وظيفة المدرسة والرأسمال الثقافي للطفل. - الجزء الأول-
--------------------------------------------------------------------------------
وظيفة المدرسة والرأسمال الثقافي للطفل.
- الجزء الأول-
إن سؤال التربية المدرسية يبدأ مند العهد الإغريقي وبطريقة مرتبطة أكثر بالنظام السياسي للمدينة، لقد كان التعليم في العهد الوسيط من الاختصاصات الكبرى للكنيسة، وفي نهاية القرن التاسع عشر بدأت تظهر بعض الانتقادات للنظام التعليمي القائم. وظهر جليا المطلب إلى تربية حديثة يكون فيها الطفل أكثر حرية وذلك بواسطة مناهج نشيطة للتربية. وكان ديوي ومونتسوري وكلاربيد ودكرولي وبينيت... من أكثر المعارضين، وبذلك أخذت التربية طريقا آخر، واعتبر القرن العشرين قرن الطفل كما عبر عن ذلك الين كيت في كتابه علاقة الطالب الأستاذ الصادر سنة 1901 : "إن جودة التعليم التي نريدها في حالة التعليم المعطى هي بدلالة منهاج محدد مستعمل من طرف أستاذ محدد لطلبة محددين من أجل هدف محدد".
ونصت وثيقة إعلان حقوق الإنسان الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة في 10 دجنبر 1948 على وجوب التعليم الابتدائي الإلزامي المجاني الذي يبدأ في سن السادسة من العمر، ولم تعد غاية التعليم الابتدائي قاصرة على محو الأمية أو على مجرد الإعداد لمرحلة التعلم التالية، بل هي تتضمن أيضا تزويد الأطفال بما يحتاجون إليه في الحياة من عناصر الثقافة الأولية، وتربية قوامهم البدنية والفكرية والخلقية وتنمية عواطفهم القومية، وبذلك كثر الحديث كما يرى جون بياجي عن كيفية تعلم المرء، وكذا تطلعات الآباء والمدرسين، والبحث عن الأساليب المفضية إلى إشباع الحاجة وحل المشكلة، ويضيف أن حقيقة التعلم ليس الخبرة فقط، وليس الذكاء فقط، وإنما هي من المؤكد الحياة.
إن الطفل حين يصل سن التمدرس، تكتسب المدرسة دورا هاما في حياته اذ يناط بها مسؤولية تلبية حاجياته الأساسية للتعرف والاكتشاف، كما تمارس دورها التعليمي من قراءة وكتابة، علاوة على أنها تقدم له الإجابات على تساؤلاته وتساعده على فهم الواقع الذي يحيط به فهما مقصودا، إلا أن كل ما تزوده به، وتشبع به حاجاته الذهنية ليس حياديا، بمعنى أنه ليس مجردا، بل متضمن لصور الجماعة ومواقفها، والقيم التي تؤمن بها، فتنقلها له عبر محتويات مواد الدراسة من ناحية وبواسطة العلاقات التي تباشرها معه وتشجعه على تبادلها مع الآخرين، وهي بذلك وبوصفها مؤسسة اجتماعية تقدم ما لم تستطع الأسرة تقديمه للطفل وتلبي حاجياته العلمية والمعرفية وتكتسب بالمقابل اعترافا بسلطتها عليه، ويصبح بذلك الطفل خاضعا لكل من الأسرة والمدرسة، ويبدو أن المدرسة أخدت دورا أوسع من التعليم وتجاوزت هذا المفهوم إلى مفهوم التربية الذي يهدف إلى بناء التلميذ معرفيا وثقافيا واجتماعيا وسلوكيا. فالمدرسة بذلك لا يمكن أن تنفصل عن المجتمع الذي توجد فيه، كما أنها لا يمكن إلا أن تتفاعل مع التغيرات الحادثة في هذا المجتمع ومع الثيارات التي ستحدث وإلا تخلفت عنه، إنها بوصفها مؤسسة اجتماعية أساسية تمثل جزءا هاما من المجتمع الذي نعيش فيه، تتأثر به وتؤثر فيه مستجيبة للمطالب التي تفرضها قيم الجماعة عليها، وتعد بذلك الناشئة وتشكلها للعيش في المجتمع والمساهمة فيه.
والمؤسسة المدرسية تتحدد أبعادها بأبعاد المجتمع الذي تخدمه، ولا يقتصر عمل المدرسة على إعداد الجيل الصغير للاشتراك في حياة الجماعة والتكيف معها. ولكن تضمن أيضا القدرة على تجديد هذه الحياة وعلى تطعيمها بالدم الجديد، الذي يبعث فيها الحركة والنمو، وعلى هذا الأساس تستجيب المدرسة لمطالب التغير الاجتماعي وتحدياته في المجتمع الذي تعيش فيه وتعمل في الوقت نفسه على أن تكون رائدة لهذا التغير ومبشرة به وموجهة إليه، طريق هذا الجيل الصغير الذي تعده وتشكله .
وللمدرسة وظيفتين اثنتين : الاستفادة من الإرث الماضي، وتحضير تحولات المستقبل، وليس صدفة كما يرى الان جيرار أن لا توجد تنظيمات للبحث والتي تولى جانبا من اهتماماتها إلى المشاكل الرئيسية الحالية للتعليم أو تكوين المهنيين. وظلت بذلك المدرسة بعيدة عن النقد لمدة طويلة لكونها مؤسسة رسمية ترتبط بالنظام القائم فتراكمت الأخطاء وسيطرت البيروقراطية المريضة على الجهاز التربوي حتى تباطأ أداؤها بشكل لا يتفق مع إيقاع العصر وأثقل الكم مسيرة التربية. فبدأت تفقد قدرتها على تحقيق الكيف وانعزلت المدرسة عن المجتمع، وفشلت في استيعاب ثورة الاتصال وأصبح من الضروري إعادة النظر في الاستراتيجيات التربوية، وإحداث تغييرات جذرية في أداء المدرسة وعلاقتها بالمحيط.
ليست المشكلة أنه يجب على المدارس أن تسهم في تكوين المجتمع الجديد. ولكن المشكلة فيما إذا كان يجب على المدارس أن تقوم بهذا العمل وهي عمياء. أو أن تقوم به مع أكثر قدر ممكن من الذكاء الشجاع والمسؤولية ويضيف جون ديوي إن مواضيع الدراسة لن تكون سوى تغذية تؤهل الطفل لنمو حر. ويضيف أن المدرسة هدفها فقط خدمة الحياة الاجتماعية.
إلا أن التعليم يحدث بطريقة أفضل إذا كان مرتبطا بشكل حيوي بالثقافة السائدة، وعندما تؤدي التمزقات الاجتماعية إلى أن تصبح هذه الروابط صعبة التحقيق فإن التعليم تعترضه عقبات شديدة، وتؤثر بذلك على المردود التربوي. ويؤدي التقسيم غير المناسب إلى استئصال الأفراد ويفصلهم عن واقعهم المعاش ويمزق حياتهم إلى اثنين، ويخلق فواصل عميقة بين كل فرد وبيئته وكذا بين الآباء والأبناء، والطفل الذي ينتمي إلى عائلة تطبعها الأمية يشعر بهوة كبيرة بينه وبين المدرسة. يتبع الجزء الثاني..
عبد الله العبادي-الرابطة