الصاحبان في الغار
(ولادة أمة)
هاجَرْتَ طوعاً ،بأمر الله، مؤتَمَراً .... تذرو التراب على رأسٍ بما اختَمَرا
ياسين تثبرهم ، غشتْ لهم بصراً....والسمع في صمم ، والحكمُ قد صَدَرا
بهجرة من ديارٍ دَبَّرَتْ لكما ... كيداً لقتلكما، وخاب من مَكَرَا
هذا الحبيبُ وصاحبٌ له خَرَجا ... مستمسكَيْن بعروة بها اقتدَرا
نِعْمَ الحفيظ لصاحبين قد هَجرا ... وصار "ثورٌ" حِمَى حفظٍ ومُسْتَتَرا
أحسَّ صاحبُهُ حزناً ألَمَّ به ....على الرسول من الطغاة ما ظهرَا
ردَّ الحبيب معلماً لصاحبه ..."الله معْنا فلا تحزن" ، وقد صبَرا
في الغار قد مكثا مهاجِرَيْنِ له .... فصار مأوى الهدى فيما له ائتمَرَا
ويثربٌ قد غدت قصداً لها قَصَدا ... كدولةٍ وَجَبَتْ، وكم لها انتظرا
نامت عيون العدا فيما له رصَدَت ... هذا عليٌّ بمرقدٍ له وَقَرا
لما استبان لهم بأنهم خُدِعوا .... سِرْبا خيولٍ من الركبان قد نَفَرا
والعنكبوت بَنَتْ بيتاً على عَجَلٍ ..ستراً لمن دخلا حصناً ومن نَصَرا
حمامة هبطت لبيضها وضَعَت ...كانت لِمن وَفَدا حِرْزاً ومزدَجَرا
سِرْبان لو دخلا في الغار لانبهرا...زاغت عيونهما زوغاً وَما نَظَرا
في الغار كون ولم يرَوْا معالمه ...لا يبصرُ الكَونَ فَجَّارٌ وقد كَفَرَا
قال الإله مُهَلِّلا بمكرمةٍ ... يا خير من وفدا عليَّ وانتَصَرا
أقسمتُ لن يصلا إليكما أبداً.... يا خير من خلقتْ يدي ومن هَجَرا
واسم الحفيظ تجلى حافظاً لهما....فكان نصراً بدا في اللوح مُسْتَطَرا
في البيت والبَيْض آية كما ظهرت... عاشا لربهما ذِكْراً وما فَتَرا
في الغار قد بُنِيَت صروح أمتنا ....والله ينصر من لِدينه اعتمَرا
فيها الصحائف من علاه نازلة ... دينٌ سرى بهما في الخلق وانتشَرا
وطيبةٌ بهما صارت منورةً ..حيي الصلاةَ بها والقلب قد حضرا
محمدٌ خير خلق الله كلهمِ .... وحبه قد مضى في القلب واستَطَرا
والحمد لله رب العالمين