إمبراطور المهرّجين على حبل الفضيحة ..!
جريدة الرؤية العمانية
لعل ثمة إجماع يشمل الجميع ؛ بأن عام 2011م هو عام الفضائح وسقوط إمبراطوريات ما أكثر ما طال مكوثها على عروشها المخملية ؛ حتى كاد المرء منا ، بل كادت السنوات أن تتصدأ من ثقل وجودهم ، بينما هم لم يفوتهم أبشع وأشنع وأعتى الوسائل لتلميع صورهم في واجهة العالم ..!وها هي بريطانيا العظمى ، تُسقِط في الوحل فضيحة إمبراطور الإعلام " روبرت مردوخ " اليميني وصديق المحافظين الجدد والذي كان يجر بقوة لقب " إمبراطور الإعلام " باحتكار ؛ وذلك لامتلاكه أكبر وأهم الصحف وشبكات التلفزيون العالمية في أوروبا والولايات المتحدة واستراليا ، بل وصلت إمبراطوريته مؤخرا إلى حدود التركية بضمه لمحطة " تي جي آر تي " التلفزيونية ..! " مردوخ " المسيطر على 40 بالمئة من الصحافة البريطانية ، والذي كانت له علاقات واسعة جدا بكافة الأقطاب المهمة حول العالم ، والرجل الذي يرفع ويسقط كيفما شاءت إمبراطوريته المرشحين بالانتخابات ، ها هو اليوم هو الساقط ، وهو المأكول ، وليمة سائغة في أفواه قروش العالم ؛ بعد تفجر فضيحة التنصت على ضحايا أبرياء من عامة الشعب ، ولعل أهمها فضيحة الضحية المقتولة " ميلي دوللر " التي قتلت في عام 2002م وقد أثار الكشف عن أن مخبرا تابعا لحساب " نيوز أف ذي وورلد " ؛ قام بمحو رسائل الهاتف الخليوي للفتاة المفقودة للإيحاء لأقربائها والشرطة بأنها على قيد الحياة ..! وأكثر أهداف شبكة تنصت " مردوخ " كانت تنصب حول ضحايا جرائم القتل ، والجنود الذين سقطوا في حربي أفغانستان والعراق ، بينما تضيف أمريكا الهائجة هي الأخرى على مشجب فضائح إمبراطورية " نيوز أف ذي وورلد " ضحايا الحادي عشر من سبتمبر لفخاخ التنصت البشع في حق الأبرياء ..!وفي أثناء جلسة الاستماع في البرلمان البريطاني قدم " مردوخ " خالص الاعتذار لأسر ضحايا التنصت عن " الأخطاء الفادحة التي وقعت " مرفقا اعتذاره بوعد تعويض جميع الضحايا ..! ما أسهل اعتذار الجاني بعد اهراق بحر من الدماء ..!وماذا يفعل هذا الاعتذار المتأخر جدا بعد وقوع الأذى النفسي والجسدي بالأشخاص الأبرياء ، بل غالبا ما يعد الاعتذار وفي ظرف كهذا و في مثل هذه الحالة جريمة شنعاء في حق كل من دفع باهضا ثمن تلك التلاعبات اللاأخلاقية في سبيل سبق صحفي ، أو إثارة خبر أو جني ثروة على حساب جثث أشخاص - لا ذنب لهم - سوى أنهم كانوا صيدا ثمينا في صالح هؤلاء الجشعين ، فارغي الضمير والإنسانية ..!ومن ناحية أخرى تعد فضيحة إمبراطورية " مردوخ " الآيلة للسقوط ، في صالح مصالح جهات عديدة ليس فقط من قبل أولئك الذين طعنوا من قبل إعلام " مردوخ " المتزعم لانتهاك الحريات والمطاردة والتنكيل والتنحي خلف الشمس من مسؤولين وصحفيين ومرشحين ومشاهير بل أكثر المستفيدين صادري الصحف الأخرى ، وكأن قول " المتنبي " يستدعي نفسه : مصائب قوم عند قوم فوائد ..!لكن الأصل في هذه المصيبة - الغنيمة المجانية - عند البعض والتي هبطت عليهم هبّة من السماء هي ألا يتباهوا ولا تشملهم الفرحة طويلا لسقوط هذه الصحيفة الأكثر مبيعا والأشهر طوال 168 عاما ؛ بل أن يضعوا في عين اعتبارهم قواعد وأصول الإعلام الجيد ، ولعل من أشدها أهمية ولا يقوم إعلام نظيف دونها : " النزاهة " نزاهة الجهة الإعلامية والعاملين فيها .. فمن يضع " النزاهة " خارج مراميه ؛ المرامي عينها سوف تقذفه في زمن ما إلى قدر غير محمود العواقب ..!معادلة " النزاهة " هي أنظومة مكتملة ، يستدعي حضورها في كل وطن يطمح على أرضه الثابتة أفرادا نزيهين يستمدون نزاهتهم من قوانين نزيهة تصدر في حقهم ، يساندهم إعلام نزيه في كل ما يقدمه لهم ؛ كي تتعامق جسور الثقة إلى المجتمع النزيه بكافة أطيافه ، وكل هذا من أجل وطن نزيه هو ملك للجميع ولكافة الأجيال ..ولتقلص مفاهيم النزاهة وتخلخلها هي من أكثر الأسباب التي كانت وراء سقوط إمبراطورية مردوخ ، الذي على ما حوّل الإعلام إلى حلبة سيرك تزعمها ، زعيم أولئك المهرجين الذين يتضاحكون ، يتباكون ، يرقصون ، ويعلنون الحداد حسبما هي أحوال العامة المتفرجين ولنيل رضاهم ولنيل رفعة وشهرة شعبية تبنى على أساس من الغش والخداع وابتزاز وانتهاك الحقوق واستغلالها وتهويم وتضخيم وتواري وكشف حقائق حسبما مزاج سائسها ..! وليس بعيدا عن هذا المعنى ما أشاره الروائي " عاموس عوز " في مقطع في روايته " قصة عن الحب والظلام " حين تحدث عن العلاقة ما بين القارئ السيئ والصحفي اللاهث قائلا : " القارئ السيىء مثله مثل الصحفي اللاهث ، يتعامل دائما بنوع من الريبة العدائية ، بنوع من الكراهية المتزمتة دينيا ، القويمة أخلاقيا مع الإبداع ، الإختلاق ، التحايل والمبالغة ، إلى ألعاب اللف والدوران إلى الكلمات ذات الوجهين وإلى الموسيقى وإلى الإيحائي إلى الخيال نفسه ، قد يتكرم وينظر أحيانا في عمل أدبي مركب ولكن شريطة أن نضمن له مسبقا المتعة " التخريبية " الكامنة في ذبح بقرات مقدسة ، أو المتعة المحمضة التي تنطوي على التقوى التي أدمن عليها كل مستهلكي الفضائح و" الاكتشافات " على مختلف أنواعها بحسب قائمة الطعام التي تقدمها لهم الجرائد الصفراء " . في بلد يكون إعلامه قاصما لحقوق وحريات المعدمين من العامة ؛ فكيف إذن ستغدو قبضة كبريات سياسات أخرى على من هم " لا تهش ولا تنش " كما نرددها بالعامية في البلد نفسه ..؟!في قرن من الزمن غدت " الثقة " فقاعة صابونية تنفقئ في وهلة ، لن يثق فيه الإنسان حتى بظله اللصيق به في غدوه ورواحه ، حتى الظلال لا تستأمن يا جماعة ؛ فراقبوها جيدا ..! ليلى البلوشي Lailal222@hotmail.comلمزيد من المقالات في مدونتي أتنفس بهدوء :
http://www.lailal2222.blogspot.com__._,_.___