في مُحاولةٍ لاكتشاف السرّ بين القراءة والإبداع..
مٌبدعون عرب يروون حكايتهم مع القراءة..
كيف ومتى بدأت؟
§ كتبت: زينب.ع.م.البحراني ما هي العلاقة السّيكولوجيّة بين شغف المُبدع الأوّل بالقراءة؛ وبين إبداعه في المُستقبل؟، وهل يقودنا تحليل تلك العلاقة الرّوحيّة الحميمة أو اكتشاف تاريخها – من جهةٍ أخرى- إلى إيجاد طُرق باستطاعتها توليد مثل ذاك الشّغف اللذيذ بالثّقافة والمُطالعة لدى الأجيال الجديدة؛ ومن ثمّ بزوغ المزيد من المُبدعين، أو – على الأقلّ- قُرّاء قادرين على تذوّق النّص الأدبيّ والحُكم عليه؟.. هذه التساؤلاتدفعتنا لمُحاولة سبر أغوار تاريخ القراءة لدى بعض المُبدعين في وطننا العربيّ، سائلينهم عن حكاية علاقتهم بالقراءة؛ كيف ومتى بدأت؟.. مُعلّمو اللغة العربيّة هُم رُسُل ذلك العالم السّاحر في كثيرٍ من حكايات الارتباط بالكتاب، ومُعلّم مادّة النّشيد العربي في المدرسة الابتدائيّة كان بطل حكاية الشاعر البحريني/ علي خميس الفردان، وعن هذا يحكي قائلاً: "يعود تاريخ صلتي بالقراءة إلى عام 1966م ، عندما كنت بالصف الثالث الابتدائي وكان مدرسنا لمادة النشيد مدرس بالغ الطيبة والتودد إلينا اسمه أستاذ فؤاد، كنا وقتها أطفالا فقراء لا نملك قيمة قصة ولا كتاب. فكأن هذا المعلم يجمع من كل منا (أنتين)أي ما يعادل 10فلس من حصيلتها وما يضيفه من ماله الخاص - أحسن الله إليه- كأن يشتري لنا أشياء كثيرة ، يشتري لنا أقلاماً ومحابر ومساطر، كما كأن يشتري لنا قصصاً كثيرة ويحول حصة النشيد لحصص مطالعة وقراءة موجهة وهادفة. وقد دفعني هذا لحب القراءة والشغف بها. ولما انتقلت إلى المرحلة الإعدادية في مدرسة مدينة عيسى الإعدادية والثانوية عام 1970م ، تعرفت على مكتبة مدينة عيسى العامة ، وفُتحت عيني على خزائن الكتب والروايات فيها، فكنت أعود إليها بعد الظهر وأستعير القصص والروايات والكتب لمدة أسبوع ثم أعود في الأسبوع التالي بانتظام لأستعير غيرها، وفي الصف الثاني إعدادي تعرفت على بعض المعلمين المثقفين كالأستاذ عبدالله العباسي الذي أخذني إلى أسرة فناني البحرين قرب سينما أوال وزرع في نفسي حب المسرح والتّمثيل، والأستاذ الشاعر عبدالحسين المعاميري والأستاذ الشاعر الشعبي عبدالرحمن الرفيع.. فانفتحت على قراءة دواوين الشعر والمسرحيات العالمية التي كانت تصدر من الكويت وتصلني بالبريد بعد اشتراكي ، في المرحلة الثانوية 72-74م نضجت قراءاتي فقرأت أغلب الروايات المصريّة والعالمية وقرأت في التمثيل والمسرح وفي مختلف العلوم كالفلسفة والاجتماع والدين .ومنذ المرحلة الإعدادية بدأت محالات كتابة الشعر البسيط، وفي مرحلة الجامعة كتبت الشعر وألفت في المسرح وبعض المحاولات في القصة ، وفي هذه المرحلة انفتحت على القراءة الآيديولوجية فقرأت في الفلسفة والمعارف الإسلامية والماركسية والرأسمالية واخترت هويتي الإسلامية عن قناعة واعتقاد، وكنت أحترم كل الناس وأؤمن بوجودهم واختلافهم معي وعني سواء في الوجود أو في الفكر والأدب". أروع أيّام العُمر: الرّوائي السّعودي/ يحيى خان لا يذكر الكيفيّة التي بدأ بها حبّه للقراءة و "إدمانه عليها" كما يقول، ولكنّه يقول: شاركنا الإجابة بقوله: "أذكر أنني وجدت نفسي غائصاً في بحور قصص الناشئة (المغامرون الخمسة، الشياطين الـ 13 ، رجل المستحيل) أتلذذ بكل قصة منها تلذذاً عجيباً .. كان ذلك في المرحلة الابتدائية بالتأكيد حيث كنت أحصل على روايات رجل المستحيل من أحد أصدقائي الذي كان يشتريها بكميات كبيرة من مصر .." بينما أعرب الكاتب والنّاقد الفلسطيني/ تحسين يقين عن سعادته بهذا السؤال قبل أن يُجيب: "السؤال يعيدني إلى أروع الأيام، كما يجعلني استقصي مراحل القراءة في حياتي. فشغف القراءة ارتبط باهتماماتي منذ الطفولة المبكرة حتى ا لآن، بل لهذا السبب ربما صرت كاتبا. شغفت بقراءة قصص الأطفال منذ السنة الثامنة، ثم شغفت بقراءة القصص والروايات والشعر في سن السادسة عشر وظل ذلك حتى الآن.. لكن خلال ذلك شغفت بقراءة كل ما كتبه جبران خليل جبران وتوفيق الحكيم وتأثرت أدبيا وإنسانيا بكتبهما كثيرا، وأيضا صرت أحب الكتب النقدية والأكاديمية خلال دراسة الأدب، حيث شغفت بكتب الكلية وما يتصل بها ولم أكره قط كتب الجامعة لأنني اخترت الدراسة في قسم الأدب العربي. ثم شغفت بقراءة كتب التربية عندما عملت في التعليم، بعدها شغفت بقراءة كتب الرحلات بشكل كبير حيث كُنت قد أحببت هذا النوع من الكتابة منذ الطفولة.. و شغفت منذ عقد ونصف بقراءة كل ما يمت لفلسطين التاريخ والجغرافية والأدب والثقافة والسياسة خصوصا في فترة كتابتي عن فلسطين، في أدب المكان والرحلة داخلها أو كتابة التحليل السياسي ككاتب عمود وكاتب سياسي" ويُكمِل يقين: "في كل مرحلة في حياتي كنت شغوفا بنوع معين وإن لم اترك اهتماماتي القديمة. وقد انعكست قراءاتي على كتاباتي التي تنوعت ما بين الأدب والنقد الأدبي والفني والتربية والتعليم والسياسة والاجتماع والرحلات والصحافة" أمّا كيف بدأ الشغف بالقراءة فقال: "حين تعلمت القراءة.. أما كيف فهو يرجع إلى حبي للمعرفة ثم فيما بعد حبي العاطفي للمرأة والوطن والأرض والإنسان" ذائقة خاصّة: القارئة النّهمة والقاصّة البحرينيّة الصّاعدة/ إيمان مرهون كانت لها حكايةٌ أخرى طويلة مع القراءة، حدّثتنا عن مُقتطفاتٍ منها بقولها:
"بدايتي مع القراءة غائمة بعض الشيء كنت كطفلة تلعب برمل الشاطيء تحاول أن تبني قصور تبدأها معوجة بعض الشيء إلى أن تتقن صنع قصرها الملائكي أخيرًا , كان لدينا دستور منزلي ينصّ على أنه تمنع قراءة الكتب ما دمت تدرس, خوفا أن ينزل المستوى الدراسي , رغم أنني في كل مره أخوض فيها نقاش يبوء بالفشل كنت في كل مرة أخبرهم أن القراءة توسع الآفاق وتزيد من إدراكي للأمور, بل على العكس القراءة كانت تساعدني في حل الامتحانات حيث أنه إذا ما واجهني سؤال عصي على الفهم كنت استخدم نظرية النفس الطويل في السرد بأن أدور في حلقة مفرغة دون أن أضع الجواب وصدقوني كانت تفلح, لذا بدأت بداية غير مشرفه نوعا ما كنت استعير من الزميلات في المدرسة بأخذ الكتب منهن للأسف لم تكن سوا بعض الروايات مثل " روايات عبير" " روايات أحلام" لكن تعطشي للقراءة جعلني التهمها في الحصص كنت أضع الرواية بين دفتي الكتاب واغطس فيها. بعدها في المرحلة الثانوية كانت الكتب إجمالا أفضل وكنت أحيانًا ادخل الكتب تهريبا إلى المنزل لأتظاهر بالنوم بينما كنت التهم الحروف على عجل. ثمّ انتقلت لمرحلة القراءة الإنترنتية عندما بدأ انتشار الكتب الالكترونية , أعكف ساعات طويلة على شاشه الإنترنت ولا أتحرك إلا لقضاء الحاجات الضرورية كالصلاة وعلى اثر ذلك لبست "عوينات" إضافية لكن لم أتوقف بل استمررت إلى أن تخرجت من الجامعة أذكر يومها كتبت: (ياه.. وأخيرا كسر القيد) والجميل في ذلك أن تخرجي كان قريب من معرض الأيام الفائت لكن لم أكن أعرف ما هي الخيارات المطروحة أمامي كون ذاكرتي عن الكتاب لازالت طرية طلبت من أحدى الصديقات أن تعطيني بعض الخيارات نصحتني بالأديبة خولة القزويني وكمال السيد , لم أتأخر عندما ذهبت كون الوقت محدود ذهب للدور التي نصحتني بها وخرجت بتسعة كتب كبداية. التهمتها سريعا لكن اكتشفت أن توجّهاتي مختلفة تماما، عندها بدأت رحلة البحث عن طريق الإنترنت سواء عن طريق المنتديات أو عن طريق المواقع المتخصصة في الكتب مثل "أدب وفن"و " نيل وفرات" تقريبا كنت كلما قرأت عنوان كتاب أضعه في المتصفح وابحث عن نبذة عنه شيئا فشيء تكونت عندي ذائقه خاصة. واليوم.. أودّ أن أشكُر أسرتي الغالية، لأنّها كانت أحد أهم أسباب ارتباطي بالقراءة وتشبّثي بذلك العالم الشهي" المُتعة.. وقضاء الوقت: وشاركتنا الشّاعرة السّعوديّة سلامة جعفر: "ربما كان في وقت متأخرٍ نسبياً في المرحلة المتوسطة كنت مولعة بالصفحات الشعرية في بعض الصحف و الجرائد ، و مع المرحلة الثانوية بدأت بقراءات صغيرة و خاطفة لبعض الروايات البوليسية و الاجتماعية المحلية .. بعد سنوات الدراسة الجامعية و تحديدًا عام 2006 تحيداً بدأت القراءة بشكل فعلي و جاد لأنه فيما سبق معتمد على إمضاء الوقت و المتعة فقط .. ثم اتخذت المسألة وعيا و بعداً آخرين فصار ثقافيا بالدرجة الأولى" ------------ صفحة المصدر الأصلي نقلا عن صحيفة الوطن البحرينية: http://www.alwatannews.net/pdf/2011/2/2_21_2011_iss1899_pg15_20112214212.pdf