لهذا يحاربون الإسلام .. ويسعون للقضاء على المسلمين (1 من 2)
الداعية الروسي شامل سلطانوف : مجتمعات الغرب تتآكل وهذا سر حربهم على الاسلام !
دراسة بقلم:د. شامل سلطانوف
غلاف المجتمع العدد 1702
مجلة المجتمع / "المجتمعات الغربية تتآكل من الداخل.. وشمسها إلى غروب".. هذه ليست أوهام وإنما حقائق تؤكد كل الوقائع الماثلة على الأرض بين جنبات تلك المجتمعات.. بينما المجتمعات الإسلامية رغم تخلفها تقوى وتزداد تماسكاً ويتزايد تعدادها.
في المستقبل القريب يتزايد الفراغ الاجتماعي وينقرض النسل في الغرب والمؤهل لملء ذلك الفراغ هو الإسلام والمسلمون.. ولهذا يشن الغرب حرباً لا هوادة فيها على الإسلام والمسلمين.
والدراسة التي بين أيدينا للسياسي الروسي المسلم شامل سلطانوف عضو البرلمان الروسي والخبير السياسي .. تجسد بالأرقام والإحصاءات حال الغرب ومستقبله.. وتحلل من وجهة نظر جديرة بالتأمل فحوى تلك الحرب الدائرة على الإسلام في الغرب.
على تخوم خمسينيات القرن العشرين بدأت في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية ما يصح أن نسميه "الثورة الجنسية العظمى". التي كانت عظمى حقاً بطريقتها الخاصة، ثورة أدت إلى تغير جذري في السلوك الجنسي للإنسان في المجتمع المتطور صناعياً، وبدلت العديد من القيم الأخلاقية، والثقافية، الأسرية، والاجتماعية، بشكل مأساوي، وبالنتيجة ابتلعت حضارة العولمة الغربية حتى مطلع القرن الحادي والعشرين وبصورة نهائية ما تبقى من مدنية عظيمة في أوروبا وأمريكا "الشمالية".
الثورات الجنسية في المائة وخمسين قرناً الماضية، باتت مؤشراً له دلالته على استمرار أزمة الديانة المسيحية وعملية الانحدار الديني في أوروبا: "عندما تغيب الآلهة، لا يبقى سوى الأعضاء التناسلية التي يتمكن المرء دوماً من مداعبتها ليقضي على ملله"! إن الحضارة الغربية ومنذ زمن بعيد لم تعد حضارة مسيحية، إلا أن "الثورة الجنسية العظمى" بالذات غدت ومنذ الستينيات الخطوة الحاسمة في نشوء وثنية جديدة مبدئياً، هي الوثنية العالمية للحضارة الاستهلاكية.
من الذي أوقد هذه الثورة ولأي غرض؟، ولماذا في النصف الثاني من القرن العشرين بالذات؟ ليست هناك أجوبة مقنعة وقاطعة على هذه الأسئلة حتى الآن، كما أنها لم توجد من قبل.
... إن تفسير الأمر بمجرد الصدف، هو في رأيي ليس بمسلك للمثقف الجريء.
تاتشر وأربكان...
آنذاك، وفي ستينيات القرن الماضي بالذات، أخذت تظهر في مطبوعات النخب الغربية دراسات وبحوث سياسية تتحدث بمزيد من القلق عن "الصحوة الإسلامية" التي أخذت بالنهوض. وقد أسفرت الأزمة النفطية العالمية في 1973 1975م عن تزايد الضغوط السياسية والاقتصادية والثقافية والأيديولوجية والعسكرية على العالم الإسلامي، وبعد اختفاء الاتحاد السوفييتي من الخريطة السياسية انتقلت تلك الضغوط إلى طور جديد.
في نوفمبر 2004م جمعني لقاء في أنقرة مع رئيس وزراء تركيا الأسبق السيد نجم الدين أربكان الذي أخبرني عن حادثة لها دلالة كبيرة، ففي بداية التسعينيات وأثناء إحدى قمم الناتو التي تدارست في موضوع نتائج انتصار الغرب النهائي على الاتحاد السوفييتي التفتت "السيدة الحديدية" مارجريت تاتشر فجأة إلى أربكان الجالس قربها وقالت: "الآن جاء دوركم". وميم الجماعة هذه تعني العالم الإسلامي، حيث عُرف أربكان آنذاك بمواقفه المشجعة للتضامن الإسلامي العالمي الشامل.
في خريف العام 1992م أقدم الغرب على عدوان سياسي مباشر، حين ألغيت وبفظاظة وبصورة غير مشروعة نتائج الانتخابات البرلمانية في الجزائر، مما أشعل فتيل حرب أهلية هناك راح ضحيتها عشرات الآلاف من المسلمين.
إن المشكلة الرئيسة بالنسبة للمؤسسة العليا أو النخبة في الحضارة الغربية هي الإسلام كدين سماوي عالمي، وليس الأصولية الإسلامية أو الغلو أو التطرف الإسلامي. في كتابه الشهير "صراع الحضارات" الذي يتوقع حتمية الصدام بين الحضارة الغربية والعالم الإسلامي أبدى س. هنتتجتون استدراكاً أو تحفظاً له دلالة كبيرة حين قال: "إن المشكلة الأساسية للغرب ليست هي الأصولية الإسلامية، بل هي الإسلام نفسه، الحضارة الأخرى..."
ر. بايبس بدوره يؤكد بشكل خاص على "الصراعات الحادة بين الإسلام والعصرنة (الحداثة) في القضايا الاقتصادية".
بعد التعليل الأيديولوجي لحتمية الصراع بين الحضارات، جرى تفجير البرجين في الولايات المتحدة وكأنما بطلب مسبق ، فيما ترك "الإرهابيون العرب" كأنما نسوا أن يأخذوها نسخاً من القرآن الكريم، في أكثر الأماكن اكتظاظاً بالناس. وانتقلت أمريكا، على رأس الجبهة الغربية، وبشكل سافر إلى شن هجوم عسكري على العالم الإسلامي. استولت فيه على أفغانستان والعراق واحتلت أراضيهما. وخيم خطر الغزو العسكري على سورية وإيران. واجتاحت موجات الحقد على الإسلام.. الأقطار الغربية الرئيسة، فيما يعلن بوش عن حتمية "الحرب طويلة الأمد لعقود من السنين على الإرهاب الإسلامي".
وباتت الهجمة واسعة النطاق على الإسلام واقعاً ملموساً في بداية القرن الحادي والعشرين.
توضحت حقيقة وأهداف الحرب المعلنة على العالم الإسلامي، في مشروع الولايات المتحدة بعيد المدى لنشر الديمقراطية في "الشرق الأوسط الكبير"، يريد الغرب أن يبدل الإسلام الحقيقي "المشاكس" بإسلام "ليبرالي ديمقراطي، غير مشاكس"، ويريد أن يستبدل القرآن الحقيقي "السيئ" بقرآن مصحح "محرر" في إحدى الجامعات الأمريكية العريقة، ليزيد من تشرذم العالم الإسلامي، ويسرِّع في قضم أهم أجزائه "خاصة تلك الغنية بالنفط والغاز" ضمن الحضارة الغربية، هذا الأمر الذي وجد تجسيداً واضحاً له في التقرير الذي أعدته مؤسسة "راند كوربور يشن" الأمريكية بعنوان "العالم الإسلامي بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001م".
المجتمع المتمدن هو الذي يحكمه الأطفال
حتى عام 1960م بلغ عدد سكان البلدان الغربية المتطورة صناعياً 750 مليون نسمة، وخلال الأربعين عاماً التالية "وهي فترة ظهور إفرازات ونتائج الثورة الجنسية في الستينيات" توقف تكاثر السكان في هذه البلدان، وبدأت في الواقع عملية تآكل في أعداد السكان الأصليين. فمن بين ال47 دولة أوروبية ليس هناك سوى بلد واحد هو ألبانيا الإسلامية سجل في سنة 2000م، مستوى مواليد كافياً للحفاظ على الأمة، أما باقي القارة أوروبية فهي في سبيلها إلى الانقراض.
في سنة 1960م كان السكان الأوروبيو الأصل يشكلون ربع سكان العالم، وفي سنة 2000م باتوا يشكلون السدس. وفي سنة 2050م سيشكلون عشر سكان العالم فقط. وفي نهاية القرن الحادي والعشرين سيعيش في أوروبا 207 ملايين شخص فيما لو بقيت توجهات النمو السكاني على حالها الآن، ومن دون حساب الوافدين. ومن بين سكان ألمانيا ال82 مليوناً سيبقى في عام 2050م أقل من 50 مليوناً. وفي عام 2100م سيتقلص هذا العدد إلى 38.5 مليون نسمة. أما سكان إيطاليا فسيتقلص عددهم في نهاية القرن الحالي إلى 41 مليوناً، فيما يتقلص سكان إسبانيا بمقدار الربع، ويتقلص عدد سكان أوروبا بأسرها بمقدار ثلثين.
وستطرأ تبدلات سكانية على المجاميع من مراتب الأعمار المختلفة. ففي سنة 2000م، كان يعيش في أوروبا 494 مليون نسمة في عمر يتراوح بين 16 و65 سنة. وفي عام 2050م سيتقلص عددهم إلى 365 مليوناً، وخلال خمسين عاماً سيتغير التناسب بين العاملين والمتقاعدين من 1:5 إلى 1:2، وتؤدي الشيخوخة المتسارعة للسكان من الآن إلى أعباء اجتماعية متزايدة على ميزانيات الدول المتطورة. وبعد عشرين أو ثلاثين عاماً يمكن لهذا التسارع في الشيخوخة أن يؤدي إلى عواقب كارثية بالنسبة للاقتصاد الأوروبي كله.
وللحيلولة دون هبوط المستوى المعيشي الحالي "الأمر الذي يهدد بتقلبات اجتماعية وسياسية مصيرية" لابد لدول المجتمع الأوروبي من أن تزيد توارد الوافدين لدرجة كبيرة، وبشكل المسلمون جزءاً كبيراً منهم.
وفي الوقت الحاضر يتزايد عدد المسلمين المهاجرين إلى أوروبا وإلى الغرب عموماً رغم الوقوف بوجه هذا السيل سياسياً وحقوقياً وثقافياً. ففي فرنسا يقيم اليوم 5.8 ملايين مسلم، وفي بريطانيا 1.6 مليوناً، وفي الولايات المتحدة 7 ملايين، وفي إيطاليا مليون وفي ألمانيا 1.5 مليون وهلمجرا. ويقيم في أقطار الاتحاد الأوروبي عموماً أكثر من 15 مليون مسلم، وينتظر أن يزداد هذا العدد إلى 40 مليوناً في عام 2015م.
علماً بأن حركية تكاثر السكان لا توفر إمكانية تأمين المستوى اللازم لأوروبا من الأيدي الأيدي العاملة. ولذلك فإن هجرة الأيدي العاملة إلى الأقطار الأوروبية الرئيسة ليست منة أو رغبة أو حسن إرادة من جانب النخب الأوروبية وليست محاولة لمساعدة المجتمع الإسلامي العالمي في حل مشكلاته الاجتماعية المعقدة، بل هي إجراء أوروبي أناني قاس. وقد اعترف أحد خبراء الاتحاد الأوروبي على الرغم من تحيزه ضد الإسلام "بأن اقتصاد العالم الأوروبي مزدهر على حساب توارد الأيدي العاملة ومعظمها من المسلمين".
أما الآفاق المستقبلية السكانية في روسيا الاتحادية فهي أسوأ من تلك، ذلك لأن:
أولاً: روسيا موضوعياً باتت بقدر كبير جزءاً من العالم الغربي من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والثقافية. ولذلك فإن مشكلة الهوية الروسية متأزمة الآن إلى أقصى حد.
كان اندماج الاتحاد السوفييتي وتكامله التدريجي ضمن الحضارة الغربية قد بدأ فعلاً من سنة 1961م، عندما أقر البرنامج الحزبي الجديد الذي رسمت فيه مهمة بناء الصيغة الشيوعية "للمجتمع الاستهلاكي" في الاتحاد السوفييتي.
ولم يسفر البحث الممض عن الفكرة القومية الروسية في السنوات العشر الأخيرة عن نتيجة. ومن الناحية الموضوعية لم تعد الفكرة القومية بحد ذاتها لازمة لروسيا التي أرغموها على التكامل والاندماج بالسوق الغربي الشامل وبالمجال الإعلامي العالمي الشامل والتي تقبلت القيم والمعايير الاستهلاكية المادية والثقافية والإعلامية الغربية.
ثانياً: لا تزال الأزمة البنيوية مستمرة في روسيا، وهي الأزمة التي تفرز تفاقم جميع الاتجاهات السلبية في البلاد، بما فيها المسألة السكانية الديموغرافية.
ففي روسيا الاتحادية يتقلص العدد الإجمالي للسكان، بل يتقلص عدد القادرين على العمل. في عام 2010م ولكي تعوض البلاد عن شحة الأيدي العاملة ستضطر روسيا إلى زيادة حصة الوفادة الشرعية واستقدام من 700 ألف إلى مليون وافد سنوياً. وبعد خمسة وعشرين عاماً أخرى ستحتاج إلى حوالي خمسة ملايين وافد سنوياً لكي تحافظ على مستلزمات الحياة.
وتنشأ حالة غريبة عجيبة عندما يتطرق الكلام إلى تكاثر السكان بوصفه المعيار الرئيس لوجود إرادة الحياة أو غيابها.
فالفرد الغربي الذي يتمتع حسب الظاهر بالحرية الشخصية والعيش المرفه قد حل في الواقع كل مشكلاته الاجتماعية والاقتصادية وأدرك مغزى حياته المادية على الأقل ويكشف عن حيويته وإيمانه الراسخ بالمستقبل إنما المفروض أن يتزعم العالم من حيث مستوى المواليد، لأن الراضين على حياتهم لابد وأن يتناسلوا لينقلوا فرحة الحياة إلى الأطفال.
إلا أن الأمور تجري عن الضد من ذلك تماماً. ففي جميع البلدان الغربية المتطورة تقريباً يلاحظ من سنين تقلص مطلق في تعداد السكان. وإلى ذلك فإن نسبة المواليد تنخفض أيضاً عند الوافدين الذين تكاملوا مع الظروف الاجتماعية والإعلامية والمعيشية للمجتمعات الغربية.