إسرائيل والإبادة الجماعية
د. غازي حسين
عندما يمر شهر نيسان من كل عام تجول في عقلي ووجداني ذكرى شهداء المجازر التي ارتكبتها العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة بحق شعبنا العربي الفلسطيني في هذا الشهر من عام 1948 .
وتأتي في مقدمتها مذبحة قرية دير ياسين، حيث أبادوا سكان القرية جميعهم، واستغلوها مع المجازر الأخرى لترحيل شعبنا العربي الفلسطيني من مدنه وبلداته وقراه، لإقامة المستعمرات اليهودية على أنقاضها.
وشكلت مجزرة دير ياسين نقطة تحول في تاريخ الشعب الفلسطيني، لأنها أدت إلى نشوء مشكلة اللاجئين.
وعندما تأسست إسرائيل بدعم من الدول الإستعمارية، واستغلال معزوفتي اللاسامية والهولوكوست وتواطؤ آل سعود وأمراء العائلة الهاشمية، أشعلت في 14 أيار 1948 الحرب العدوانية التي سببت في نكبة الشعب العربي الفلسطيني وترحيله من وطنه وتوطين المهاجرين اليهود (الأشكناز) محله.
وكانت الوكالة اليهودية قد وضعت أول مخططات الترحيل عام 1937 ونتجت قضية اللاجئين الفلسطينيين عن مخططات الترحيل الصهيونية، ومنها الخطة (دالت) التي وضعتها البالماخ الجناح العسكري لعصابة الهاغانا وقرارات وممارسات أول حكومة إسرائيلية شكلها بن غوريون، وارتكاب المجازر الجماعية وحربي عام 1948 و1967 .
وبالتالي يتحمل الكيان الصهيوني المسؤولية التاريخية والقانونية والمادية والسياسية والأخلاقية عن نشوء مشكلة اللاجئين وعدم حلها حتى اليوم بتطبيق المبادئ الواردة في العهود والمواثيق الدولية وقرار الأمم المتحدة رقم 194 وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 237 وأسوة بالتعامل الدولي وحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
ولا تزال إسرائيل ترفض حق عودة اللاجئين إلى ديارهم ومستمرة منذ تأسيسها وحتى اليوم بمصادرة الأرض العربية وتهويدها وتهويد المقدسات والبشر والحجر والشجر والحضارة العربية الإسلامية في كل فلسطين العربية.
وتقيم على أنقاض القرى العربية في فلسطين والجولان المستعمرات اليهودية، وتسعى ليل نهار لتدمير المسجد الأقصى المبارك وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه، وفي الوقت نفسه تطالب بتعويض يهود البلدان العربية الذين هجرتهم جرائم الموساد في العراق ومصر والمغرب وغيرها إلى فلسطين المحتلة. و تحقيقاً للمطالب الصهيونية بالتعويضات صرّح الصهيوني مارتن آنديك الذي يرعى عملية المفاوضات أن خطة كيري تتضمن طرح تعويض للاجئين اليهود الذين غادروا منازلهم في الدول العربية بعد قيام إسرائيل وهاجروا إليها.
ومن المعروف أن إسرائيل هي التي تهجر يهود العالم إليها، لأنها تعتبر نفسها دولة جميع اليهود في العالم، ولتقوية طاقاتها الاستيطانية والعسكرية والاقتصادية.
وكانت إدارة الأملاك بوزارة خارجية العدو الصهيوني قد قامت بإعداد مشروع قانون وطرحته على الكنيست في آذار 2012 يطالب مصر والعراق وليبيا والجزائر والسودان وموريتانيا والمغرب وتونس وسورية ولبنان والأردن والبحرين بتعويضات عن أملاك (850) ألف يهودي قيمتها (300) مليار دولار.
وشاهدت بأم عيني أن يهود دمشق كانوا يبيعون كل شيء قبل مغادرتهم حتى أحذيتهم وملابسهم القديمة.
وكانت الولايات المتحدة قد حملت المستشار الألماني أديناور على توقيع اتفاقية التعويضات الألمانية الإسرائيلية عام 1952 ، وحصل العدو الإسرائيلي بموجبها على (300) مليار مارك وهدايا أسلحة مجانية وأحدث أسلحة جيش ألمانيا الشرقية وبطاريات صواريخ باتريوت وعدد من غواصات دولفين النووية.
انتهت إسرائيل والمنظمات اليهودية من ابتزاز ألمانيا وسويسرا وكبرى الشركات الأوروبية وغداً سيأتي اليوم الذي ستبتز به إسرائيل اللاجئين الفلسطينيين والدول العربية لشطب حق اللاجئين في أراضيهم وممتلكاتهم والحصول على مئات المليارات من الدولارات من الدول العربية.
تعود الجذور التاريخية للإرهاب والابتزاز والشجع الصهيوني إلى التعاليم التي رسخها كتبة التوراة التلمود وإلى المؤسسين الصهاينة الذين أضافوا إلى عنصرية اليهودية العنصرية الأوروبية وبشكل خاص العنصرية الألمانية، فاستبدل آحاد عام ( اشر كيزنبيرغ) الآري في نظرية الفيلسوف الألماني فريدريش نيتشة باليهودي ابن " شعب الله المختار، والذي خلقت الدنيا وما فيها لأجله"
وينطلق الكيان الصهيوني من تعاليم اليهودية والصهيونية والاستعمار الاستيطاني لتبرير ممارسة الإبادة الجماعية والإرهاب والعنصرية والنقاء اليهودي كعقيدة سياسية وسياسة رسمية في التعامل مع العرب من مسلمين ومسيحيين ومع المسلمين وبقية غير اليهود ( الغوييم ) في العالم, و بالتالي رفعوا الابادة الجماعية الى مستوى القداسة الدينية.
بلور سفر يشوع العقلية الصهيونية والعنصرية المعاصرة، وهو من حيث القدم أقدم من جميع الحركات الإرهابية والعنصرية التي ظهرت في التاريخ وارتبطت الصهيونية منذ نشأتها بالإرهاب والعنصرية والاستعمار الاستيطاني وبلغ الإرهاب الصهيوني ذروته عشية تأسيس الكيان الصهيوني على يد المنظمات الإرهابية اليهودية المسلحة ومنها الهاغاناه والأرغون وشتيرن.
إن من مصلحة الأجيال العربية القادمة أن تركز الاتحادات المهنية والمنظمات الشعبية العربية والإسلامية على ممارسة العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة والكيان الصهيوني للإبادة الجماعية، وإشعال الحروب العدوانية، وضرب العديد من العواصم العربية، وإثارة الفتن والنعرات الطائفية والمذهبية والعرقية لتفتيت البلدان العربية والإسلامية، وإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد وبمساعدة آل سعود وثاني ونهيان والأنظمة التي وقعت اتفاقيات الإذعان في كمب ديفيد ووادي عربة.
إن دماء الشهداء الطاهرة في دير ياسين وقبية والسموع وكفر قاسم وأبو زعبل وداعل ومخيمي صبرا وشاتيلا وقانا، تفرض علينا القيام بحراك شعبي لكشف الوجه الاستعماري والعنصري والإرهابي القبيح لإسرائيل ومواجهتها، ورفض التفاوض والصلح والتعايش معها والإصرار على زوالها كغدة سرطانية خبيثة وإقامة الدولة المدنية الديمقراطية في كل فلسطين التاريخية.
آن الأوان أكثر من أي وقت مضى لتطوير الحراك الشعبي العربي والإسلامي لدعم صمود ومقاومة الشعب العربي الفلسطيني لمواجهة المشروع الصهيوني وإفشاله، ولتحرير فلسطين والجولان وجميع الأراضي العربية المحتلة.