من يكتب التاريخ ( بقلم : محمد صالح رجب )
سألها من قبل الكثيرون ويتجدد التساؤل عقب كل حدث جلل ، ولم يستثنى من ذلك سقوط نظام الرئيس مبارك فهو ولاشك حدث جلل بكل المقاييس ، بالأمس فقط كنا ندرس أطفالنا فضائل وانجازات الرئيس مبارك ، واليوم وربما غدا سوف ندرس لهم الجرائم البشعة التي ارتكبها الرئيس مبارك ونظامه الفاسد في حق مصر . فيلح السؤال : من يكتب التاريخ ؟
ويأتي الرد نفسه كما في كل مرة ، الذي يكتب التاريخ هو المنتصر ، ذو اليد الطولى ، صاحب النفوذ على الأرض .
قبيل أن يغادر السلطة قال مبارك " إن التاريخ سوف يحكم عليه وعلى غيره " .. فلماذا كل هذا الحرص على رأي وحكم التاريخ ؟ لماذا يحاول الناس استمالة التاريخ ليكون منصفا لهم حتى لو بالكذب والتزوير ؟
إن الإنسان بطبيعته يحب التجمل ففي حياته تراه يسعى لارتداء أحسن الملابس ويقتني أغلى المساكن والتحف ويركب أفخم السيارات .. كما أنه يريد أن يخلد بعد مماته بأفعال ووقائع قام بها في حياته أو نسبها إليه آخرون وأثرت العمل الإنساني .
إن الطبيعة البشرية وفطرة الإنسان جبلت على حب البقاء والخلود فتراها تتمسك بالدنيا إلى ما لا نهاية لكنها تعلم أن الموت آت لا محالة فتتشبث بما بعد الموت وهو القيمة المضافة التي تثري العمل الإنساني من خلال أعمال حقيقية أو وهمية تضمن له الخلود في التاريخ حتى يرث الله الأرض ومن عليها ..
وإذا كان التاريخ هو وقائع وأحداث الماضي وأسبابها ودلالاتها وآثارها ..فإن المنتصر عادة ما بصيغ هذا التاريخ بالشكل الذي يخلده وذلك من خلال كتاب تمكن منهم إما الخوف أو التملق ، فتسول لهم أنفسهم انتقاء أجزاء من الحقيقة والتغاضي عن أخرى بغية طلاء صفحات قاتمة سوداء باللون الأبيض ناصح البياض..
وفي مصر الآن الثوار هم أصحاب اليد الطولى وهم من يكتبون التاريخ بيد كتاب هيمن عليهم الخوف أو التملق فلا مجال لانتقاد الثورة وكأنها بلا خطيئة ، ومن ينتقد أو ينصح فهو عدو الثورة وعدو مصر ونحن جميعا نحب الثورة وتحب مصر ، فليؤرخ هؤلاء الكتاب ويكتبوا فضائل وانجازات الثورة وليلفظوا ويبتروا كل رأي ناصح أمين في انتظار منتصر آخر يكتب لنا التاريخ من جديد ويبن لنا أخطاء الثورة وما ارتكبته من جرائم في حق مصر والمصريين ، فالتاريخ يكتبه دائما المنتصرون ..
تحياتي
محمد صالح رجب