محمود الفردوس العظم ..وموسوعة القبائل العربية في بلاد الشام.. متاعب التحقيق و التوثيق التاريخي
من صحيفة الثورة نقلنا بتصرف
شؤون ثقافية
الأثنين 8/5/2006
هاني الخير
صدر في دمشق , منذ أيام , المجلد الثالث من موسوعة (القبائل العربية في بلاد الشام ابتداء من الجاهلية و حتى هذا الزمان ),للمحقق محمود الفردوس العظم / 83 / سنة , الذي سبق له أن أتحف المكتبة العربية بمؤلفات قيمة عن علم الأنساب, كنا قد أشرنا إليها حين صدورها في الصفحة الثقافي (للثورة).
و تجدر الإشارة .. إلى أن القائد الخالد حافظ الأسد , كان قد استقبل المحقق العظم بتاريخ 3 / 4 / 1987م وهنأه , آنذاك , على إنجاز تحقيق كتاب ( جمهرة النسب ) لابن الكلبي , و طلب منه أن يكتب تاريخ القبائل العربية , دون أن يغفل ربط الماضي بالحاضر , فجاءت هذه الموسوعة الجديدة , كوفاء من المحقق إلى ذكرى القائد الخالد , متبنياًٍ هذه الفكرة , الذي كان يرعى و يدعم معنوياً و مادياً إنجازات الأستاذ العظم في عالم تحقيق المخطوطات النادرة , بدليل أن كتاب ( نسب معد و اليمن الكبير ) الذي يقع في ثلاثة مجلدات حظي بتمويل شخصي من قبل القائد الخالد , حتى صدر في حلة نضرة خالية من الأخطاء فكان القائد الأسد يسأل المحقق , أسئلة الخبير العارف بدقائق الأمور وخفاياها .ويقع المجلد الثالث في / 456 / صفحة من القطع الكبير , وقد خصصه للحديث عن قبيلة (الموالي ) و قبيلة ( شمر ) . فكانت دراسته دراسة منهجية علمية, اعتمدت بصورة مباشرة على الزيارات الميدانية , لمضارب هذه القبائل المنسية في المحافظات السورية و الدول العربية الشقيقة وقد سببت له هذه الزيارات و اللقاءات الميدانية, مع بعض المغرورين و المتهورين , اشكالات و خصومات لأن بعضهم و بروح العنجهية , حاولوا خداع المحقق و تضليله , بتقديم معلومات مزيفة إليه , ليرفعوا من مكانتهم, بل وصل الأمر بأحدهم أن اتهم العلامة المؤرخ ابن خلدون بالكذب و الجهل , حين استشهد الأستاذ العظم بكلامه.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد من العناد , بل وصل الأمر بزعيم قبيلة إلى تهديد المحقق بالويل و الثبور و عظائم الأمور , عن طريق الهاتف , وإذا لم يتراجع عن بعض المعلومات التاريخية التي وردت في المجلد الثالث.
و من الطبيعي أن يرفض التراجع أو الإعتذار عن المعلومات التاريخية التي وردت في المجلد الجديد , مطالباً و بلغة هادئة من يزعم بعدم دقة معلوماته أن يقدم الأدلة التي تدحض كلامه .. و البينة على من ادعى !!
و الحق يقال فإن الاستاذ العظم مخلص للحقيقة محب لها , يؤثرها في كل موقف . وهو مستعد للتنازل عن رأيه - كما لمست بنفسي - إذا رأى في الرأي المخالف لرأيه حقيقة.و بمناسبة صدور المجلد الثالث من موسوعة ( القبائل العربية في الشام ) كان لنا اللقاء التالي مع المحقق الدؤوب محمود الفردوس العظم :
كيف ولدت فكرة إنجاز هذه الموسوعة ?
كنت قد أزمعت على الكتابة في هذا الموضوع , الشائق الشائك , بعد تخرجي من جامعة فؤاد الأول في القاهرة منذ أكثر من خمسين سنة , و ذلك بسبب ما كان يردده الدكتور بطرس غالي الذي أصبح فيما بعد أميناً عاماً للأمم المتحدة, حيث كان يقول لنا في الكلية : في الشام لا يوجد قبائل عربية و إنما هم بقايا أمم سالفة..
ومن أجل أن أكتب في هذا الموضوع حققت العديد من كتب الأنساب الشهيرة في التراث العربي . ثم بدأت بتنفيذ ما كنت قد أزمعت عليه سابقاً , بخاصة و أن القائد الخالد حافظ الأسد شجعني على المضي في هذا الطريق وزودني بتوجيهاته الصائبة , فآمل من الله تعالى أن يوفقني فيما أنا مقدم عليه , لأكمل الكتابة عن جميع القبائل الموجودة في بلاد الشام
لماذا الاهتمام بعلم الأنساب ?
قد يظن البعض أن الاهتمام بالأنساب هو دعوة إلى القبلية و التعصب , وردة إلى الجاهلية , وهذا ظن خاطىء , لأن الإهتمام بالانساب إنما هو احترام لماضي هذه الأمة العريقة , و ليس دعوة للجمود عند الماضي .. فالأمة التي لا تحترم ماضيها لا تستحق الحياة . لأنها كالإنسان الفاقد الذاكرة , يتخبط هنا و هناك خارج التاريخ الإنساني.
من يستفيد من هذه الكتب في أيامنا هذه ?
هناك في هذه المجلدات المتن و الحواشي و الاستطرادات . فالمتن يستفيد منه العلماء والباحثون . أما الحواشي و الاستطرادات فيستفيد منهما كل قارىء يرغب بتثقيف نفسه , لأنها خلاصة ما قرأت طوال حياتي , في جميع كتب الأدب, و اللغة ,و الشعر , و التاريخ , و الفلسفة.
حبذا لوعرفنا مضايقة ازعجتك أثناء زياراتك الميدانية ?
حين وصلت إلى قرية ( أبي دالي ) القريبة من خان شيخون ,استقبلني القوم هناك بالبشر و الترحاب , و أكرموا وفادتي عليهم , و لكن في ثاني يوم غادرت القرية و أنا على أسوأ حال , و الآلام تنهش جسدي , لما أصابني في تلك الليلة المشؤومة من لذع البعوض المؤلم , فقلت في نفسي: كيف ينامون في هذه الحال من كثرة اللذع , ولكن فوجئت في الصباح أنهم ينامون , بكل اطمئنان , تحت ( الناموسية ) التي تمنع عنهم لذع البعوض , ولدغ العقارب , فغادرت القرية و أنا جد غاضب و عاتب.
ما هي أطرف معلومة ,وردت ضمن سياق المجلد الثالث ?
في أثناء تجوالي في البادية , التقيت في قرية أم حارتين شمال شرق حماه , مختار القرية و شيخ بطن الخليفة من الموالي , و هو الحاج حاتم بن الجاسم الملقب بالحرامي , و لهذا اللقب قصة سأذكرها كي لا يظن القارىء أن جاسما هذا كان لصاً سارقاً , بل هو كريم اليد حلو اللسان , صادق الحديث , أكرم زيارتي له بذبح الذبائح ... و إليكم قصته كما وردت في الصفحة / 314 / من المجلد الثالث :
فقدت ليرة ذهبية من بيت و الدجاسم هذا , وكان جاسم طفلاً رضيعاً , وعبثاً حاولوا العثور عليها فلم يفلحوا , ففتشت كل الأماكن فلم يعثروا على شيء , و فجأة علا بكاء الطفل الرضيع جاسم , و كان ملفوفاً بلفافة لسهولة حمله و حماية له . فأسرعت إليه و الدته ظنا منها أنه قد بلل نفسه , و ما إن فكت رباطة اللفافة , و إذا باليرة الذهبية تسقط من ثنايا اللفافة , فصرخت بأعلى صوتها : وجدت الحرامي سارق الليرة , هذا هو جاسم الحرامي , فغلب عليه لقب الحرامي حتى كبر , و انتقل اللقب بعد ذلك إلى ذريته .