
الكاتب: ستيف كول " Steve Coll"
دار النشر: Penguin Press HC
تاريخ النشر: ابريل 2008.
عدد الصفحات: 688 صفحة.
واشنطن: على عكس العديد ممن فضلوا الكتابة عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وانعكاساتها على السياسة الأميركية على الصعيدين الداخلي والخارجي، وتقييم إجراءات الأمن القومي الأميركي، وتوقع مسيرة ومستقبل الإرهاب عالمياً، كتب ستيف كول Steve Coll عن نشأة وحياة شخصية فرضت نفسها على المؤرخين وكتاب التاريخ، وهي شخصية زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن.
ويختلف هذا الكتاب عن غيره من الكتب الأخرى في أن كاتبه رجل ذو باع في العمل الصحفي، فقد حصل مرتين على جائزة بليتزر Pulitzer في المجال الصحفي، وكاتب في العديد من الصحف والمجلات الأميركية كالواشنطن بوست The Washington Post وقد كان مدير تحريرها، ومجلة نيويوركر The New Yorker، وهو حالياً رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لمؤسسة أميركا الجديدة The New America Foundation وهي مؤسسة غير حزبية، يقع مقرها بالعاصمة الأميركية واشنطن Washington DC. فضلاً عن أنه يتناول السياق الاجتماعي لأسامة بن لادن بعيداً عن التركيز على الحرب الأميركية على الإرهاب (سياسياً). وأنه يُنشر في وقت تشهد فيه الساحة الأميركية حالة من التنافس المحتدم بين المرشحين للاستحقاق الرئاسي القادم أواخر هذا العام (نوفمبر 2008)، واحتلال قضية الحرب على الارهاب أحد أولويات الناخب الأميركي، فضلاً عن تزايد دور زعيم تنظيم القاعدة في الآونة الأخيرة إلى أن أصبح الأب الروحي للعديد من المنظمات والجماعات الإرهابية المنضوية تحت لواء تنظيم القاعدة، أو تلك المتبنية للجانب التكتيكي والعملياتي للتنظيم.
تاريخ أسرة بن لادن. من الفقر إلى عالم المال
باختلاف الأسماء والمواقع قد يُدرك المواطن الأميركي كتاب سيف كول حول قصة عائلة بن لادن للوهلة الأولي كإحدى القصص الأميركية البطولية المألوفة. فيركز هذا الكتاب على النقطة المفصلية في تاريخ تلك العائلة، وهي نزوح عامل البناء الأمي اليمني "محمد بن لادن" إلى أحد بلدان الثروة النفطية، المملكة العربية السعودية. وبعد فترة ليست بطويلة أصبح هذا الرجل "محمد بن لادن" من خلال العمل الشاق والطموح والموهبة أحد دعائم التطوير في المملكة العربية السعودية، فساهم في بناء العديد من المساجد العظيمة والطرق السريعة، والتي جعلته هو وأولاده من أصحاب الثروة التي تٌقدر بالمليارات. فخلال جيلين انتقلت العائلة بن لادن من وادي الصحراء الجدب إلى حياة الرفاهية من طائرات ويخوت ومركبات خاصة حول العالم، فضلاً عن صفقات عمل مع مشاهير هوليود.
وتبدأ رحلة الكفاح بنزوح محمد بن لادن من اليمن إلى المملكة العربية السعودية، ذات الوفرة النفطية ما بين الحربين العالميتين، ومع بداية الطفرة النفطية السعودية وجد "محمد" فرصة عمل في مجال البناء بشركة أرامكو Aramco، شركة النفط العربية ـ الأميركية. وأكثر من كونه عامل جيد، كان "محمد بن لادن" منظماً ومتمتعاًً بقدرات فطرية في مجالي الأعمال والهندسة، وقد ساعدته تلك القدرات الفطرية في أن يُدشن شركته الخاصة في عام 1935 بمساعدة رب عمله. ونجاحه في بناء مساكن الأمراء، أهله لأن يحظي بإعجاب الأسرة الحاكمة بالمملكة، والتي أوكلت إليه بناء أول المساكن الملكية. والتي تبعها النجاحات فأُوكل إليه إنشاء شبكة الطرق بالمملكة، وتجديد الحرمين الشريفين بمكة المكرمة والمدينة، ومسجد عمر بالقدس، وبناء المنشآت العسكرية لضمان أمن سلالة حكم "آل سعود".
ويتطرق الكتاب إلى تعدد زيجات "محمد بن لادن"، فعلى الرغم من تشدده في الصلاة إلا أنه كان يتمتع بنظرة ـ حسب الكاتب ـ ليبرالية (منفتحة) بشأن القيود القرآنية لتعدد الزيجات، والتي كانت في الغالب لأسباب العمل، بعيداً عن النزوة، وقد ظلت العديد منهن تعيشن معه في حين طُلقت بعضهن قانونياً. وفي عام 1958ـ فقط ـ ولدت زوجاته سبعة أطفال كان من بينهم أسامة بن لادن من أم سورية ـ كان عمرها آنذاك 15 سنة ـ انفصل عنها محمد بسرعة. وقبل وفاته في عام 1967 في تحطم طائرة أثناء تفقده لأحد مناطق الإنشاء بالصحراء كان أباً لما لا يقل عن 54 ابناً، ورغم تعددهم إلا أنه اهتم بهم جيداً.
وفي جزء من هذا الكتاب يركز كول على الجانب المالي لثورة محمد بن لادن، فيقول أنه كان من الصعب حساب ثروته، وأنه لم يكن مهتماً بإدارة أمواله بالمملكة العربية السعودية، فقد كانت الأسرة الحاكمة بالمملكة مديونة له بما يُقدر بـ (100) مليون دولار. ولكن حسب الشريعة الإسلامية أعرب عن رغبته في أن يحصل كل من أبنائه ـ الذين وصل عددهم إلى 25 ابناًـ على 2.7 في المائة من أصول شركاته، وأن تحصل كل بنت على 1 في المائة. وهذه التركة تضمن لهم إنهاء تعليمهم وهناء العيش، مع بعض الفائض إلى أمهاتهم المطلقات التي لا تحصلن حسب الشريعة الإسلامية على أي جزء من التركة.
وعلى عكس ما هو شائع، لم يُولد ورثة بن لادن أغنياء بثروات مالية هائلة. فأغلب الذكور توجهوا للعمل بالشركة العائلية وكونوا ثرواتهم بشكل تدريجي. ولكن أسامة، حسبما كتب كول، كان استثناءاً فلم يكنز أمواله لأسباب سياسية إسلامية.
ويضيف كول أن ثروته الشخصية لم تكف في تمويل الأنشطة والشبكات الإرهابية التي أنشأها، لذلك اتجه إلى جمع الأموال من "المؤمنين الحقيقيين" داخل العالم الإسلامي بمفهومه الواسع.
النشأة الاجتماعية لزعيم تنظيم القاعدة
رغم أن أسامة بن لادن لم ينفصل عن أسرته، إلا أنه ترعرع في كنف أسرة غير تلك التي نشأ فيها أقرانه، فنشأ في بيت زوج أمه ـ الذي اختاره أبوه "محمد" ـ بجدة. وكان من حين إلى أخر يذهب إلى سوريا لزيارة أقارب أمه. ويصفه العديد من أفراد أسرته وأقرانه الذين تحاور معهم كول بالخجول.
وبعد وفاة والده التحق أسامة بمدرسة خاصة جيدة ـ انجليزية في التوجه الأكاديمي وسعودية في التوجه الديني ـ، وفي مرحلة المراهقة انجذب إلى جماعة الإخوان المسلمين، تلك المنظمة التي انتشرت في معظم المجتمعات العربية خلال تلك الفترة، والتي كانت تدعم الأفكار الأصولية. وفي سن السابعة عشر تزوج من ابنة عمومته التي كانت في سن الرابعة عشر، والتي أنجبت له ولد بعد فترة قصيرة من الزواج. وعلى الرغم من تركيزه في التعليم الديني إلا أنه برع في دراسة التجارة والتكنولوجيا. وبعد التخرج انضم إلى أخوته غير الأشقاء للعمل بشركة البناء العائلية.
بدايات العمل الجهادي
يمثل عام 1979 نقطة محورية لأسامة بن لادن، ذو 21 ربيعاً في ذلك الوقت، وللمملكة العربية السعودية. فكان عام الثورة الإسلامية الإيرانية التي أشعلت الكفاح الديني على نطاق واسع. فعلى إثر اقتحام القوات للمجسد الحرام بمكة المكرمة، أضربت القوي الإسلامية الراديكالية ، والتي قمعتها القوات في معركة دامية، والذي نتج عنه حالة من عدم الاستقرار. فاستنجدت الأسرة الحاكمة بالولايات المتحدة للحفاظ على بقائها، وخولت واشنطن بناء قواعد عسكرية على الأراضي السعودية.
وقد كانت تلك السنة مفصلية لأسامة بن لادن، حيث رفض وجود تلك القوات "الكافرة" على أراضي المملكة العربية السعودية، والذي ولد توتراً بين أشقائقه الذين حققوا مكاسب طائلة من هذا المشروع (إنشاء القواعد العسكرية الأميركية بالمملكة). ولكن بعد عام من التوتر بين أسامة بن لادن والأسرة الحاكمة السعودية وأشقائه بشأن الوجود الأميركي على الأراضي الأميركية، غزا الاتحاد السوفيتي السابق أفغانستان. وكانت تلك بمثابة فرصة ذهبية له، حيث سارع في تقديم جل المساهمة للمقاومة الأفغانية، والتي كانت إسلامية بالأساس، وذهب إلى باكستان لمراقبة توزيع الأموال. وقد بدأ عمله بمعارضة الشيوعية والنفوذ الشيوعي، والذي غطي على الشقاق مع أشقائه، وأجل الشقاق مع الأسرة الحاكمة وحلفائها الأميركيين.
وبحلول منتصف الثمانينيات، انتقل بن لادن من الأمور والمسائل النقدية إلى توريد السلاح للقوات الأفغانية غير النظامية (المجاهدين)، ثم إلى تعبئة وتجنيد المقاتلين العرب للقتال بجانب المجاهدين الأفغانيين. وفي ذلك الوقت كانت الأسلحة رخيصة، فواشنطن كانت تغرق السوق بالأسلحة، وعلى رأسها صواريخ ستنجر المضادة للطائرات، والتي أكدت الهزيمة الروسية. ويشير الكتاب إلى عدم وجود محاضر لقاءات بين وكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA) وأسامة بن لادن. فالوكالة كانت تعرفه ولكنها لم تبد أهمية خاصة له أو وعي للخطر الذي يمثله كفاحه.
بن لادن ينشأ تنظيم القاعدة.مرحلة جديدة من العمل المسلح
عقب انسحاب السوفيت من أفغانستان في 1988 أسس بن لادن تنظيم القاعدة، ثم عاد مرة أخري إلي المملكة العربية السعودية، تاركاً خلفه في أفغانستان تابعين له؛ لتأييد حركة طالبان الأصولية في صراعها فيما بعد الحرب مع الفصائل الأفغانية الأخرى. ولكنه لم يتصالح مع الأسرة الحاكمة، فقد دخل معها في شقاق جديد علني هذه المرة على إثر دعوتها القوات الأميركية استخدام أراضي المملكة العربية تمهيداً لشن حرب على العراق، التي كانت تلوح بالأفق آنذاك، لغزو صدام الكويت في بداية التسعينيات من القرن المنصرم.
وكان من شأن مواقف بن لادن أن جعلت أشقائه في موقف صعب (معضلة صعبة)؛ لرغبتهم في تحقيق المزيد من الأرباح من بناء القواعد والمؤسسات الأميركية، وعدم الانفصال عن الأخ. ولكن أشقائه اتخذوا قراراً بقطع راتبه من الشركة لعدم إغضاب الأسرة الحاكمة. والذي دفع أسامة بن لادن وزوجاته الثلاثة وأحد عشر ابنا وعدد غير محدد من البنات إلى اختيار المنفي إلى السودان لصعوبة البقاء بالمملكة العربية السعودية. وفي عام 1996 طار مرة ثانية إلى أفغانستان، حيث استقبل استقبالاً حاراً من المتعاطفين معه بأفغانستان ومن على الحدود الباكستانية، وظل هناك حتى يومنا هذا.
ويركز كول في أجزاء من كتابه على العمليات المسلحة المنسوبة لأسامة بن لادن والقاعدة، وعلى تزايد منحي الغضب السعودي والأميركي حيال أسامة بن لادن. وحسب كول ليس هناك مجالاً للشك في أن قدرات أسامة بن لادن التنظيمية، وقدراته العالية في جمع الأموال مازالت قوية وحادة. فقدراته الهندسية جعلت كهوف تورا بورا منيعة على القوات الأميركية.
ويؤكد كول أن العديد من أقاربه مازالوا يحتفظون بمشاعر دافئة له، ولكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر أجبرتهم على ضرورة أن ينأوا بأنفسهم عن أفعاله. فأشقائه المسئولين عن شركة عالمية أخذوا مواقف صارمة تجاه أفعال وسياسات أسامة بن لادن إلا أن أخواته البنات يبدون أكثر تعاطفاً معه. ويشير كول في كتابة أن الحديث عن أن أشقائه يرسلون له أموالاً سراً شيئاً غير مؤكد.
وفي النهاية يمكن القول، أن هذا الكتاب يتناول في صورة بسيطة وسهلة التكامل العالمي ومعوقاته، وتناقضات العولمة في قصة أسرة واحدة، استعملت المال وحرية الحركة والتنقل والتقنية إلى نهايات مختلفة بشكل دراماتيكي. فتلك الأسرة تضم تيارين على طرفي نقيض أحدهما يكن كل مشاعر الحب والاحترام للولايات المتحدة، وراغباً في الاندماج والاستفادة منها، وعلى شقاق مع التيار الأخر الراغب في تدمير الولايات المتحدة الأميركية والتخلص منها.