المشردة.
لم تسمع تلك العجوز عن ماضيها العريق سوى أنها مشردة – ماتت أمها وهي تولدها.وحملها أبوها على كتفيه وهو يتنازع مع الآخرين على قطعة أرضه حيث سقطت باكية عندما اخترقت رصاصة رأسه ورمته صريعا . وما زالت تعيش بين أربعة جدران سقفها من زينكو – ودفؤها من ذكريات الماضي وتشبثها بالمستقبل الذي لم يأت بعد.
من جدائلها كانت تفوح رائحة الصنوبر والزعتر والليمون ورسومات غريبة فيها نوع من اشكال الأصيل بشعر أسود لم يشب رغم السنين .
تحدت الموت عشرات المرات وكان كلما اقترب منها يفر هاربا خائفا منها يتذكر نظراتها القديمة عندما أسقط أباها في براثنه – وصراخها العويلي عندما اقترب من أمها .
لم تعرف يداها الحناء – وكان حناؤها ملح البارود والرماد وأثار دماء لشهداء ولكثرتهم خانتها الذاكرة لنطق الأسماء .
ما رأوها يوما تبكي أو تنحب أو تتذمر – كانت صامدة كالجبال كجذور الأشجار . وفي داخلها عند حدود القلب بكاء وبؤس وحزن وانفجار تسير كلها عبر الشريان وتصب في عيون المشردة .
بالأمس حضرت جنازتها مع ملايين من المشردين و البؤساء –ودّعوها على يقين من الانتصار .
نشأت حداد