هل نحن من يستدعي الحرب؟ مصطفى ابراهيم
18/1/2016
منذ تسعة أعوام ونحن نكرر نفس الأخبار والتحليلات ذاتها، وخلال الأسبوعين الماضيين انشغلت جميع وسائل الإعلام الإسرائيلية المقروءة والمسموعة والمشاهدة في التحريض على الفلسطينيين، وشكلت جوقة إعلامية متناغمة بدعم مخابراتي إسرائيلي حول إلقاء الشابك القبض على خلية مسلحة لحركة حماس في الخليل، والتي كانت تخطط للقيام بعمليات "إنتحارية" في داخل إسرائيل.
وركضت خلفها وسائل الإعلام الفلسطينية، وكثر الحديث عن اقتراب الحرب على قطاع غزة، ومن عجل في الحديث عن قرب اندلاع المواجهة بين حركة حماس وإسرائيل وكأنها ستندلع غداً، استهداف مجموعة عسكرية فلسطينية كانت تخطط حسب إسرائيل لزراعة عبوة ناسفة على الشريط الحدودي شمال قطاع غزة، وزادت التكهنات والتحليلات باقتراب المواجهة.
وتزامن هذا مع الإدعاء الإسرائيلي عبر وسائل إعلامها للتحريض على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وتنامي قدرات المقاومة العسكرية ونوايهم تشكيل مجموعات وخلايا مسلحة للقيام بعمليات عسكرية داخل إسرائيل.
منذ نهاية عدوان 2008، ونحن ننتظر العدوان القادم، وكأننا نستدعيه، إلى أن أصبحت مهمتنا إنتظار العدوان القادم وما يليه من دمار وخراب وضحايا وخسارة ومن دون تحقيق أي أهداف سياسية سوى مزيد من الحصار، المؤشرات تقول إن المواجهة بين حماس وإسرائيل قادمة وعواملها قائمة، وإسرائيل تعتبر قطاع غزة قلق مزمن لها، لكنه تحت السيطرة وتستغله فزاعة وكيس رمل للتدريب وتجريب أسلحتها الحديثة. وهي تنظر لما تقوم به المقاومة خاصة حركة حماس بحذر وخشية، لكنها حسب مراكز البحث الإسرائيلية والمسؤولين الأمنيين السابقين والحاليين لا تعتبر قطاع غزة التهديد الرئيس لإسرائيل خلال العام 2016، أو حتى السنوات القريبة القادمة.
وعلى الرغم من ما قاله رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق عاموس يدلين والذي يشير إلى أن المعركة في غزة لم تنهي، وان إسرائيل لم تحقق أهدافها برغم إدعائها أنها إستطاعت ردع المقاومة، فهو يقول إن، شكل انتهاء عملية الجرف الصامد (العدوان على غزة في العام 2014) لم يمنع تزايد قوة حركة حماس، فلديها عشرات الصواريخ الطويلة المدى والقادرة على الوصول إلى مراكز تجمعاتنا السكانية، وفي موازاة ذلك رممت الأنفاق، ومن دون شك أنه في المواجهة المقبلة، ستستغلها الحركة لكي تحاول السيطرة على بلدة أو قاعدة عسكرية.
إلا انه أشار إن وضع إسرائيل الإستراتيجي مريح، خلافا للرأي السائد لدى الإسرائيليين، وفي الأمد القريب سيطرأ تحسنا أيضا، وإن حركة حماس تحتل المكان الرابع في سلم التهديدات على إسرائيل، بالإضافة لما قاله رئيس جهاز الموساد السابق تامير باردو في حفل تسليم رئيس جهاز الموساد الجديد يوسي كوهين إن دولة إسرائيل لا تواجه خطرا وجوديا في المرحلة الراهنة.
ويتفق يدلين في ما قاله رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي آيزينكوط اليوم في مؤتمر نظمه المعهد لأبحاث الأمن القومي إن حزب الله الأكثر تهديدًا لإسرائيل لأنه مدرب ويملك أسلحة متطورة، إضافة إلى الخبرات التي اكتسبها من المحاربة إلى جانب الجيش الروسي في سورية، ويخضع مباشرة للقيادة الإيرانية منذ 2006.
وقال آيزينكوط أن التهديد الأكثر إلحاحا هو العنف اليومي في الضفة الغربية والقدس، والذي قال إنه قد يستمر في المستقبل المنظور، وأنه الأكثر إثارة للقلق، وأنه وقع حتى الآن 101 هجوم ضد مدني أو جندي منذ التصعيد في أواخر سبتمبر.
وفي ما يتعلق بقطاع غزة قال، ان الحدود هي الأكثر أمناً منذ سنوات وانه يتوقع أن تطول مرحلة الهدوء، إلا أن هناك جماعات تؤيد داعش تطلق الصواريخ، لكن حركتي حماس والجهاد الإسلامي يلتزمان بوقف إطلاق النار، وان العام 2015 هو الأكثر هدوءً على حدود إسرائيل مع غزة رغم أن محاولات التنظيمات الجهادية التأثير على حياة السكان بالمستوطنات.
إسرائيل تقول إنها غير معنية بالتصعيد وكذلك حركة حماس على الرغم من التهويل حول قدرات حركة حماس العسكرية والتجارب الصاروخية التي أجرتها خلال الفترة الماضية، وعوامل المعركة جميعها قائمة، والأوضاع السائد في غزة كارثية والتحذيرات المستمرة بالانفجار وأن حماس تعيش فترة صعبة جداً وهذا من عوامل إندلاع المواجهة.إسرائيل لديها حساباتها الأمنية وربما هي بحاجة إلى شن عدوان، وهي تنتظر الفرصة المناسبة وبحاجة لتهيئة الإسرائيليين، وربما تريد التغطية على فشلها في السيطرة على هبة السكاكين والدهس، التي تتم بدون إنذار مبكر ولم تستطع حتى الآن وقفها.
إسرائيل مستمرة بعدوانها وحصارها وتنكرها للحقوق الفلسطينية، والأوضاع في قطاع غزة كارثية ومتفاقمة، ولا أفق سياسي للمصالحة الداخلية، والإعمار يسير ببطء والمعابر مغلقة وإسرائيل مستمرة في العقاب الجماعي، وتقدم تسهيلات لفئات محددة من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، كل هذه عوامل تهيئة للمواجهة والانفجار والاستعداد للحرب هو من يسيطر على الأذهان. أزمتنا مستمرة وأزمة إسرائيل كذلك، لكن الحل ليس بالهروب والانجرار خلف التصريحات الإسرائيلية وتصدير الأزمات للخارج، أزمة حكومة اليمين المتطرفة وتخطوا خطوات سريعة نحو المزيد من الفاشية والعنصرية والعدوانية بشكل جنوني، ومع ذلك هي مستقرة داخلياً، والمعارضة ضعيفة ومفككة، ولا تأثير لها في الشارع الإسرائيلي، ومع ذلك هناك إجماع صهيوني تجاه فرض مزيد من العقوبات الجماعية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
إسرائيل تحاول الهروب من أزمتها الأمنية في عدم السيطرة على هبة السكاكين والدهس، واستغلال الفرصة لشن عدوان إسرائيلي برغم ان كثيرين من المسؤولين الأمنيين يضعوا غزة في أخر سلم التهديدات ضدها، لكن هذا يستدعي الحذر وعدم الركض خلف الاستفزاز الإسرائيلي، وتمتين الجبهة الداخلية في قطاع غزة باتخاذ خطوات نحو المصالحة وإنهاء الإنقسام ودعم هبة الشبان ومقاومتهم وزيادة الثقة بينها وبين الناس وعدم عزلها عن محيطها والركون إلى تضحيات الشبان.
نحن مستمرون في تعميق أزماتنا ومن نتعرض لخطر مستمر وغير مقتنعين بقدراتنا والقيام بمراجعات نقدية لحالنا، وإسرائيل تحاول تصدير أزمتها نحو غزة، وتحاول أيضاً فهم عقلية الشبان من خلال ما يقوم به ضباط في الجيش الإسرائيلي من تحقيقات مع الأسرى الفلسطينيين الذين نفذوا أو حاولوا عمليات طعن ودهس، والتي تحولت إلى عمل فردي ووسيلة نضالية وحيدة وهي الدهس والطعن بالسكاكين، وربما تستطيع ان تتعايش مع هذه الظاهرة والتقليل من خطرها، كما تعايش الفلسطينيين في الضفة معها كونها مقاومة فردية ومن يدفع الثمن منفذوها وذويهم.