الحلقة 3
أقصوصتان : نزار ب. الزين*
نظم طلبة الجامعة و المدارس الثانوية تظاهرة ضخمة ندد خلالها المتظاهرون بوعد بلفور ، و بلغ الحماس أشده عندما اقترب المتظاهرون من المجلس النيابي ، و كانوا يرددون الهتافات التي بلغ صداها عنان السماء :
<< يسقط بلفورعميل الصهيونية >>
<< يا عزيز يا عزيز داهية تاخد الإنكليز >>
<< فلسطين بلادنا ، و اليهود اعْدانا >> ....
ثم ...
و على حين غرة ،
لمح "عصام" غريمه "نعيم" الذي استقوى عليه منذ وقت قريب ، فأهانه و أوسعه ضربا حتى أدماه ، فصاح "عصام" بأعلى صوته مشيرا إلى "نعيم" :
<< يا شباب ...هذا يهودي .. جاسوس يهودي....>> ،
فاندفع أقرب المتظاهيرين إلى "نعيم" ، و بدؤوا بتهشيمه ،
ثم .....
تركوه ملقىً على الأرض مضرجا بدمه ، بين الحياة و الموت .
الهاشمي وليٌّ لا أحد يعرف اسمه الحقيقي أو سبب الاعتقاد أنه وليّ ، أو لماذا بني له هذا المقام ذو القبة الخضراء ؟! فحتى شاهد قبره محا الزمان ما كُتب عليه .
أما أغلب رواده فمن النساء من طالبات الحاجة ؛ فبعد أن تدفع الواحدة منهن ما فيه النصيب لحارس المقام ، تتقدم نحو القبر فتتلو الفاتحة ،
ثم ...
تهمس للولي بحاجتها !!!!
ثم ....
تربط منديلا أو قطعة من قماش على السور القصير المحيط بالقبر ، لعلها بهذه العلامة تذكِّر الوليّ بحاجتها .
و يعيش في المقام حارسه مع زوجته و اثنين من أطفاله ، فيتحول المقام ليلا إلى غرفة نوم ، و في زاوية منه تقوم الزوجة بالطهي و غسل الصحون حينما يخلو من زائراته .
و بسبب بخله الشديد كان الزوجان يتشاجران باستمرار ،
و لكن ..
ذات يوم اشتعل الشجار بينهما متجاوزا المألوف ، فقد لجأ الزوج إلى العنف ، فأنهك زوجته صفعا و ركلا ،
ثم ..
طردها و طفليها شر طرده .
***
ما أن شاهدها شقيقها الكبير و هي على هذا الحال المزري حتى استشاط غضبا ، و بات ليلته و هو يفكر بوسيلة ينتقم فيها لشقيقته ، و إذ أصبح الصباح كان قد أضمر أمرا ،
ثم ...
بدأ التفيذ .....
فقام بجولة ، أخذ يخبر خلالها كل من رآه ، بمن فيهم إمام جامع الحي ، أن شقيقته زوجة حارس مقام "الهاشمي" ، شاهدت بأم عينيها قبر الوليِّ ينبثق منه قطرات من ماء طهور و كأنه مخلوق حي يتعرق ، و قد وَضَعت على رأسها المصاب بالشقيقة المزمنة قطرات منه ، فتوقف الألم في الحال إلى غير رجعة ، و وضعت قطرات منه على جرح في يد ابنها فاختفى لفوره ،
ثم ......
أضاف ، أنه لم يهن عليه أن يحتكر صهره هذه الكرامة أو يتكسب منها ،
***
رُفِع أذان الظهر فألقى إمام الجامع قبيل بداية الصلاة على غير عادة ، خطبة موجزة دار موضوعها حول كرامات الولي "الهاشمي" ، و منها هذه الكرامة الجديدة ....
ثم ......
ما أن فرغ الناس من أداء صلاتهم حتى اندفعوا نحو المقام فاقتحموه ، و إذ اعترضهم حارسه أوسعوه ضربا ،
ثم ........
أخذ كل منهم ينتزع قطعة من سور القبر ، بعد أن يئسوا من العثور على ماء الكرامة ! ،
ثم ..........
التفتوا إلى سترة القبر فتقاسموها نتفا صغيرة ،
ثم ...........
إلى ما تبقى من محتواه ، من شموع و قناديل و سواهما فتقاسموها ،
و من لم يحظَ بقطة قماش من السترة ، أو جزءاً من شمعة ، أو كسرة من حطام قنديل ، التفت إلى القبر نفسه و الأرضية المحيطة به ، ليستولي و لو على حفنة من تراب ،
ثم ............
بلغ الخبر نساء الحي و الأحياء المجاورة ، فاندفعن نحو المقام ، و إذ وجدنه قاعا صفصفا ، التفتن إلى شجرة الجوز التي تظلله ، و ابتدأن في تقاسم لحائها بداية ،
ثم ........
و بمساعدة أولادهن تقاسمن أوراقها و قطعا من أغصانها ،
ثم ..............
تركنها بعد أن أمست كعجوز تسعينية في حمّام السوق !!!.
*************************
سوري مغترب
إتحاد كتاب الأنترنيت العرب