العمل الأدبي في رؤية الشهيد السيد حسن الشيرازيشبكة النبأ: صراع الطبقات حقيقة اجتماعية قد يحللها عالم إجتماعي ويشرح دوافعها وتطوراتها فيكون( عملا اجتماعيا) وقد ينفعل بها أديب فيصورها تصويرا إنسانيا وينشئ حولها قصة او نص او رواية فتكون عملا ادبيا.
فالمادة المعروضة ليست مناط الحكم وانما المناط هو كون الموضوع تجربة ذهنية او تجربة شعورية.
واذا فالعمل الادبي تجربة شعورية موحية وكلمة التعبير تصور طبيعة العمل والايحاء هو شرط العمل والشعور موضوع العمل الادبي.
وعلى هذا فان الايحاء عن تجربة ذهنية او عن تجربة تاريخية ليس عملا ادبيا ولا يسع العمل الادبي كل قول جميل كما بين لاسل ابر كرومبي في قواعد النقد الادبي او الشايب في اصول النقد الادبي او لانسون في منهج البحث في الادب.
ولا تصح هذه السعة لأن مجرد وصف حقيقة طبيعية وصفا علميا بحتا لاتدخل في العمل الادبي وان كانت صيغة التعبير موحية.
***يقول الشهيد السيد حسن الشيرازي في كتابه الموسوم بـ العمل الادبي:
ليس هدف العمل الادبي اعطاء الحقائق العلمية ولا القضايا التاريخية وليس الادب مكلفا بالتحدث عن صراع الطبقات مثلا، ولا عن النهضة الصناعية ولا الكفاح السياسي او الاجتماعي إلا أذا انفعل الاديب وهاجت لديه تجربة شعورية.
ولا يعني ان الادب لاغاية له إذ ان شرفه الاساس هو توحيد الشعور في مقابل توحيد الذهن الذي هو غاية الثقافة.
وذلك لأن توحيد الشعور يكون اجدى في المجال الاجتماعي من توحيد الذهن، وكونه ايضا يهيئ الارضية لتوحيد الذهن أي الدفع الى التفكر والتامل والاستنباط، إضافة الى انه يصب في النهاية في المستودع الثقافي ويتركز بمرور الوقت بحيث يكون من ضمن الجسد الثقافي للمجتمع.
ولا يمكن ان نعتبر ان الادب مطرود من العلم والاجتماع وانما هذه الحقائق هي المطرودة من اجواء الادب ما دامت تعيش في المربع الذهني البارد، ولم تتبلور في المنطقة الشعورية لتعتمل بالحرارة والانفعال.
قد يراود احد سؤال عن كون الادب تجارب شعورية منفعلة فهل يستحق ان يسرق اوقات الاخرين بلا فائدة وهل ينفع الحياة خوض تلك التجارب طالما يبتعد عن واقع الدنيا؟.
***يجيب اية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي (رحمه الله)عن هذا التساؤل:
ان الادب الرفيع لا يستعرض غير الحقائق مهما شط به الخيال، كل ما هنالك إن الادب يحصد القمم ويقطف النجوم ليعبد للتائهين المستقبل الصاعد، ولا ينحدر الى المستنقعات الآسنة التي تلفت الصاعدين الى الوراء، حتى ليحسبه الناس مثاليا وما هو إلا منتزعا من صميمهم منتزع من قممهم لا من سفوحهم.
والعمل الادبي يستحق اكثر من هذا الاهتمام، فالفرد الاديب الذي يحظى بحياة محدودة يعبر عن تجاربه الشعورية انما يخلد نفسه عبر الاجيال والقرون.
او ليس عظيما ان يوجد الانسان المحسوس الذي لا يشغل مترا مكعبا من الفراغ مخلفا من التجارب الشعورية انماطا لا عداد لها تظل من بعده الى الابد؟.
في كتاب العمل الادبي يعلق المؤلف الشهيد السيد حسن الشيرازي على مكانة الاديب ومؤثراته من إنجازات وابداع:
الافراد مهما عظموا فانهم الى فناء تتلقف الاجداث رفاتهم لكن الاديب العظيم عندما يولد يولد معه كون عظيم وحينما يموت يضيف الى رصيد البشرية كونا عظيما لم يسبق ان رآه انسان وكل لحظة يمضيها القارئ مع اديب هي رحلة في كوكب منفرد متميز الخصائص والسماة.
والتجارب الادبية عوالم لانهائية تتسم بذلك التنوع الهائل كما لاينضب ولا يتشابه طيف منّوع من الالوان والصور والانفعالات.
ويجزم علم الشخصية بانه لا يوجد على الارض اثنان يتماثلان في الشعور فكل انسان كتاب فريد لم تطبع منه غير نسخة واحدة، وهذه الحقيقة تفتح لنا نافذة على الكون الكبير الذي خلقه الله سبحانه وتعالى خلف الكون الصغير.
***ويستطرد الشهيد السيد حسن الشيرازي (رحمه الله):
اذا كنا نحلم بالتطلع الى الاكوان التي خلقها الله في تصور الافراد العاديين فكم يشوقنا التطلع الى الاكوانى السحرية المخلوقة في تصورات الادباء وتنظيم رحلاتهم الى تلك الاكوان للتملي بمشاهدتها العجيبة.
في اعماق كل اديب ميسم ذاتي هو لون الاديب ذاته يبدو هذا اللون بكل وضوح على كل ما يخرج من شعوره على الورق ويبدو جليا في سلوكه وبيته وملابسه وقلمه وحتى في اصدقاءه.
وهذا ما نراه في محاولة النقاد المعنيون بالتحليل النفسي، واكتشاف كل بطل من ابطال القصص او الروايات في نفس المؤلف الذي يكتبها وذلك كون تلك البطولة انما هي كامنة في ذات المؤلف، فيصبها في قالب البطل ، ويسري هذا في بعض الوجوه الى التراجم وكتابة التواريخ، وذلك بكون كاتبها قد عاشها مرة اخرى فانفعل بوجودها او تصورها حتى تسللت من شق يراعه الى الورق.
فالطابع الذاتي للاديب لايبدو فقط في الادب الذي يعبر تعبيرا مباشرا عن الانفعال الشخصي كالشعر الغنائي مثلا وانما تبرز في كل ما انبثقت عنه من قصة او رواية او مقالة او خاطرة او ترجمة شخصية او تاريخ أمة.
***وقد اعطى اية الله الشهيد مثالا معروفا لدى القارئ بصورة بسيطة وهو يتمحور حول شخصية المتنبي قائلا:
المتنبي عرف كبطل ملحمي يعيش عالم من الصراع وكفاح، في حين ان المتنبي لم يشهر سيفه يوما إلا في وجه خادمه الجبان ولم يقتله وانما جدع انفه فقط!، لكن قلمه كان شجاعا لم يعرف سوى الخيل والليل:
فالخيل والليل والبيداء تعرفني ** والسيف والرمح والقرطاس والقلم.
لم يكتب قصيدة إلا غنى فيها بالمشرفية والعوالي وتحبب الى النساء بعضلاته المفتولة لا بقلبه المفتوح، وجبنه هذا اولد فيه عقدة النقص التي تحضه دوما الى انتحال الشجاعة فغالى فيها حتى تحدى مقاييس الاجتماع والاخلاق، فاذا به يزين للناس عالما لا رحمة فيه ولا معروفا.
ولا تحسبن المجد زقا وقينة *** فما المجد إلا السيف والفتكة البكر.
وتضريب اعناق الملوك وان ترى *** لك الهبوات السود والعسكر المجر.
ورغم كل هذا التكلف الظاهر في تصوير نفسه بطلا هائلا يعد نفسه لأن يكون حاكما جائرا يسبق كل من سبقه ويترك الغبار لكل من يحاول ان يلتحق به من الحكام الجائرين، وان يجّر الناس وراءه الى عالمه المظلم القاسي، فان نظراته لم تخل من الفطنة الجمالية وعالمه الرهيب عالم حبيب فيه الدم خمر، والرؤوس دراهم، والجثث تمائم.
نثرتهم فوق الاحيدب نثرة *** كما نثرت فوق العروس الدراهم
وكان بها مثل الجنون فاصبحت *** ومن جثث القتلى عليها تمائم.
***ويرى الشهيد السيد حسن الشيرازي(رحمه الله): بان العمل الادبي حركة واحدة يشترك في اخراجه الشعور والتعبير عن التجربة الشعورية تتولد نتيجة التلاقح بالمؤثرات الخارجية ثم تعقبا التجربة التعبيرية، كما تتبرعم القيمة التعبيرية انطلاقا من التسلسل الوجودي بين التجربة الشعورية والتجربة التعبيرية.
والحقيقة ان هذا الموضوع الخاص الذي استل من رؤية السيد حسن الشيرازي له متفرعات كثيرة ومثير وجميلة لكنا قد قطفنا منها قطفة وقد نعود الى القطاف من جديد.
.................................................. ...
المصدر:
كتاب العمل الادبي- اية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي