الأديب الفرنسي «أونوريه دي بلزاك» له تسعون رواية و30 قصة وخمس مسرحيات، ومن أشهر أعماله: فسيولوجيا الزواج، الفتاة ذات العيون الذهبية، الأوهام الضائعة، ازدهار وبؤس الغانيات، امرأة في الثلاثين، ابنة الخال بيت، ثم أجمل أعماله«جلدالأسى» وهي رواية تنتمي الى المجموعة أو المرحلة الفلسفية، وهي كذلك تعتبر على غير عادته رومانسية تكاد تعانق القصة الشرقية بكل عبقها وعطرها الساحر الغامض، وهي تدور حول صفقة أو عقد بين رافائيل بطل الحدوتة وقوة شريرة خفية، قاتمة وملعونة«الشيطان» والتي تجعل حياة رافائيل ترتبط بقطعة الجلد التي كلما نفذت له رغبة تقلصت وضمرت ومن ثم تنقضي وتبتلع بضع سنوات من عمر رافائيل، وهكذا تلتهم قطعة الجلد الملعونة حياة رافائيل عن طريق تنفيذ رغباته.
أما أشهر شخصية للانتهازي في تاريخ الأدب، كانت من نصيب بلزاك حيث أبدع شخصية «راستينيال» الطموح الانتهازي الوصولي الذي ظهر في العديد من أعماله في «الملهاةأوالكوميديا الانسانية» ونجد نموذج الانتهازي هذا الذي سوف يظل موجوداً الى الأبد، نجد أحفاد«راستينيال» لدى نجيب محفوظ في «القاهرة الجديدة» محجوب عبدالدايم الانتهازي المتسلق الذي لا يُنسى، وأيضاً حسنين في بداية ونهاية ثم حميدة في زقاق المدق،أيضاً نجد الانتهازي في «الرجل الذي فقد ظله»، و«زينب والعرش» للأديب فتحي غانم .
بنظرة لأعمال بلزاك الذي ينتمي للقرن التاسع عشر، نجده ركز كثيراً في ابداعاته على محور المال، فكان بلزاك يعتبر أديب البخلاء رجال الصرافة والمولعين بتكديس النقود ولكن ليس على طريقة «أرباجون» لموليير ولكن برؤية عصرية من خلال «الملهاة الانسانية» والتي جعلت من المال القوة والآلة التي تتحكم وتهيمن على المجتمع، فشهوة المال والولع به دماء تجري في عروق البشر، والنقود هي الدافع أو المحرك- وفي أغلب الأحيان- المحك الذي يفضح الشر الكامن في غياهب النفس البشرية.
ونعود لقضية الانسان والشيطان، لنجد ان الأدب العالمي قد تطرق إليها في أعمال عديدة كـ«جلد الأسى» كما أشرنا لبلزاك و«فاوست» لجوته و«دوريان جراي» لأوسكار وايلد، كأروع المعالجات الأدبية لتلك القضية وهكذا يؤرخ بلزاك لمجتمعه، ومثلما كتب دانتي جحيمه، كتب أيضاً بلزاك يؤرخ لمجتمعه الفرنسي في جحيم «الملهاة الانسانية».
محمد كشك